اخر المواضيع

اضف اهداء

 

العودة   منتديات الرائدية > المنتديات العامة > المنتدى الإسلامي
 

إضافة رد
مشاهدة الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-01-2010, 07:33 PM   رقم المشاركة : 1
bohagr
ـ عضو موقوف ـ
الملف الشخصي







 
الحالة
bohagr غير متواجد حالياً

 


 

icon30.gif إلى الاخ مسلم 1431 وفقه الله

إن مسألة المدح الثناء مبنية على أصل الولاء والبراء , وهو التقريب والمحبة والمناصرة والثناء على قدر ونوع الطاعات , والإبعاد والمخالفة والكره والذم على قدر ونوع المخالفات ؛ كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (10\366) : "أصل عظيم: وهو: أن تعرف الحسنة في نفسها علما وعملا سواء كانت واجبة أو مستحبة , وتعرف السيئة في نفسها علما وقولا وعملا محظورة كانت أو غير محظورة - إن سميت غير المحظورة سيئة - وإن الدين تحصيل الحسنات والمصالح وتعطيل السيئات والمفاسد .
وأنه كثيرا ما يجتمع في الفعل الواحد أو في الشخص الواحد الأمران :
فالذم والنهي والعقاب قد يتوجه إلى ما تضمنه أحدهما فلا يغفل عما فيه من النوع الآخر .
كما يتوجه المدح والأمر والثواب إلى ما تضمنه أحدهما فلا يغفل عما فيه من النوع الآخر.
وقد يمدح الرجل بترك بعض السيئات البدعية والفجورية لكن قد يسلب مع ذلك ما حمد به غيره على فعل بعض الحسنات السنية البرية .
فهذا طريق الموازنة والمعادلة ومن سلكه كان قائما بالقسط الذي أنزل الله له الكتاب والميزان".
وقال –أيضا- في نفس المصدر (4\14) : "فحمد الرجال عند الله ورسوله وعباده المؤمنين بحسب ما وافقوا فيه دين الله وسنة رسوله وشرعه من جميع الأصناف ؛ إذ الحمد إنما يكون على الحسنات , والحسنات: هي ما وافق طاعة الله ورسوله من التصديق بخبر الله والطاعة لأمره ، وهذا هو السنة ؛ فالخير كله - باتفاق الأمة - هو فيما جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم) .
وكذلك ما يذم من يذم من المنحرفين عن السنة والشريعة وطاعة الله ورسوله إلا بمخالفة ذلك".
وقال في الفتاوى الكبرى (2\446) : "وهذا أصل يجب أن يعرف، فإن البلد قد تحمد أو تذم في بعض الأوقات لحال أهله، ثم يتغير حال أهله فيتغير الحكم فيهم إذ المدح والذم والثواب والعقاب إنما يترتب على الإيمان والعمل الصالح أو على ضد ذلك من الكفر والفسوق والعصيان، قال الله تعالى: {يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام}".
وقال –أيضا- في الفتاوى الكبرى (6\662-663) : "وليس المقصود هنا إطلاق مدح شخص أو طائفة، ولا إطلاق ذم ذلك، فإن الصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أنه :
قد يجتمع في الشخص الواحد والطائفة الواحدة ما يحمد به من الحسنات , وما يذم به من السيئات ، وما لا يحمد به ولا يذم من المباحث والعفو عنه من الخطأ والنسيان ؛ بحيث يستحق الثواب على حسناته , ويستحق العقاب على سيئاته , بحيث لا يكون محمودا ولا مذموما على المباحات والمعفوات ، وهذا مذهب أهل السنة في فساق أهل القبلة ونحوهم.
وإنما يخالف هذا الوعيدية من الخوارج والمعتزلة ونحوهم الذين يقولون : من استحق المدح لم يستحق الثواب ، حتى يقولون: إن من دخل النار لا يخرج منها بل يخلد فيها، وينكرون شفاعة محمد في أهل الكبائر قبل الدخول وبعده وينكرون خروج أحد من النار وقد تواترت السنن عن النبي بخروج من يخرج من النار حتى يقول الله: {أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان}، وبشفاعة النبي لأهل الكبائر من أمته .
ولهذا يكثر في الأمة من أئمة الأمراء وغيرهم من يجتمع فيه الأمران [الحسنات والسيئات] ، فبعض الناس يقتصر على ذكر محاسنه ومدحه غلوا وهوى ، وبعضهم يقتصر على ذكر مساويه غلوا وهوى ، ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وخيار الأمور أوسطها" .

قلت : وليس من الغلو ولا من الهوى ما ذهب إليه بعض أهل العلم من المنع من ذكر حسنات وممادح أهل البدع والأهواء المخالفين للكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة , كما قال الفضيل بن عياض أنه قال : (من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام) .
وبما قاله رافع ابن الأشرس : (من عقوبة الفاسق المبتدع أن لا تذكر محاسنه).
ذلك أن مدح أهل البدع والأهواء وذكر محاسنهم –ولو كان بحق- , يمنع منه بقصد إخماد بدعته وإطفاء ناره , كما قال ابن دقيق العيد في توجيه المنع من الرواية عن المبتدعة فيما نقله عنه السخاوي في فتح المغيث (1\328) : "إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه هو إخمادا لبدعته وإطفاء لناره يعني لأنه كان يقال كما قال رافع بن أشرس : (من عقوبة الفاسق المبتدع أن لا تذكر محاسنه)" .
ولهذا قال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- في شرح فضل الإسلام (ش\10) جوابا عن السؤال التالي : " السؤال : الذي يثني على أهل البدع ويمدحهم هل يلحق بهم؟
الجواب : نعم ما فيه شك من أثنى عليهم ومدحهم هو داع إليهم، هو من دعاتهم نسأل الله العافية" .
ويعظم هذا المنع ويتأكد بحسب أمرين اثنين :
أولهما : بحسب نوع المخالفة ؛ فكلما كانت المخالفة مما يعظم شأنها في الشريعة -كبدعة الحلول والاتحاد والتجهم ونحوها- كان المنع من الثناء على أربابها آكد وأقوى , كمن يثني على أصحاب الحلول والاتحاد وغلاة الجهمية الذين اشتهر سوء حالهم واستفاض , وأطبقت الأمة على ذمهم والتحذير منهم ؛ وفي هذه الحالة يلحق المادح بالممدوح , كما قرر هذا المعنى شيخ الإسلام بقوله في أهل الاتحاد , حيث قال في مجموع الفتاوى (2\132) : "وهكذا هؤلاء الاتحادية فرءوسهم هم أئمة كفر يجب قتلهم ولا تقبل توبة أحد منهم إذا أخذ قبل التوبة فإنه من أعظم الزنادقة الذين يظهرون الإسلام ويبطنون أعظم الكفر وهم الذين يفهمون قولهم ومخالفتهم لدين المسلمين .
ويجب عقوبة كل من : انتسب إليهم , أو ذب عنهم , أو أثنى عليهم , أو عظم كتبهم , أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم , أو كره الكلام فيهم , أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدري ما هو , أو من قال إنه صنف هذا الكتاب , وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق ؛ بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم , ولم يعاون على القيام عليهم ؛ فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات".
الثاني : بحسب أثر الثناء والمدح ؛ فالمدح والثناء المفضيان إلى تحسين ظن السامع بالمخالف المنحرف واعتقاد أنه على الجادة السوية يمنع منه سدا لذريعة التغرير , كما قال الشيخ صالح الفوزان –حفظه الله- في رسالة التبديع والتفسيق (ص\73) معللا المنع من ذكر حسنات أهل البدع ومدحهم بسد ذريعة الترويج للبدعة والتهوين من أمر السنة "لا يجوز تعظيم المبتدعة والثناء عليهم، ولو كان عندهم شيء من الحق؛ لأن مدحهم والثناء عليهم يروج بدعتهم، ويجعل المبتدعة في صفوف المقتدى بهم من رجالات هذه الأمة. والسلف حذرونا من الثقة بالمبتدعة، وعن الثناء عليهم، ومن مجالستهم، والمبتدعة يجب التحذير منهم، ويجب الابتعاد عنهم، ولو كان عندهم شيء من الحق، فإن غالب الضُلاَّل لا يخلون من شيء من الحق؛ ولكن ما دام عندهم ابتداع، وعندهم مخالفات، وعندهم أفكار سيئة، فلا يجوز الثناء عليهم، ولا يجوز مدحهم، ولا يجوز التغاضي عن بدعتهم؛ لأن في هذا ترويجاً للبدعة، وتهويناً من أمر السنة، وبهذه الطريقة يظهر المبتدعة ويكونون قادة للأمة - لا قدَّر الله - فالواجب التحذير منهم".

وليس معنى ما تقدم : أنه يمنع من ذكر محاسن وممادح المخالفين ولو كانوا من المبتدعة منعا عاما مطلقا , ذلك أن المنع من مدحهم خروج عن الأصل , فالأصل هو أن كل مسلم يمدح بما فيه من طاعات , ويذم لما وقع فيه من مخالفات , والمنع من مدح أهل البدع والأهواء خروج عن هذا الأصل , وقيل به سدا لذريعة الترويج للبدعة , وما منع منه سدا للذريعة يقال بجوازه لمصلحة الراجحة –كما هو مقرر عند المحققين من أهل العلم- .
ولهذا فإن أهل العلم الذين منعوا من الرواية عن المبتدع إخمادا لبدعته وإطفاء لناره قد أجازوا الرواية عنه ما لا يوجد عند غيره , كما قال ابن دقيق العيد في الرواية عن أهل البدع فيما نقله عنه السخاوي في فتح المغيث (1\328) : "إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه هو إخمادا لبدعته وإطفاء لناره يعني لأنه كان يقال كما قال رافع بن أشرس : (من عقوبة الفاسق المبتدع أن لا تذكر محاسنه) .
وإن لم يوافقه أحد ولم يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما وصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالتدين وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته ؛ فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته".

