من عرف الله في الرخاء عرفهُ في الشدة
الشيخ / عبد الكريم الخضير
" فما رأيتُ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - استنَّ استناناً أحسن منه " - عليه الصلاة والسلام - حرصاً على هذه السَّنَّة ، والمُوفَّق لا يُفرِّطُ بشيءٍ من السُّنن حتى في أحلك الظُّرُوف والأحوال .
وكثيرٌ من النَّاس تُشاهِدُونهُ في الأوقات التِّي تضييق بالنِّسبة لهُ يُهدر كثير من الواجبات فضلاً عن السُّنن ، يتخفَّف من الواجبات لأدْنَى سبب ، ويعْذُر نفسهُ بأدْنَى عُذْر عن الواجبات يتخفَّف ويقول : الله غفورٌ رحيم لأدْنى عُذر ، يُصاب بزُكام ويترك الصَّلاة مع الجماعة ، وعكة خفيفة يترك الصَّلاة ، يُؤخِّر الصَّلاة حتى يخرج وقتُها و يقول : الله غفورٌ رحيم ، نعم الله غفورٌ رحيم ، رحمتُهُ وسعت كُلَّ شيء كَتَبَها لمن ؟ و { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا }[(156) سورة الأعراف] لمن ؟ ، للمُفرِّطين ؟ ، للذِّين يُزاولُون المُنكرات ويعتمدُون على سعة رحمة الله ؟ لا ، هو غفورُ رحيم كما أخبر عن نفسِهِ -جل وعلا- ، ومع ذلكم شديدُ العقاب .
والله -سبحانه وتعالى- يغار ، ولذا حُدَّت الحُدُود ، يزني الزَّاني ويقول : الله غفورٌ رحيم ، ويسرق السَّارق ويقول : الله غفورٌ رحيم ، ورحمة الله -جل وعلا- لا تُحد وسِعت كل شيء ؛ ولكنْ مع ذلكم هناك مع هذا الوعد وعيد ، وعلى المُسلم أنْ ينظر إلى النُّصُوص مُجتمعة ، لا ينظر إلى الوعد فقط فيُصاب باليأس والقُنُوط ، ويسلك مسالك الخوارج ، لا ، ولا ينظر إلى نُصُوص الوعد مُعرضاً عن نُصُوص الوعيد فيسلك مسلك الإرجاء ، وينسلخ من الدِّين وهو لا يشعر ، على الإنسان أنْ يتوسَّط في أُمُورِهِ كما هو مذهب أهل الحق مذهب أهل السُّنة والجماعة ، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما فرَّط في هذه السنة رغم ما يُكابِدُهُ من آلام وأوجاع .
ومن عرف الله وتعرَّف على الله في الرَّخاء عرفهُ في الشِّدَّة ، من أراد أنْ ينظر الشَّاهد على ذلك الشَّواهد الحيَّة على ذلك : يزُور المرضى في المُستشفيات لاسيَّما من كانت أمراضُهُم شديدة مُقلِقة ؛ بل ينظر إلى أماكن العِناية ، وينظر الفُرُوق ، دخلنا المُستشفى مرَّة فإذا بشخص أكثر من ثمانين عُمرهُ في آخر لحظاتِ حياتِهِ على لسانِهِ اللَّعن والسَّب والشَّتم ، لا يفترُ عن ذلك كبير في السِّن في آخر لحظاته ، أين أنت والله يفعل ويترك ، يلعن باللعن الصَّريح ، وخرجنا من عندهُ وهو على هذه الحال ؛ لأنَّهُ عاش أيَّام الرَّخاء على هذه الحال .
وشخص ؛ بل أشخاص بالعناية لا يعرفُ الزَّائِرين ويُسْمع القرآن منهُ ظاهر ، يُرتِّل القرآن ترتيل ، وهو لا يعرف من حوله ، وهو مُغمىً عليه ، وكم من شخص في حال إغماء فإذا جاء وقتُ الأذان أذَّن أذان واضح وظاهر يُسْمَع منهُ ، وكم من شخص يُلازم الذِّكر وهو بالعناية ، وتُرى علامات الذِّكر على وجهِهِ ، وقدِّم تجد .
تعرَّف على الله في الرَّخاء يعرفك في الشِّدَّة ، أما لأدنى سبب تعذر نفسك وتترك الواجبات فضلاً عن المُستحبَّات ، هذا في النِّهاية ما تجد شيء ، ما تُعان .
