بسم الله الرحمن الرحيم
من وحي رعاة الأغنام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جلست أتسامر مع صديقي أحمد وهو كبير بالسن واتجاذب معه في المساء أطراف الحديث .. فقلت في نفسي لماذا لا أستفيد منه وأسأله عن ماضيه البعيد ..
فقد سمعت عنه من أولئك الذين يحسنون العزف ،
أوالنفخ على المزمار، المتخذ من الحديد، أو من أعواد الخيزران ، فقلت له ياعم أحمد حدثني عن زمنكم ، أريد أن أتعرف على ما ضيكم الجميل ، وكيف كنتم تعيشون ،
وتمارسون حياتكم الاجتماعية والمعيشية ، وكان متكئا فجلس ، ونظر إلي وقال : ماذا تريد أن تعرف ؟ قلت أريد معرفة حياتكم ومغامرات الشباب ..قال : العم أحمد
ياولدي لم يكن لدينا التعليم ، والخدمات كما لديكم ، كنا نعيش في جاهلية جهلاء ، وكنا لانرتدع عن الظلم والافتراء ، وكنا ننهب الناس ونسر قهم ، ونرى أذيتهم بطولة ..
فمن سرق راعيا وذبح شاته ، وعزم عليها الآخرين تعدّ بطولة ، ومن فيش بغنمه مزرعة بطولة ، ومن ضرب ندّه بطولة ، بل حتى بعض الآباء يرى خطأ ولده بطوله ، ويشجعه على الخطأ ويفتخر ببطولته وفتكه بأقرانه ، وكان الشاب منّا لايشكو لأبيه إذا ضيم أوظلم من شخص بنفس عمره وحجمه .. ولاتجد شخصا يشكو من ابن جاره ..
فالشاب سيأخذ ثأره من خصمه بنفسه ، ثمّ تعقد الصداقة والتحالف على هذا الأساس .. ومن يشكو لأبيه تعقد جلسة في القرية ، ويأتي والد الضارب والمضروب كل بولده .. ثمّ يبد أ كل واحد من الآباء قائلا .. يافلان ولدي أشجع من ولدك وسترى أنه سيضرب ولدك هذا اليوم أمام القرية ، وستشاهد ولدك وهو يبكي ، والآخر يقول : هذا غير ممكن سترى أنّ ولدي سيلقن ولدك درسا لن ينساه ...
ويتحلق حولهم أهل القرية ، وكل واحد منهم يشجع قريبه ، ويعطى كل واحد منهما سوطا ، من شجر النبع أوحبلا من المرخ ، أوالسلب الأخضر .. ويبدأ كل واحد منهما بضرب صاحبه ضربة بضربة ...
والمنتصر منهما هـو من يكون
أشد صبرا على الألم .. وإذا هزم أحد الشباب يكون سببا لرحيل تلك الأسرة من القرية ، وسببا في إثارة العداوة بين الأعمام والأخوان بل والمتبارزين من الشباب لما تخلفه من كره وعداوة أما الغريب بينهم ، يجب أن يحالف رجلا قويا في القرية ، حتى لايعتدي على أولاده أحــد ويعامله الكل باحترام .. لأنه جار عند فلان...
سألت العم أحمد وأين دور الحكومة في هذا ؟ فقال : الحكومة لاتدخل قريتنا ولانعرفها إلا إذا كانت هناك قضية قتل أوسرقة مواش كثيرة وهذا
نادرا مايكون ولكن الاختلاف فقط على الأرض وحدودها لاغير ويرجع فيها للقضاء .
فقلت ياعم ، إذا كان هناك شاب ، تورط في مشاجرة مع شخص له أخوة وأصدقاء ، وهو وحيد من الأنصار والأعوان ، فمعناه أنه مضروب ومهان ومظلوم ..
أجابني كلا ّ هذا يعتبر في عرف الشباب معيبا ، أن تضرب من هو بعمرك بمساعدة أحد ، حتى ولوشقيقك حاضر، لايساعدك إلا إذا هزمت يقول: للمنتصر كفاه ..كفاه ..
وهذا دليل باعتراف شجاعة الخصم وقوته ...
حسنا ياعم أحمد..
والحريم هل يحدث بينهن خلاف كما الرجال ، قال : نعم ماينطبق على الحريم ينطبق على الرجال ، ولايتدخل بينهن أحد ، وهن يتصالحن بعضهن مع بعض، ولايتدخل الرجال بينهنّ مطلقا .