وتلك الوسطية التي أشار إليها شيخ الإسلام في باب المدح والقدح ...
وذاك المنع من ذكر محاسن أهل البدع سدا لذريعة الاغترار بهم ...
وتجويز هذا المدح للمصلحة الراجحة , هو ما قرره أئمة العلم والإيمان فبينوا :
أن الثناء على المخالف من أهل الأهواء والبدع ليس في رتبة واحدة , فمنه المشروع , ومنه الممنوع , ومنه الخاضع لاعتبار المصالح والمفاسد , فهي حالات متعددة , لكل حالة حكمها الخاص بها , وبيان أحكام هذه الحالات ببيان التالي :


الحالة الأولى : مدح المخالف في معرض نقده والتحذير من أخطائه
.في هذه الحالة الأصل عدم ذكر حسنات وممادح المنقود لأن المقصود التحذير من الشخص , وذكر محاسنه مفضي إلى تقليل قيمة النقد , كما قال :
الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- في التعليق على الوابل الصيب (ش\5) : "من أظهر البدع يحذر من بدعته وتترك محاسنه , من أظهر البدع يحذر منه ويعرض عن المحاسن , لأن المقصود التحذير من الشر , وليس المقصود بيان المحاسن".
وقرر–أيضا- في مجموع الفتاوى والمقالات (9\352) أنه لا يلزم في معرض النقد ذكر محاسن المنقود فقال: "الواجب على أهل العلم إنكار البدع والمعاصي الظاهرة بالأدلة الشرعية، وبالترغيب والترهيب والأسلوب الحسن، ولا يلزم عند ذلك ذكر حسنات المبتدع".
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين كما في لقاءات الباب المفتوح (ش\121) : "وأما من أراد النصح والتحذير من بدعته وخطره فلا يذكر الحسنات؛ لأنه إذا ذكر الحسنات فهذا يرغِّب الناس بالاتصال به.
فالمسألة فيها تفصيل، فمثلاً إذا إنسان ابتدع بدعة وأردنا أن نتكلم نحذر من البدعة فإنا نذكره ولا بأس، وإن كان قد يكون من المصلحة ألا يُذكر باسمه.
وأما إذا كنا نريد أن نتكلم عن حياته فالواجب أن يُذكر ما له وما عليه.
فالمسألة فيها تفصيل: الرسول (صلى الله عليه وسلم) ذكر أسماء معينة بأشخاصهم في مقام النصح كما في حديث فاطمة بنت قيس أنه خطبها أبو جهم ومعاوية وأسامة بن زيد فذكر النبي (صلى الله عليه وسلم) عن أبي جهم وعن معاوية ما يقتضي ألا تتزوجهما , وقال: [انكحي أسامة] ، ولم يذكر محاسنهما مع أن محاسنهما لا شك أنها كثيرة؛ لكنه سكت عن ذلك؛ لأن المقام يقتضي هذا".
وأما الإنسان إذا كتب عن حياة شخص فيجب أن يقول العدل، ما له وما عليه. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين".
وقال في لقاء الباب المفتوح (ش\67) : "وعندما نحذر من خطأ شخص نذكر الخطأ فقط؛ لأن المقام مقام تحذير، ومقام التحذير ليس من الحكمة أن نذكر المحاسن؛ لأنك إذا ذكرت المحاسن فإن السامع سيبقى متذبذباً، فلكل مقام مقال.
فمن أراد أن يتكلم عن شخص على وجه التقويم فالواجب عليه أن يذكر محاسنه ومساوئه -هذا إذا اقتضت المصلحة ذلك-، وإلا فالكف عن مساوئ المسلمين هو الخير.
وأما من أراد أن يُحذِّر من خطأ فهذا يذكر الخطأ، وإذا أمكن أن لا يذكر قائله فهو خير أيضاً؛ لأن المقصود هو هداية الخلق".
وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله- في شريط "مَن حامل راية الجرح والتعديل في العصر الحاضر ": "إذا كان المقصود بترجمة الرجل هو تحذير المسلمين وبخاصة عامتهم الذين لا علم عندهم بأحوال الرجال ومناقب الرجال ومثالب الرجال؛ بل قد يكون له سمعة حسنة وجيدة ومقبولة عند العامة، ولكن هو ينطوي على عقيدة سيئة أو على خلق سيئ، هؤلاء العامة لا يعرفون شيئاً من ذلك عن هذا الرجل.. حين ذاك لا تأتي هذه البدعة التي سميت اليوم بـ (الموازنة) ذلك لأن المقصود حين ذاك النصيحة وليس هو الترجمة الوافية الكاملة".
وقال في الشريط نفسه: "لذلك باختصار أنا أقول ولعل هذا القول هو القول الوسط في هذه المناقشات التي تجري بين الطائفتين: هو التفريق بين ما إذا أردنا أن نترجم للرجل فنذكر محاسنه ومساويه، أما إذا أردنا النصح للأمة أو إذا كان المقام يقتضي الإيجاز والاختصار فنذكر ما يقتضيه المقام من تحذير من تبديع من تضليل وربما من تكفير أيضاً إذا كان شروط التكفير متحققة في ذاك الإنسان، هذا ما أعتقد أنه الحق الذي يختلف فيه اليوم هؤلاء الشباب".