كثير من طُلاَّب العلم مع الأسف الشَّديد ليس لهم نصيب كما ينبغي من كتاب الله -عز وجل- ، فإذا ذهب إلى الأماكن الفاضلة ، في الأوقات المُفضَّلة في العشر الأواخر من رمضان في مكة يتفرَّغ للعبادة فيجلس من صلاة العصر إلى أذان المغرب يتعرَّض لِنفحات الله في ذلك الوقت ، يفتح المُصحف ؛ لكن ليس لهُ رصيد سابق طُول عُمره يُريد أنْ يستغل هذه الأيام ، هل يُعان على قراءة القرآن ؟! ، ما يُعان أبداً ، هذا الشَّاهد حاصل ، يعني موجُودة الشَّواهد ، تجد شخص من خيار النَّاس يفتح المُصحف بعد صلاة العصر خمس دقائق ثُم يغلق المُصحف ؛ يمل ؛ يتلفَّت يمين وشمال لعلُّه يشُوف أحد يقضي معه بعض الوقت يُنفِّس عنهُ ، هل أنت في كُربة يُنفِّس عنك ؟! .
لكن رأينا من ينظر السَّاعة كيف تمشي بسُرعة قبل أنْ يُكمل ما حدَّدَهُ من التِّلاوة حِزبهُ الذِّي اعتادهُ .
بعض النَّاس يقول : (( من حجَّ فلم يرفُث ولم يَفْسُق خرج من ذُنُوبِهِ كيوم ولدتهُ أُمُّه )) الحج أربعة أيَّام ، يقول : لو الإنسان يخيط الشفتين خياط ما عليه لو سكت أربعة أيام ؟! ، لكن هل يُعان على السُّكُوت ؛ وهو طُول أيَّامِهِ أيَّام الرَّخاء قيل وقال ؟ والله ما يُعان على السُّكُوت .
فعلى الإنْسان أنْ يتعرَّف على الله في الرَّخاء ليُعرف في مثل هذه اللحظات ، كما قال الله -جل وعلا- : { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى }[(4) سورة الليل] .
في العناية شخص يلعن و يسبُّ و يشتم ، وشخصٍ يقرأ القُرآن ، يعني الله -جل وعلا- ظلم هذا ولطف بهذا ؟! ، أبداً ، هذا ما قدَّم وهذا ما قدَّم ، والنَّتيجة أمامه .
النَّبي -عليه الصلاة والسلام- يُكابد من المرض ما يُكابد ويحرص على تطبيق السُّنَّة -عليه الصلاة والسلام-.
" فما رأيتُ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- استنَّ استناناً أحسن منه " بعد أنْ فرغ ، مُجرَّد ما فرغ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- رفع يدهُ أو إصبعهُ ، ثُمَّ قال : (( في الرَّفيق الأعلى )) ثلاثاً ثُمَّ قضى -عليه الصلاة والسلام- ، خرجت رُوحُهُ الشَّريفة إلى بارئِها ، وكانت تقول : " مات بين حاقنتي وذاقنتي " الوهدة المُنخفضة ما بين الترقوتين ، والذِّقن معروف مكان اللحية ، " مات بين سحري ونحري " هذا من مناقبها -رضي الله عنها- ، وفي لفظٍ : " فرأيته ينظر إليه ، وعرفت أنه يُحب السواك " فقلت : " آخذه لك ؟ " فأشار برأسه : أن نعم - عليه الصلاة والسلام - وهذا لفظُ البُخاري ، ولمسلم نحوه .
فعلينا أنْ نحرص أشدَّ الحرص على الواجبات (( وما تقرَّب احدٌ إلى الله بأفضل مما افترض عليه )) ويحرص أيضاً على تطبيق السُّنن في الرَّخاء ليُمكَّن منها في الشِّدَّة ، ولِيَأْلَفها ولِيَتجاوز مرحلة الاختبار إلى مرحلة التَّلذُّذ بالطّاعة العبادة ، يكُون لهُ نصيب من الذِّكر، من التِّلاوة من الانكسار بين يدي الله -عز وجل- ، ليُعرف إذا احتاج فيما بعد ، ليُكْتب لهُ هذا العمل إذا مرض وعجز عنهُ ، يستمر لهُ هذا العمل .
*** للامانه منقول من الاخ سامي ***