ولقد أخطأ في هذه المسألة صنفان :
الصنف الأول : صنف قالوا بوجوب ذكر حسنات المنقود .
إن القول بوجوب ذكر حسنات المنقود في معرض الرد عليه , قول محدث باطل لا دليل عليه من كتاب أو سنة أو أثارة من علم , كما قال الشيخ ربيع –حفظه الله- في كتاب المحجة البيضاء : "إن القول بوجوب الموازنات في نقد أهل الباطل يؤدي إلى مفاسد كبيرة وخطيرة جداً، أهمها: (تجهيل السلف , رميهم بالظلم والجور , تعظيم البدع وأهلها، وتحقير أئمة السلف وما هم عليه من السنة والحق)".
وقد بين بطلان هذا القول أئمة السنة في عصرنا منهم :
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- , حيث قال –كما في منهج أهل السنة في نقد الرجال والكتب والطوائف (ص\8) جوابا عن السؤال التالي: "فيه أناس يوجبون الموازنة: أنك إذا انتقدت مبتدعا ببدعته لتحذر الناس منه يجب أن تذكر حسناته حتى لا تظلمه؟.
فأجاب الشيخ -رحمه الله-: لا ، ما هو بلازم، ما هو بلازم، ولهذا إذا قرأت كتب أهل السنة، وجدت المراد التحذير، اقرأ في كتب البخاري (خلق أفعال العباد) ، في كتاب الأدب في (الصحيح) ، كتاب (السنة) لعبد الله بن أحمد- ، كتاب (التوحيد) لابن خزيمة- ، (رد عثمان بن سعيد الدارمي على أهل البدع) ... إلى غير ذلك.
يوردونه للتحذير من باطلهم، ما هو المقصود تعديد محاسنهم... المقصود التحذير من باطلهم ، ومحاسنهم لا قيمة لها بالنسبة لمن كفر، إذا كانت بدعته تكفره، بطلت حسناته، وإذا كانت لا تكفره، فهو على خطر، فالمقصود هو بيان الأخطاء والأغلاط التي يجب الحذر منها".
ومنهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله- حيث قال –كما الهدى والنور (ش\850) مبينا بدعية القول بلزوم الموازنات في النقد- جوابا على السؤال التالي: "السائل: الحقيقة يا شيخنا إخواننا هؤلاء أو الشباب هؤلاء جمعوا أشياء كثيرة، من ذلك قولهم: لابد لمن أراد أن يتكلم في رجل مبتدع قد بان ابتداعه وحربه للسنة أو لم يكن كذلك لكنه أخطأ في مسائل تتصل بمنهج أهل السنة والجماعة لا يتكلم في ذلك أحد إلا من ذكر بقية حسناته، وما يسمونه بالقاعدة في الموازنة بين الحسنات والسيئات، وألفت كتب في هذا الباب ورسائل من بعض الذين يرون هذا الرأي ، بأنه لابد منهج الأولين في النقد ولا بد من ذكر الحسنات وذكر السيئات، هل هذه القاعدة على إطلاقها أو هناك مواضع لا يطلق فيها هذا الأمر ؟ نريد منكم بارك الله فيكم التفصيل في هذا الأمر.
فأجاب الشيخ الألباني: التفصيل هو: وكل خير في اتباع من سلف، هل كان السلف يفعلون ذلك ؟
فقال السائل: هم يستدلون حفظك الله شيخنا ببعض المواضع، مثل كلام الأئمة في الشيعة مثلاً، فلان ثقة في الحديث، رافضي خبيث، يستدلون ببعض هذه المواضع، ويريدون أن يقيموا عليها القاعدة بكاملها دون النظر إلى آلاف النصوص التي فيها كذاب، متروك، خبيث ؟
فقال الشيخ الألباني: هذه طريقة المبتدعة، حينما يتكلم العالم بالحديث برجل صالح أو عالم وفقيه، فيقول عنه: سيئ الحفظ، هل يقول إنه مسلم، وإنه صالح، وإنه فقيه وإنه يرجع إليه في استنباط الأحكام الشرعية... الله أكبر، الحقيقة القاعدة السابقة مهمة جداً، تشتمل فرعيات عديدة خاصة في هذا الزمان.
من أين لهم أن الإنسان إذا جاءت مناسبة لبيان خطأ مسلم، إن كان داعية أو غير داعية؛ لازم ما يعمل محاضرة, ويذكر محاسنه من أولها إلى آخرها، الله أكبر، شيء عجيب والله، شيء عجيب.
فقال السائل: وبعض المواضع التي يستدلون بها مثلاً: من كلام الذهبي في "سير أعلام النبلاء "أو في غيرها، تُحمل شيخنا على فوائد أن يكون عند الرجل فوائد يحتاج إليها المسلمون، مثل الحديث ؟
فقال الشيخ الألباني: هذا تأديب يا أستاذ مش قضية إنكار منكر، أو أمر بمعروف يعني الرسول عندما يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره "هل تنكر المنكر على المنكر هذا، وتحكي إيش محاسنه ؟
فقال السائل: أو عندما قال: بئس الخطيب أنت، ولكنك تفعل وتفعل، ومن العجائب في هذا قالوا: ربنا عز وجل عندما ذكر الخمر ذكر فوائدها ؟فقال الشيخ الألباني: الله أكبر، هؤلاء يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، سبحان الله، أنا شايف في عندهم أشياء ما عندنا نحن".
وقال –رحمه الله- أيضاً كما جاء في شريط (مَن حامل راية الجرح والتعديل في العصر الحاضر) : "ما يطرح اليوم في ساحة المناقشات بين كثير من الأفراد حول ما يسمى أو حول هذه البدعة الجديدة المسماة (الموازنة) في نقد الرجال .
أنا أقول: النقد إما أن يكون في ترجمة الشخص المنتقد ترجمة تاريخية فهنا لا بد من ذكر ما يحسن وما يقبح بما يتعلق بالمترجم من خيره ومن شره، أما إذا كان المقصود بترجمة الرجل هو تحذير المسلمين وبخاصة عامتهم الذين لا علم عندهم بأحوال الرجال ومناقب الرجال ومثالب الرجال؛ بل قد يكون له سمعة حسنة وجيدة ومقبولة عند العامة، ولكن هو ينطوي على عقيدة سيئة أو على خلق سيئ، هؤلاء العامة لا يعرفون شيئاً من ذلك عن هذا الرجل.. حين ذاك لا تأتي هذه البدعة التي سميت اليوم بـ (الموازنة) ذلك لأن المقصود حين ذاك النصيحة وليس هو الترجمة الوافية الكاملة.
ومن درس السُنة والسيرة النبوية لا يشك ببطلان إطلاق هذا المبدأ المحدث اليوم وهو (الموازنة) لأننا نجد في عشرات النصوص من أحاديث الرسول (عليه الصلاة والسلام) يَذكر السيئة المتعلقة بالشخص للمناسبة التي تستلزم النصيحة ولا تستلزم تقديم ترجمة كاملة للشخص الذي يراد نصح الناس منه، والأحاديث في ذلك أكثر من أن تستحضر في هذه العُجالة، ولكن لا بأس من أن نذكر مثالاً أو أكثر إن تيسر ذلك، ثم ذكر- الشيخ الألباني - قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : [بئس أخو العشيرة] , وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : [أما معاوية فرجل صعلوك، وأما أبو جهم فلا يضع العصا على عاتقه] و أنهما دليلان على عدم وجوب الموازنات، ثم قال: (ولكن المهم فيما يتعلق بهذا السؤال أن أقول في ختام الجواب: إن هؤلاء الذين ابتدعوا بدعة الموازنات هم بلا شك يخالفون الكتاب ويخالفون السنة، السنة القولية والسنة العملية، ويخالفون منهج السلف الصالح، من أجل هذا رأينا أن ننتمي في فقهنا وفهمنا لكتاب ربنا ولسنة نبينا (صلى الله عليه وسلم) إلى السلف الصالح، لم ؟ لا خلاف بين مُسلمَيْن فيما اعتقد أنهم أتقى وأورع وأعلم و.. الخ ممن جاؤوا من بعدهم.
الله عز وجل ذكر في القرآن الكريم وهي من أدلة الخصلة الأولى يقصد في الأمثلة التي ذكرها (متظلم) (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم) فإذا قال المظلوم فلان ظلمني، أفيقال له: اذكر له محاسنه يا أخي ؟ والله هذه الضلالة الحديثة من أعجب ما يطرح في الساحة في هذا الزمان".
ومنهم فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- , حيث قال الشيخ –رحمه الله- -كما نقله عنه الشيخ ربيع في كتاب (انقضاض الشهب السلفية على أوكار عدنان الخلفية) جوابا عمن سأله عن بعض المقالات ومنها مقالة: "أنه من العدل والإنصاف عند النصيحة والتحذير أن تذكر حسناتهم إلى جانب سيئاتهم "؟.
فأجاب -رحمه الله-: أقول لك: لا، لا، لا، هذا غلط، اسمع يا رجل: في مقام الرد ما يحسن أني أذكر محاسن الرجل وأنا رادّ عليه، إذن ضَعُف ردّي.
قال السائل: حتى ولو كان من أهل السنة شيخنا؟
فأجاب –رحمه الله-: من أهل السنة وغير أهل السنة، كيف أردّ وأروح أمدحه، هذا معقول؟!!".


الصنف الثاني : صنف لا يرى جواز ذكر حسنات المنقود ولو اقتضت الحاجة والمصلحة
.
لا يعني بدعية القول بوجوب ذكر حسنات المنقود , أن ذكر الحسنات محرم , فنفي الوجوب لا يستلزم منه إثبات التحريم , والأدلة على مشروعية ذكر حسنات المنقود –اذا اقتضت الحاجة والمصلحة- كثيرة منها:
أولا : قوله تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا] , ففي هذه الآية إشارة إلى محاسن الخمر لبيان أن مفسدتها أرجح من مصلحتها , فلا ينبغي أن يغتر بما فيها من مصالح , وقد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية بهذه الآية للدلالة على أن الفعل الواحد ، والفاعل الواحد، والعين الواحدة هل يجتمع فيه أن يكون محمودًا مذمومًا ، مرضيًا مسخوطًا ؛ فقال في مجموع الفتاوى (19\305) : "فهذه المسائل مسألة الفعل الواحد ، والفاعل الواحد، والعين الواحدة هل يجتمع فيه أن يكون محمودًا مذمومًا ، مرضيًا مسخوطًا ، محبوبًا مبغضًا ، مثابًا معاقبًا ، متلذذًا متألمًا، يشبه بعضها بعضًا ؟ والاجتماع ممكن من وجهين ، لكن من وجه واحد متعذر ، وقد قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}" .
ثانيا : ومن الأدلة قوله تعالى [وَمِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ] ؛ ففي هذه الآية ذكر لبعض حسنات بعض أهل الكتاب لكي يستفاد المسلمون منها فائدة ذكرها القرطبي في تفسيره (4\116) بقوله : "أخبر تعالى أن في أهل الكتاب الخائن والأمين، والمؤمنون لا يميزون ذلك، فينبغي اجتناب جميعهم , وخص أهل الكتاب بالذكر وإن كان المؤمنون كذلك، لان الخيانة فيهم أكثر، فخرج الكلام على الغالب , والله أعلم) .
ثالثا : ومن الأدلة على مشروعية ذكر حسنات المخالف المنقود إذا اقتضت الحاجة والمصلحة حديث عائشة (رضي الله عنها) في البخاري أنها قالت : [واستأجر رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا وهو على دين كفار قريش فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث] . فعائشة وصفت رجل بني الديل بأنه (على دين كفار قريش) وهذا من أعظم ألفاظ النقد والتجريح , ومع هذا وصفته بأنه (هاديا خريتا) وهو من أوصاف المدح .

وقد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية بالنصين السابقين على مشروعية الانتفاع مما عند الكافر والمشرك من أمور خيرية في الجوانب الدنيوية ؛ فقال في مجموع الفتاوى (4\114-115) : "إن ذكْر ما لا يتعلق بالدين، مثل مسائل الطب والحساب المحض التي يذكرون فيها ذلك، وكتب من أخذ عنهم، مثل محمد بن زكريا الرازي، وابن سينا ونحوهما من الزنادقة الأطباء ما غايته، انتفاع بآثار الكفار والمنافقين في أمور الدنيا، فهذا جائز . كما يجوز السكنى في ديارهم، ولبس ثيابهم وسلاحهم، وكما تجوز معاملتهم على الأرض، كما عامل النبي (صلى الله عليه وسلم) يهود خيبر، وكما [استأجر النبي (صلى الله عليه وسلم) هو وأبو بكر لما خرجا من مكة مهاجِرَيْن ابن أُريْقط رجلاً من بني الديِّل هاديًا خِرِّيتًا]، والخريت : الماهر بالهداية، وائتمناه على أنفسهما ودوابهما، ووعداه غار ثور صبح ثالثة .
وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مسلمهم وكافرهم، وكان يقبل نصحهم، وكل هذا في الصحيحين .
وكان أبو طالب ينصر النبي (صلى الله عليه وسلم) ويَذُبُّ عنه مع شركه، و هذا كثير .
فإن المشركين وأهل الكتاب فيهم المؤتمن، كما قال تعالى : {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا } ، ولهذا جاز ائتمان أحدهم على المال، وجاز أن يستطب المسلمُ الكافرَ إذا كان ثقة، نص على ذلك الأئمة، كأحمد وغيره؛ إذ ذلك من قبول خبرهم فيما يعلمونه من أمر الدنيا وائتمان لهم على ذلك، وهو جائز إذا لم يكن فيه مفسدة راجحة، مثل ولايته على المسلمين، وعلوه عليهم ونحو ذلك .
فأخذ علم الطب من كتبهم مثل الاستدلال بالكافر على الطريق واستطبابه ؛ بل هذا أحسن؛ لأن كتبهم لم يكتبوها لمعين من المسلمين حتى تدخل فيها الخيانة، وليس هناك حاجة إلى أحد منهم بالخيانة، بل هي مجرد انتفاع بآثارهم، كالملابس والمساكن والمزارع والسلاح ونحو ذلك".
ومن هذا القبيل –أيضا- مدح شيخ الإسلام لأهل الكلام والنظر بشدة ذكائهم , ليصل إلى نتيجة مفادها أن من هو دونهم في الذكاء سيضل كما ضلوا لو شاركوهم في الإعراض عن الوحي , فقال في درء تعارض العقل والنقل (1\169) : "فإذا كان فحول النظر وأساطين الفلسفة الذين بلغوا في الذكاء والنظر إلى الغاية وهم ليلهم ونهارهم يكدحون في معرفة هذه العقليات ثم لم يصلوا فيها إلى معقول صريح يناقض الكتاب بل إما إلى حيرة وارتياب وإما إلى اختلاف بين الأحزاب فكيف غير هؤلاء ممن لم يبلغ مبلغهم في الذهن والذكاء ومعرفة ما سلكوه من العقليات".
ومن هذا القبيل أيضا مدح شيخ الإسلام ابن تيمية لأبي عامر الفاسق المنافق لبيان أن أعداء الإسلام فيهم الذكي الدارس الذي يكيد بالدين وأهله فقال في درء تعارض العقل والنقل (7\67) : "وأما المسلمون المظهرون للإسلام فقد كان فيهم منافقون وفي المؤمنين سماعون لهم يتعلقون بأدنى شبهة يوقعون بها الشك والريب في قلوب المؤمنين وكان فيهم من له معرفة وذكاء وفضيلة وقراءة للكتب ومدارسة لأهل الكتاب مثل أبي عامر الفاسق الذي كان يقال له عامر الراهب الذي اتخذ له المنافقون مسجد الضرار".

ولهذا فقد نص كبار علماء أهل السنة والجماعة على مشروعية ذكر حسنات المنقود -إذا اقتضت الحاجة والمصلحة ذلك- , ومن هؤلاء:الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- , الذي بين أنه يشرع ذكر حسنات المنقود إن كان فيه مصلحة ودعت الحاجة إليه , كما في فتواه –رحمه الله- التي نقلها عنه الشيخ ربيع في مقدمة كتابه منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف (ص\8) وفيها يقول الشيخ: "المعروف في كلام أهل العلم نقد المساويء للتحذير، وبيان الأخطاء التي أخطؤوا فيها للتحذير منها، أما الطيب معروف، مقبول الطيب، لكن المقصود التحذير من أخطائهم، الجهمية... المعتزلة... الرافضة... وما أشبه ذلك ؛ فإذا دعت الحاجة إلى بيان ما عندهم من حق يبين".
وقال –كذلك- في مجموع الفتاوى والمقالات (9\352) : "الواجب على أهل العلم إنكار البدع والمعاصي الظاهرة بالأدلة الشرعية، وبالترغيب والترهيب والأسلوب الحسن، ولا يلزم عند ذلك ذكر حسنات المبتدع، ولكن متى ذكرها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لمن وقعت البدعة أو المنكر منه تذكيرا له بأعماله الطيبة، وترغيبا له في التوبة، فذلك حسن، ومن أسباب قبول الدعوة والرجوع إلى التوبة".

ومنهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حيث أوضح –رحمه الله- كما في سلسلة الهدى والنور (ش\572) : أنه ينبغي أن يراعي في جانب ذكر محاسن المنقود اختلاف المجالس والمصالح , فإن اقتضت مصلحة النقد ذكر الحسنات فعل , وإن لم يقتضها فلا يفعل , كما قال –رحمه الله- جوابا عن السؤال التالي: "السؤال: هل من منهج السلف في الرد على المخالف [اعتماد] أسلوب الموازنة , أي: ذكر حسنات المخالف وذكر سيئاته , أم انه تمحيص موضع المخالفة والرد عليها دون الالتفات إلى ما له من حسنات أخرى ؟.
الجواب: ذكر السيئات لا أظن أنه أمر وارد في الموضوع , ولعلك تريد أن تقول: الأخطاء والمخالفات , وليتك قلت المخالفات بدل السيئات , فتذكر: الأخطاء التي تخالف الكتاب والسنة , أما [القول] بأنه أساء بقوله: كذا وكذا .. ؛ فهذا ليس من أسلوب الدعوة , وهذا يختلف باختلاف المجالس , فإن وجد مجال بان يذكر [الحسنات] حسنا يفعل , ومن الممكن أن يذكر الحسنات فتضيع الفائدة بذكر الحسنات عن الحسنة الكبرى".
ومنهم كذلك الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- كما في لقاءات الباب المفتوح (ش\127) حيث قال: "قلنا: إن الإنسان إذا كان يريد أن يقوِّم الشخص من حيث هو، فالواجب أن يذكر المحاسن والمساوئ؛ لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} , ولهذا كان العلماء عندما يتكلمون عن حياة الرجل، يذكرون محاسنه، ومثالبه.
أما إذا كنتَ في معرِض الرد عليه فلا تذكر مَحاسنه؛ لِمَا ذكرنا -فيما سَمعتم في السؤال- أنك إذا ذكرت المَحاسن ضعُف جانب الرد عليه، وربما يُعجب الإنسان بما عنده من المحاسن ويترك الأخطاء جانباً، هذا هو الطريق في ذكر محاسن الناس ومساوئهم.
ولكن إذا تحدثتَ عنه في أي مجلس من المجالس فإن رأيتَ في ذكر محاسنه فائدة فلا بأس أن تذكرها، وإن خفتَ من مضرة فلا تذكرها".


الحالة الثانية : مدح المخالف في معرض ترجمته
.
في حال الترجمة والتوثيق لا بد من ذكر ما للمترجم من حسنات وممادح , وما وقع فيه من زلات , وهذا من تمام معنى قوله تعالى [وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى] .
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (20\83-84) مخبرا عن حقيقة العدل في الأخبار : " وأما باب العدل فقد قال تعالى : {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى }وقال تعالى : {كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ } الآية وقال : {كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ } وقال : {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ } , {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ }فهذا العدل والقسط في هذه المواضع هو الصدق المبين وضده الكذب والكتمان.
وذلك أن العدل : هو الذي يخبر بالأمر على ما هو عليه لا يزيد فيكون كاذبا ولا ينقص فيكون كاتما .
والخبر مطابق للمخبر ؛ كما تطابق الصورة العلمية والذهنية للحقيقة الخارجية , ويطابق اللفظ للعلم ويطابق الرسم للفظ .
فإذا كان العلم يعدل المعلوم لا يزيد ولا ينقص , والقول يعدل العلم لا يزيد ولا ينقص , والرسم يعدل القول : كان ذلك عدلا , والقائم به قائم بالقسط , وشاهد بالقسط , وصاحبه ذو عدل .
ومن زاد فهو كاذب , ومن نقص فهو كاتم , ثم قد يكون عمدا , وقد يكون خطأ ؛ فتدبر هذا فإنه عظيم نافع جدا" .
ومن أكمل من قام بهذا العدل المسلمون من أهل العلم المشتغلين بكتابة التواريخ والسير والتراجم ؛ فكل من له أدنى اطلاع على صنيع أئمة الفنون المتقدمة ليعلم صدق ما قلنا , ولهذا قال الشيخ الألباني –رحمه الله- كما في شريط "مَن حامل راية الجرح والتعديل في العصر الحاضر ": "النقد إما أن يكون في ترجمة الشخص المنتقد ترجمة تاريخية فهنا لا بد من ذكر ما يحسن وما يقبح بما يتعلق بالمترجم من خيره ومن شره".
وقال في الفتوى نفسها: "إذا أردنا أن نترجم للرجل فنذكر محاسنه ومساويه".
وذهب الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- في لقاءات الباب المفتوح (ش\121) إلى وجوب ذكر الحسنات والسيئات حال الترجمة فقال : "أما من أراد أن يقوم الرجل ويذكُر حياته، فالواجب أن يذكر حسناته وسيئاته".
وقال فيه –أيضا-: "وأما إذا كنا نريد أن نتكلم عن حياته فالواجب أن يُذكر ما له وما عليه".
وقال فيه –كذلك-: "وأما الإنسان إذا كتب عن حياة شخص فيجب أن يقول العدل، ما له وما عليه".


الحالة الثالثة : مدح المخالف في معرض تقويمه
.في حالة التقويم ومعرفة حقيقة حال الرجال ؛ فلا بد من ذكر ما للرجل وما عليه للموازنة بينهما , ومعرفة حاله الراجح كما قال الحافظ الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2\202) : "وإذا اجتمع في أخبار رجل واحد معان مختلفة من المحاسن والمناقب والمطاعن والمثالب وجب كتب الجميع ونقله وذكر الكل ونشره ؛ لما اخبرني محمد بن الحسين أنا دعلج أنا أحمد بن علي الأبار نا علي بن ميمون الرقي العطار نا مخلد بن حسين عن هشام عن ابن سيرين قال : (ظلمت أخاك إذا ذكرت مساوئه ولم تذكر محاسنه) .
ثم حكى عن الشعبي قوله : (كانت العرب تقول : إذا كانت محاسن الرجل تغلب مساوئه فذاكم الرجل الكامل , وإذا كانا متقاربين فذاكم المتماسك , واذا كانت المساوئ اكثر من المحاسن فذالكم المتهتك)" .
وقال أبو يعلى القزويني في كتاب الإرشاد في معرفة علماء الحديث (ص\408) : "ويحتاج في هذا الأمر إلى الديانة والإتقان والحفظ ومعرفة الرجال ومعرفة الترتيب ويكتب ما له وما عليه ثم يتأمل في الرجال فيميز بين الصحيح والسقيم ثم يعرف التواريخ وعمر العلماء حتى يعرف من أدرك ممن لم يدرك ويعرف التدليس للشيوخ".
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- في لقاءات الباب المفتوح (ش\121) : "أما من أراد أن يقوم الرجل ويذكُر حياته، فالواجب أن يذكر حسناته وسيئاته".
وقال –أيضا- في لقاء الباب المفتوح (ص\67) : "كل إنسان مهما بلغ من العلم والتقوى فإنه لا يخلو من زلل، سواءً كان سببه الجهل أو الغفلة، أو غير ذلك؛ لكن المنصف كما قال ابن رجب (رحمه الله) في خطبة كتابه: القواعد: (المنصف من اغتفر قليلَ خطأِ المرء في كثير صوابه) ولا أحد يأخذ الزلات ويغفل عن الحسنات إلا كان شبيهاً بالنساء ؛ فإن المرأة إذا أحسنت إليها الدهر كله ثم رأت منك سيئة قالت: لَمْ أرَ خيراً قط، ولا أحد من الرجال يحب أن يكون بهذه المثابة -أي: بمثابة الأنثى- يأخذ الزلة الواحدة ويغفل عن الحسنات الكثيرة... ؛ عندما نريد أن نقوِّم الشخص يجب أن نذكر المحاسن والمساوئ؛ لأن هذا هو الميزان العدل ... ؛ فمن أراد أن يتكلم عن شخص على وجه التقويم فالواجب عليه أن يذكر محاسنه ومساوئه -هذا إذا اقتضت المصلحة ذلك-، وإلا فالكف عن مساوئ المسلمين هو الخير".
وترجم –رحمه الله- هذا التأصيل منه بالفعل فقال في لقاء الباب المفتوح (ش\6) في معرض تقويمه للأشاعرة : "الأشاعرة من أهل السنة والجماعة فيما وافقوا فيه أهل السنة والجماعة ، وهم مخالفون لـ أهل السنة والجماعة في باب الصفات؛ لأنهم لا يثبتون من صفات الله إلا سبع صفات، ومع هذا لا يثبتونها على الوجه الذي أثبتها عليه أهل السنة ، فلا ينبغي أن نقول هم من أهل السنة على الإطلاق، ولا أن ننفي عنهم كونهم من أهل السنة على الإطلاق، بل نقول: هم من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة ، وهم مخالفون لـ أهل السنة فيما خالفوا فيه أهل السنة ، فالتفصيل هو الذي يكون به الحق، وقد قال الله تعالى: { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا } [الأنعام:152]، فإخراجهم من أهل السنة مطلقاً ليس من العدل، وإدخالهم في أهل السنة بالإطلاق ليس من العدل أيضاً، والواجب أن يعطى كل ذي حقٍ حقه".


الحالة الرابعة : الإخبار عن أهل البدع بما قام فيهم من أحوال موجبة للمدح –عند قيام المقتضى لذلك-
, والقاعدة في هذا الباب ما قاله شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية (1\547) : "أهل السنة يخبرون بالواقع ويأمرون بالواجب ؛ فيشهدون بما وقع ويأمرون بما أمر الله ورسوله".
ومن هذا الباب حديث محمد بن جبير في البخاري عن أبيه (رضي الله عنه) : [أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في أسارى بدر : لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له] .
قلت : فهذا مدح واضح وثناء على المطعم بن عدي الذي مات مشركا , جراء مواقفه من الإيجابية من النبي (صلى الله عليه وسلم) كما قال العلامة العيني في عمدة القاري () : "كان قد أحسن السعي في نقض الصحيفة التي كتبها قريش في أن لا يبايعوا الهاشمية والمطلبية ولا يناكحوهم وحصروهم في الشعب ثلاث سنين فأراد النبي أن يكافيه .
وقيل لما مات أبو طالب وخديجة خرج رسول الله إلى الطائف فلم يلق عندهم خيرا ورجع إلى مكة في جوار المطعم" .
ومن –أيضا- حديث أم هانيء أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عدد فضائل قريش فقال [فضل الله قريشا بسبع خصال لم يعطها أحد قبلهم ولا يعطاها أحد بعدهم : فضل الله قريشا أني منهم , وأن النبوة فيهم , وأن الحجابة فيهم , وأن السقاية فيهم , ونصرهم على الفيل , وعبدوا الله عشر سنين لا يعبده غيرهم , وأنزل الله فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غيرهم {لإيلاف قريش}] .
قلت : وبعض هذه الخصال كانت –حصرا- لقريش في حال كفرهم وشركهم بالله كنصرة الله لهم عام الفيل , ونزول سورة [لإيلاف قرش] فيهم حال شركهم .
فهذان النصان ذكر فيهما النبي (صلى الله عليه وسلم) بعض ممادح أهل الشرك لمصلحة اقتضت ذلك , وعلى هذا النهج سار أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام الذي قال في كلام جامع ماتع كما في مجموع الفتاوى (4\11-14) : "وكذلك المسائل الاعتقادية الخبرية ؛ لم ينبل أحد من الطوائف ورءوسهم عند الأمة إلا بما معه من الإثبات والسنة :
فالمعتزلة أولا -وهم فرسان الكلام- إنما يحمدون ويعظمون عند أتباعهم وعند من يغضي عن مساوئهم لأجل محاسنهم عند المسلمين بما وافقوا فيه مذهب أهل الإثبات والسنة والحديث , وردهم على الرافضة بعض ما خرجوا فيه عن السنة والحديث: من إمامة الخلفاء وعدالة الصحابة وقبول الأخبار وتحريف الكلم عن مواضعه والغلو في علي ونحو ذلك .
وكذلك الشيعة المتقدمون كانوا يرجحون على المعتزلة بما خالفوهم فيه من إثبات الصفات والقدر والشفاعة ونحو ذلك .
وكذلك كانوا يستحمدون بما خالفوا فيه الخوارج من تكفير علي وعثمان وغيرهما وما كفروا به المسلمين من الذنوب .
ويستحمدون بما خالفوا فيه المرجئة من إدخال الواجبات في الإيمان , ولهذا قالوا بالمنزلة وإن لم يهتدوا إلى السنة المحضة .
وكذلك متكلمة أهل الإثبات مثل الكلابية والكرامية والأشعرية إنما قبلوا واتبعوا واستحمدوا إلى عموم الأمة بما أثبتوه من أصول الإيمان من إثبات الصانع وصفاته وإثبات النبوة والرد على الكفار من المشركين وأهل الكتاب وبيان تناقض حججهم .
وكذلك استحمدوا بما ردوه على الجهمية والمعتزلة ؛ والرافضة والقدرية من أنواع المقالات التي يخالفون فيها أهل السنة والجماعة.
فحسناتهم نوعان:
إما موافقة أهل السنة والحديث .
وإما الرد على من خالف السنة والحديث ببيان تناقض حججهم .
ولم يتبع أحد مذهب الأشعري ونحوه إلا لأحد هذين الوصفين أو كليهما , وكل من أحبه وانتصر له من المسلمين وعلمائهم فإنما يحبه وينتصر له بذلك ؛ فالمصنف في مناقبه الدافع للطعن واللعن عنه - كالبيهقي ؛ والقشيري أبي القاسم ؛ وابن عساكر الدمشقي - إنما يحتجون لذلك بما يقوله من أقوال أهل السنة والحديث أو بما رده من أقوال مخالفيهم -لا يحتجون له عند الأمة وعلمائها وأمرائها إلا بهذين الوصفين- , ولولا أنه كان من أقرب بني جنسه إلى ذلك لألحقوه بطبقته الذين لم يكونوا كذلك كشيخه الأول "أبي علي "؛ وولده "أبي هاشم ", لكن كان له من موافقة مذهب السنة والحديث في الصفات ؛ والقدر والإمامة ؛ والفضائل والشفاعة والحوض والصراط والميزان , وله من الردود على المعتزلة والقدرية ؛ والرافضة والجهمية وبيان تناقضهم: ما أوجب أن يمتاز بذلك عن أولئك ؛ ويعرف له حقه وقدره {قد جعل الله لكل شيء قدرا} وبما وافق فيه السنة والحديث صار له من القبول والأتباع ما صار .
لكن الموافقة التي فيها قهر المخالف وإظهار فساد قوله: هي من جنس المجاهد المنتصر .
فالراد على أهل البدع مجاهد حتى كان "يحيى بن يحيى "يقول: (الذب عن السنة أفضل من الجهاد) , والمجاهد قد يكون عدلا في سياسته وقد لا يكون , وقد يكون فيه فجور , كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) [إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم] , ولهذا مضت السنة بأن يغزى مع كل أمير برا كان أو فاجرا والجهاد عمل مشكور لصاحبه في الظاهر لا محالة وهو مع النية الحسنة مشكور باطنا وظاهرا ووجه شكره: نصره للسنة والدين ؛ فهكذا المنتصر للإسلام والسنة يشكر على ذلك من هذا الوجه .
فحمد الرجال عند الله ورسوله وعباده المؤمنين بحسب ما وافقوا فيه دين الله وسنة رسوله وشرعه من جميع الأصناف ؛ إذ الحمد إنما يكون على الحسنات , والحسنات: هي ما وافق طاعة الله ورسوله من التصديق بخبر الله والطاعة لأمره ، وهذا هو السنة ؛ فالخير كله - باتفاق الأمة - هو فيما جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم)".
وهذا هو عدل أهل السنة وإنصافهم وإخبارهم بالحق وحكمهم بمقتضاه , فقد روى الخطيب البغدادي في تاريخه (10\261) عن يعقوب بن يوسف المطوعي قال: (كان عبد الرحمن بن صالح الأزدي رافضيا وكان يغشى أحمد بن حنبل فيقربه ويدنيه ؛ فقيل له: يا أبا عبد الله عبد الرحمن رافضي !!, فقال: سبحان الله ! رجل أحب قوما من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) نقول له لا تحبهم ! , هو ثقة) .
وها هو كذلك –رحمه الله- يثني على إبراهيم بن طهمان مع انه مرجئ جلد , فقال أبو زرعة كما في تذكرة الحفاظ (1\213) : (كنت عند احمد بن حنبل ؛ فذكر إبراهيم بن طهمان -وكان متكئا من علة- فجلس وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فيتكأ) .
ووثق –رحمه الله- من كان يقول بالقدر ما لم يتكلم فيه , كما العلل ومعرفة الرجال (3\260) : "قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: سيف اختلفوا فيه ، ابن سليمان ، أو ابن أبي سليمان ، ثقة ، زكريا بن إسحاق ثقة ، شبل ثقة ، هؤلاء ما أقربهم ، سيف ، وزكريا ، وشبل ، وإبراهيم بن نافع ، ثقة ، أصحاب ابن أبي نجيح قدرية عامتهم ، ولكن ليسوا هم أصحاب كلام ، إلا أن يكون شبل ، لا أدري) .
ومن ذلك ثناء شيخ الإسلام على ما قام به بعض علماء أهل الكلام من جهود في الرد على الباطنية , كما هو بين في قوله –رحمه الله- في مجموع الفتاوى (9\134) : "وقد صنف المسلمون في كشف أسرارهم وهتك أستارهم كتبا كبارا وصغارا , وجاهدوهم باللسان واليد إذ كانوا بذلك أحق من اليهود والنصارى , ولو لم يكن إلا كتاب "كشف الأسرار وهتك الأستار "للقاضي أبي بكر محمد بن الطيب , وكتاب عبد الجبار بن أحمد , وكتاب أبي حامد الغزالي , وكلام أبي إسحاق , وكلام ابن فورك , والقاضي أبي يعلى , والشهرستاني , وغير هذا مما يطول وصفه".
وقال –رحمه الله- في ابن جني المعتزلي كما في مجموع الفتاوى (20\486) : "فهذا الكلام لا يقوله من يتصور ما يقول , وابن جني له فضيلة وذكاء ؛ وغوص على المعاني الدقيقة في سر الصناعة والخصائص وإعراب القرآن وغير ذلك ؛ فهذا الكلام إن كان لم يقله فهو أشبه بفضيلته , وإذا قاله فالفاضل قد يقول ما لا يقوله إلا من هو من أجهل الناس".
ويقول –رحمه الله- في توصيف أبي حامد الغزالي الأشعري المتصوف المتفلسف كما في مجموع الفتاوى (4\63) : "له من العلم بالفقه والتصوف والكلام والأصول وغير ذلك مع الزهد والعبادة وحسن القصد وتبحره في العلوم الإسلامية أكثر من أولئك".
وقال فيه –أيضا- كما في مجموع الفتاوى (4\72) : "أبو حامد الغزالي مع فرط ذكائه وتألهه ومعرفته بالكلام والفلسفة وسلوكه طريق الزهد والرياضة والتصوف ينتهي في هذه المسائل إلى الوقف والحيرة".
وقال في ابن حزم الظاهري فقها المعطل لصفات رب العالمين في مجموع الفتاوى (4\18-19) : "وكذلك أبو محمد بن حزم فيما صنفه من الملل والنحل، وإنما يستحمد بموافقة السنة والحديث مثل ما ذكره في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك، بخلاف ما انفرد به من قول في التفضيل بين الصحابة، وكذلك ما ذكره في باب الصفات، فإنه يستحمد فيه بموافقة السنة والحديث؛ لكونه يثبت الأحاديث الصحيحة، ويعظم السلف، وأئمة الحديث، ويقول: إنه موافق للإمام أحمد في مسألة القرآن الكريم وغيرها، ولا ريب أنه موافق له ولو في بعض ذلك.
لكن الأشعري ونحوه أعظم موافقة للإمام أحمد بن حنبل ومن قبله من الأئمة في القرآن والصفات وإن كان "أبو محمد بن حزم "في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره وأعلم بالحديث وأكثر تعظيما له ولأهله من غيره لكن قد خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى . وبمثل هذا صار يذمه من يذمه من الفقهاء والمتكلمين وعلماء الحديث باتباعه لظاهر لا باطن له كما نفى المعاني في الأمر والنهي والاشتقاق وكما نفى خرق العادات ونحوه من عبادات القلوب . مضموما إلى ما في كلامه من الوقيعة في الأكابر والإسراف في نفي المعاني ودعوى متابعة الظواهر . وإن كان له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلا مكابر ؛ ويوجد في كتبه من كثرة الاطلاع على الأقوال والمعرفة بالأحوال ؛ والتعظيم لدعائم الإسلام ولجانب الرسالة ما لا يجتمع مثله لغيره . فالمسألة التي يكون فيها حديث يكون جانبه فيها ظاهر الترجيح . وله من التمييز بين الصحيح والضعيف والمعرفة بأقوال السلف ما لا يكاد يقع مثله لغيره من الفقهاء".
وقال –رحمه الله- في موضع آخر واصفا هؤلاء المتكلمين بعلماء الإسلام مادحا بعض كتبهم ومصنفاتهم كما في مجموع الفتاوى (35\129) : "صنف العلماء في كشف أسرارهم وهتك أستارهم كما صنف القاضي أبو بكر الباقلاني كتابه المشهور في كشف أسرارهم وهتك أستارهم".
وقال في بيان حال أهل الكلام كما في مجموع الفتاوى (5\119) : "أوتوا ذكاء وما أوتوا زكاء , وأعطوا فهوما وما أعطوا علوما , وأعطوا سمعا وأبصارا وأفئدة {فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون}".
ويقول في درء تعارض العقل والنقل (1\156) مبينا حال المنحرفين في باب الصفات إثباتا ونفيا: "وكل من طائفتي النفي والإثبات فيهم من الذكاء والعقل والمعرفة ما هم متميزون به على كثير من الناس".
وقال مبينا حال بعض الفلاسفة كما مجموع الفتاوى (9\37) : "والقوم وإن كان لهم ذكاء وفطنة ؛ وفيهم زهد وأخلاق - فهذا القدر لا يوجب السعادة والنجاة من العذاب إلا بالأصول المتقدمة: من الإيمان بالله وتوحيده وإخلاص عبادته ؛ والإيمان برسله واليوم الآخر ؛ والعمل الصالح . وإنما قوة الذكاء بمنزلة قوة البدن وقوة الإرادة . فالذي يؤتى فضائل علمية وإرادية بدون هذه الأصول يكون بمنزلة من يؤتى قوة في جسمه وبدنه بدون هذه الأصول".
بل وقال في اليهود والنصارى كما في الجواب الصحيح (3\102) : "والنصارى لهم عبادات وأخلاق بلا علم ومعرفة ولا ذكاء واليهود لهم ذكاء وعلم ومعرفة بلا عبادات ولا أخلاق حسنة , والمسلمون جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح بين الزكا والذكاء فإن الله أرسل رسوله بالهدى ودين الحق".



الحالة الخامسة : الثناء على أهل البدع في معرض مقارنتهم بمن هم دونهم
.
كما في الثناء على اليهود والنصارى في مقابلة المشركين ونحوهم , كما قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (9\207) : "ومن المعلوم في دين الإسلام أن اليهود والنصارى خير من الفلاسفة الخارجين عن الملل وأصح عقلا ودينا".
وقال –رحمه الله- في بيان تلبيس الجهمية (1\481) مبينا أن دين اليهود والنصارى خير من دين الفلاسفة: "وقد اتفق المسلمون على أن دين أهل الكتاب من اليهود والنصارى خير من دين من لا كتاب له من المشركين والصابئين وغيرهم".
وقال في منهاج السنة النبوية (1\364) : "الذي لا ريب فيه أن هؤلاء أصحاب التعاليم كأرسطو وأتباعه كانوا مشركين يعبدون المخلوقات ولا يعرفون النبوات ولا المعاد البدني وأن اليهود والنصارى خير منهم في الإلهيات والنبوات والمعاد".
بل وقال –رحمه الله- في الصفدية (2\240) : "أن النصارى واليهود خير من هؤلاء [الجهمية] من وجوه متعددة فيما يتعلق بالإعتقادات والعبادات".
وقال الشيخ الألباني –رحمه الله- في سلسلة الهدى والنور (ش\666) جوابا عن السؤال التالي: "السؤال: هل يجوز الثناء على أهل البدع وإن ادعوا خدمة الإسلام , وأنهم يسعون وراء ذلك , كالترابي ومن على شاكلته ؟.
الجواب: الجواب يختلف باختلاف المقام:
إذا كان المقصود بالثناء على مسلم -نظنه مبتدعا- الثناء عليه تجاه الكفار فهذا واجب .
أما إذا كان المقصود بالثناء عليه هو تزيين منهجه ودعوة الناس إليه ففيه تضليل لا يجوز".


الحالة السادسة : الدفاع عن المخالفين برد ما نسب إليهم أو وقع عليهم ظلما -من الأقوال والأفعال-
.ذلك أنه كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (19\49) : "يجوز بل يستحب، وقد يجب أن يُذَبَّ عن المظلوم وأن يُنْصَرَ؛ فإن نصر المظلوم مأمور به بحسب الإمكان، وفي الصحيحين حديث البراء بن عازب قال : [أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بسبعٍ، ونهانا عن سبع؛ أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار القسم أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام، ونهانا عن خواتيم أو تختم الذهب، وعن شُرْب بالفضة، وعن المَيَاثِر، وعن القِسِيِّ، ولبس الحرير، والإستبرق، والديباج] .
وفي الصحيح عن أنس قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : [انصر أخاك ظالمًا أو مظلوما ", قلت : يا رسول اللّه، أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما ؟ قال : تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه] " .
وهذا الدفع داخل في باب عدل أهل السنة مع مخالفيهم , ولا يدخل في باب الدفاع عن باطل أهل البدع , فضلا عن أن يدخل في باب الثناء عليهم .
وقد ضرب شيخ الإسلام العالم الرباني أروع الأمثلة في دفع البغي والظلم ليس عن مبتدعة المسلمين فحسب , بل وحتى عن الكفار , كما قال –رحمه الله- في مجموع الفتاوى (28\617-618) في رسالته إلى سرجون النصراني حاكم قبرص : "ومع هذا فإنا كنا نعامل أهل ملتكم بالإحسان إليهم والذب عنهم . وقد عرف النصارى كلهم أني لما خاطبت التتار في إطلاق الأسرى وأطلقهم غازان وقطلو شاه وخاطبت مولاي فيهم فسمح بإطلاق المسلمين . قال لي : لكن معنا نصارى أخذناهم من القدس فهؤلاء لا يطلقون . فقلت له : بل جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا، فإنا نفتكهم ولا ندع أسيرا لا من أهل الملة ولا من أهل الذمة , وأطلقنا من النصارى من شاء الله . فهذا عملنا وإحساننا والجزاء على الله".
ومن ذلك –أيضا- دفع شيخ الإسلام –رحمه الله- عن الأشاعرة ما نسب إليهم من مقالات الفلاسفة , كما في الفتاوى الكبرى (6\539) : "فكل مسلم بل كل عاقل إذا فهم قولهم حقيقة علم أن القوم جاحدون للصانع مكذبون بالرسل والشرائع مفسدون للعقل والدين وليس الغرض هذا الكلام فيهم فإن الأشعرية لا تقول بهذا وحاشاها من هذا، بل هم من أعظم الناس تكفيرا ومحاربة لمن هو أمثل من هؤلاء وإنما هؤلاء من جنس القرامطة والباطنية".
بل وكذلك دفع شيخ الإسلام ابن تيمية عن الشيعة الإمامية بعض ما ينسب إليهم مما لا يقولون به , كما جاء في منهاج السنة النبوية (1\57) : "ومما ينبغي أن يعرف أن ما يوجد في جنس الشيعة من الأقوال والأفعال المذمومة وإن كان أضعاف ما ذكر لكن قد لا يكون هذا كله في الإمامية الاثنى عشرية ولا في الزيدية ولكن يكون كثير منه في الغالية وفي كثير من عوامهم مثل ما يذكر عنهم من تحريم لحم الجمل وأن الطلاق يشترط فيه رضا المرأة ونحو ذلك مما يقوله بعض عوامهم وإن كان علماؤهم لا يقولون ذلك لكن لما كان أصل مذهبهم مستندا إلى جهل كانوا أكثر الطوائف كذبا وجهلا".
و منه –أيضا- دفعه عن ابن كلاب ما افترته عليه الجهمية كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (5\555) : "وكان ممن انتدب للرد عليهم أبو محمد عبد اللّه بن سعيد بن كلاب، وكان له فضل وعلم ودين . ومن قال : إنه ابتدع ما ابتدعه ليظهر دين النصارى في المسلمين كما يذكره طائفة في مثالبه، ويذكرون أنه أوصى أخته بذلك فهذا كذب عليه . وإنما افترى هذا عليه المعتزلة والجهمية الذين رد عليهم؛ فإنهم يزعمون أن من أثبت الصفات فقد قال بقول النصارى . وقد ذكر مثل ذلك عنهم الإمام أحمد في الرد على الجهمية، وصار ينقل هذا من ليس من المعتزلة من السالمية، ويذكره أهل الحديث والفقهاء الذين ينفرون عنه لبدعته في القرآن،ويستعينون بمثل هذا الكلام الذي هو من افتراء الجهمية والمعتزلة عليه . ولا يعلم هؤلاء أن الذين ذموه بمثل هذا هم شر منه، وهوخير وأقرب إلى السنة منهم" .
وبين –رحمه الله- أن كثيرا مما ينسب إلى بعض كبار المتصوفة من اعتقاد علم الباطن مدافعا عنهم بتكذيب كثير مما نسب إليهم كما في مجموع الفتاوى (13\257) بالقول : "وأما ما يروى عن أبي سعيد الخراز وأمثاله في هذا الباب، وما يذكره أبو طالب في كتابه وغيره، وكلام بعض المشايخ الذي يظن أنه يقول بباطن يخالف الظاهر، وما يوجد من ذلك في كلام أبي حامد الغزالي أو غيره فالجواب عن هذا كله أن يقال : ما علم من جهة الرسول فهو نقل مصدق عن قائل معصوم، وما عارض ذلك فإما أن يكون نقلاً عن غير مصدق، أو قولا لغير معصوم . فإن كثيرًا مما ينقل عن هؤلاء كذب عليهم، والصدق من ذلك فيه ما أصابوا فيه تارة وأخطؤوا فيه أخرى، وأكثر عباراتهم الثابتة ألفاظ مجملة متشابهة، لو كانت من ألفاظ المعصوم لم تعارض الحكم المعلوم، فكيف إذا كانت من قول غير المعصوم ؟
وقد جمع أبو الفضل الفلكي كتابًا من كلام أبي يزيد البسطامي سماه [ النور من كلام طيفور ] فيه شيء كثير لا ريب أنه كذب على أبي يزيد البسطامي، وفيه أشياء من غلط أبي يزيد رحمة اللّه عليه وفيه أشياء حسنة من كلام أبي يزيد، وكل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم" .


شبهة ونقضها :
زعم (بعض الناس) أنه لا ينبغي أن تذكر لمبتدع حسنة ولا مدحا مطلقا اقتضت المصلحة ذلك أم لم تقتضه , متذرعا بالزعم أن : "أبواب الجرح والتعديل والتحذير من البدع وباب النصيحة وغيرها مما أجمع عليه السلف من جواز بل وجوب ذكر القدح والجرح بدون ذكر الحسنات كما في كتب الجرح الخالصة للجرح وكما في كتب الجرح والتعديل الشاملة للنوعين.
وكما في كتب السنة وكتب العقائد وهو منهج سديد عادل منصف ؛ دل عليه الكتاب والسنة , وقام عليه الإجماع , ممن حكى الإجماع عليه شيخ الإسلام نفسه والنووي" .
قلت : وهذا الزعم باطل من أوجه منها :
الأول : إن حكاية إجماع السلف على (وجوب ذكر القدح والجرح بدون ذكر الحسنات) حكاية مغلوطة لم يسبق إليها صاحب هذا الزعم , والإجماع من الأدلة النقلية المحكية ؛ فمدعيه مطالب بصحة النقل , وإلا ردت عليه حكايته ولم تقبل منه , وعلى أمثاله يتنزل قول الإمام أحمد (ومن زعم الإجماع فقد كذب) , ومما يؤكد بطلان حكاية هذا الإجماع وكذب مدعيها أنه قد تقدم معنا ذكر أقوال بعض المعتبرين من أهل العلم مما يدل -على أن تصريح بعضهم , وصنيع البعض الآخر- على مشروعية ذكر حسنات المنقود المجروح إذا اقتضت المصلحة او الحاجة .
الوجه الثاني : إن الإحالة في معرفة إجماع السلف –على ما تقدم- على صنيع أهل العلم في (كتب الجرح الخالصة للجرح وكتب الجرح والتعديل الشاملة للنوعين) , إحالة غير موفقة , وعلى غير مليء من ثلاثة أوجه :
الأول : إن مذهب السلف يعرف بالنقل عن السلف من القرون الثلاثة الخيرية ؛ فمذهبهم هو الذي يطلق عليه في مصطلح أهل العلم (بمذهب السلف) , ومعظم ما في هذه الكتب إنما هو منقول عمن جاء بعد هذه القرون الثلاثة ؛ فلا تنسب أقوالهم إلى مذهب السلف المذكورين في حديث [خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم] .
الثاني : إن هذه الكتب اشتملت على أقوال لأهل العلم في باب نقد المجروحين تدل على أن الأصل في صنيع أهل العلم في باب النقد عدم ذكر حسنات المنقود لا على حرمة ذكر الحسنات , بدليل أن بعض التراجم قد جمع لها الوصفان المدح والجرح , ومثال ذلك :
المنهال بن خليفة العجلي قال فيه البخاري كما في تهذيب التهذيب (10\282) : "صالح فيه نظر" .
وثور بن يزيد الكلاعي قال فيه الإمام أحمد كما في الجرح والتعديل (2\468) : " ثور بن يزيد الكلاعي ليس به بأس حدثنا عنه يحيى بن سعيد والوليد بن مسلم وكان يرى القدر" .
وقال فيه –أيضا- أحمد بن صالح كما في المعرفة والتاريخ (2\225) : "ثور بن يزيد ثقة إلا أنه كان يرى القدر" .
وهشام الدستوائي قال فيه ابن سعد كما في تذكرة الحفاظ (1\164) : "كان ثقة حجة إلا أنه يرى القدر" .
خالد بن مخلد القطواني قال فيه العجلي كما في هدي الساري (ص\398) : " ثقة فيه تشيع" .
إلى عشرات بل مئات الأمثلة الأخرى التي تنقض الزعم السابق , وحسبك أن تنظر في مقدمة فتح الباري : فصل (في سياق من طعن من رجال هذا الكتاب مرتبا لهم على حرف المعجم) , مضموما إليه (فصل في تميز الطعن في المذكورين) , لتقف على بطلان الإحالة السابقة.
الثالث : إن الناظر في صنيع أهل العلم في كتب الجرح والتعديل ليلحظ أنهم يوردون أقوال من مدح الرجل وهذا مما له , وأقوال من طعن فيه وهذا مما عليه , ثم يوازنون بينها ويرجحون , وحسبك ترجمة أبان بن تغلب وهي ثاني ترجمة في تهذيب التهذيب (1\81) وفيه يقول ابن حجر : "قال أحمد ويحيى وأبو حاتم والنسائي ثقة زاد أبو حاتم .
وقال الجوزجاني : زائغ مذموم المذهب مجاهر ... .
وقال بن عدي له نسخ عامتها مستقيمة إذا روى عنه ثقة وهو من أهل الصدق في الروايات وإن كان مذهبه مذهب الشيعة وهو في الرواية صالح لا بأس به .
قلت : هذا قول منصف ... .
ولما خرج الحاكم حديث أبان في مستدركه قال : كان قاص الشيعة وهو ثقة .
وقال العقيلي : سمعت أبا عبد الله يذكر عنه عقلا وأدبا وصحة حديث إلا أنه كان غاليا في التشيع ... .
وقال الأزدي : كان غاليا في التشيع وما أعلم به في الحديث بأسا".
فهذا صنيع الحافظ ابن حجر وتعامله مع ثاني تراجم كتابه , حيث ذكر ما لأبان بن تغلب من ثناء أهل العلم عليه , وما عليه من حط البعض , وكيف أنه نقل من أقوال بعض أهل العلم ممن جمع بين مدحه بصفة التوثيق والقبول , والحط عليه ببدعة التشيع .
واختلاف صنيع أهل العلم بعضهم مع البعض الآخر في الرواة , واختلاف صنيع العالم الواحد من راو إلى آخر ؛ في ذكر مدح بعض الرواة المنتقدين , أو نقد بعض الرواة الممدوحين إنما يدل على بطلان حكاية إجماعهم على (وجوب ذكر القدح والجرح بدون ذكر الحسنات) .

الوجه الثالث : إن نسبة حكاية الإجماع على (وجوب ذكر القدح والجرح بدون ذكر الحسنات) إلى الإمامين النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية , كذب محض عليهما ؛ فكلا الإمامان قد حكيا الإجماع على وجوب نقد المجروحين والتحذير من أهل البدع والأهواء , وهذا مما لا يخالف فيه أحد , لكن لم يحك أحدهما فضلا عن كليهما الإجماع على وجوب ذكر الجرح بدون ذكر الحسنات .
قال النووي في رياض الصالحين (ص\489) : "اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي، لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو بستة أسباب ... : الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه , منها : جرح المجروحين من الرواة والشهود ؛ وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة".
وقال شيخ الإسلام في مجموع الرسائل والمسائل (5\110) : "وإذا كان النصح واجباً في المصالح الدينية الخاصة والعامة مثل نقلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون كما قال يحيى بن سعيد: سألت مالكاً والثوري والليث بن سعد أظنه والأوزاعي عن الرجل يتهم في الحديث أو لا يحفظ ؟ فقالوا بين أمره .
وقال بعضهم لأحمد بن حنبل إنه يثقل عليَّ أن أقول : فلان كذا وفلان كذا ؛ فقال : إذا سكت أنت وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح .
ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة والعبادات المخالفة للكتاب والسنة .
فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين".
فهذان النقلان عن هذين الإمامين ؛ أين تجد فيهما أنهما حكيا الإجماع على أنه (يجوب ذكر القدح والجرح بدون ذكر الحسنات) ؛ فغاية ما في النقلين السابقين أن كلا الإمامين يريان وجوب جرح المجروحين من الرواة والشهود , وأضاف إليهم شيخ الإسلام أئمة البدع من أهل المقالات أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة .
الوجه الرابع : إن الزعم أن (وجوب ذكر القدح والجرح بدون ذكر الحسنات) منهج سديد عادل منصف دل عليه الكتاب والسنة , زعم باطل متضمن للكذب على الله وعلى رسوله (صلى الله عليه وسلم) , وقد تقدم ذكر ثلاثة من الأدلة على ذكر حسنات بعض المنقودين (كالخمر , وأهل الكتاب , ورجل بني الديل) وهذا لوحده كفيل بنقض الدعوى المتقدمة وإبطالها .


وصلى الله وسلم على محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.






آخر تعديل bohagr يوم 03-01-2010 في 11:23 PM.

رد مع اقتباس
قديم 03-01-2010, 08:10 PM   رقم المشاركة : 2
عزيزة نفس
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية عزيزة نفس
الملف الشخصي






 
الحالة
عزيزة نفس غير متواجد حالياً

 


 

بارك الله فيكم



وجزاكم الله خير الجزاء







التوقيع :
[[ ذكريآتك .. تلآحقني | وين مآآروح ,,؟!
- وين .. مآرحت ,, فـ الدنيآ [[ أحسك معي

رد مع اقتباس
قديم 05-01-2010, 07:59 AM   رقم المشاركة : 3
نصير السنة
رائدي رائع
الملف الشخصي






 
الحالة
نصير السنة غير متواجد حالياً

 


 

بارك الله فيك أخي الكريم ، ونصر بك السنة ، وقمع بك البدعة
مشاركة متميزة وفيها توضيح لبعض ما اشكل على بعض الشباب من أسأة فهم سلف الأمة ورغم مافي من مشاركتك من الحق الواضح الناصع الذي لا لبس فيه إلا أنه بودي لو تختصر في مشاركاتك القادمة قدر الإمكان ليسهل على الجميع قرأتها والأستفادة منها ،،،







رد مع اقتباس
قديم 06-01-2010, 08:14 AM   رقم المشاركة : 4
فتى الرائدية
رائدي ذهبي
 
الصورة الرمزية فتى الرائدية
الملف الشخصي







 
الحالة
فتى الرائدية غير متواجد حالياً

 


 

[align=center]

تسلم وبارك الله فيك
[/align]







التوقيع :



غِنَــى ! أسعدك البـــــآري

رد مع اقتباس
 
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وقفةٌ وشفقةٌ .. بصدق وحرقة.. مع مسلم 1431 ابودجانة المنتدى الإسلامي 14 22-01-2010 06:36 PM
صفة الحج راجعها الشيخ بن جبرين وفقه الله عهد الغرام المنتدى الإسلامي 10 12-12-2007 08:26 AM
انتقل الى رحمة الله الاخ خليف بن سعد الشمري ابو الجود إرشيف أخبار الخفجي 35 03-12-2006 01:56 PM



الساعة الآن 08:43 AM.

كل ما يكتب فى  منتديات الرائدية  يعبر عن رأى صاحبه ،،ولا يعبر بالضرورة عن رأى المنتدى .
سفن ستارز لخدمات تصميم وتطوير واستضافة مواقع الأنترنت