2
الليلة الثانية
ـــــــــــــــــــ
حدثني ياعم أحمد عن قريتكم ؟ ..
وكيف كانت وكيف كنتم تلعبون وتتسامرون ..
العم أحمد :
كانت قريتنا من أجمل القرى لايسكنها إلا عم أوخال ، أوواحد ليس ببعيد ولادخيل فكلنا أسرة واحدة ، وكل أب في القرية أب لنا يعاقبنا كمايعاقب وأولاده ، وكان آباءنا يجيزون مايتخذه أي شحص في تأديبنا ، إذا أخطأنا وكان خطأ واضحا نستحق عليه العقاب ، أما الافتراء فيحكم فيه كبير القرية أوعريفها ، وهو أقل مرتبة من شيخ القبيلة ويعتذر للولد المضروب وأباه ويرضيهما ..
بذبيحة في بيت المضروب
تذبج أو يكتب عليه ورقة ، تسمى المثل . بمعنى إذا ضرب المضروب ولد الضارب ، أو أحد أقاربه فلا يؤ حذ منه إرش ولا قصاص .. وبمعنى آخر هذه بتلك هذه هي أحكام الشجار بينهم في تلك الحقبة ..
أما اللعب فكان لنا أفراحنا ومناسباتنا ، في الأعراس والختان ، ففي القرية يتعاون أهل القرية جميعا مع صاحب المناسبة ويقدمون مالديهم من فرش وأسرة وطعام وقهوة وشاي، وقد دأب أهل القرية جميعا على هذا التعاون ، فلاتشعر أنك لوحدك وكل واحد للقرية خادم ومضّيف للضيوف ، حتى تنتهي المناسبة وقدتستمر ثلاثية أيام حسب قدرة الداعي ومكانته المالية والاجتماعية ..
وكانو يلعبون في العصر العرضة والركض مع الخيل ، ويستقدمون خدما متخصصين في الرقص فكانوا يلعبون ..لعبة السيف وتكون عصرا ثمّ التعزواء ، والرقص بتدوير العصى العصى العريضة ،
حتى تتحوّل في الدوران كمروحة الطائرة المروحية ، يد وّرها اللاعب ، بثلاث أصابع وهو واقف على رجل واحدة ، يمشي عليها بتناغم مع دقة الطبل ، ثمّ يقذف بتلك العصي إذا وصل بين الجمهور إلى السماء فتعود إليه ، بحركة لولابية فيقفز إليها في الهواء فيمسكها ..
هذه هي لعبة التعزوى وتحتاج إلى حرفة ومران ..
وهناك ألعاب شبيهة بالد بكة اللبنانية تسمى الشرجى ، وعادة مايقف بها صفان يعلون ويهبطون مع ثني للجذع ، ورفع القدم مع الركبة ثم النزول للإرض والارتفاع منها سريعا ، .وهناك لعبة قريبة من الشرجي ، تسمى المعشى وهي قريبة الشبه من اللعبة السا بقة ، ولكنها أقل منها حركة وتستمر طويلا ،
ومن شعر بالتعب يدخل مكانه واحد آخر إذا أراد ..
وهناك لعبة خاصة بالعبيد تسمى المخدمي، والجحلي كذلك.
.المخدمي يقف العبد أوالخادم بجوار الطبل أوالزير أوصاحب الصحاف .
ويمسك عصاته ويستند عليها بيديه ، ثمّ يضرب الأرض الصلبة بباطن قدمه ضربا شديدا حتى تتحوّل الأرض المعزاء أو الصلبة ، إلى مايشبه الرمل الناعم أوالطحين فينظر إليه الآخرون وقد خلّف حفرة تحت قدمه ، فيعجبون من قوّته ومهارته ..
أما الجحلي فهو يستند الراقص على العصى ويحرك بطنه وظهره وكتفه في تموّج مع تناسق تام بين حركته وتناغم الزمر والطبل ، وهناك رقصة خاصة بأهل الجبل تسمي المثلوثة ترقص بواسطة السكين أو الجنبية . وتكون بين اثنين يدوران حول بعضهما في شكل مبارزة حربية ويكون المزمار المجلّب ، أي القصب عنصرا رئيسيا في تناغمها . .
ياعم أحمد ..
حدثتنا عن اللعب في الأعراس والختان، ولم تحدثنا عن الأ لعاب التي يتسلى بها الصغار لقضاء ليلهم ووقتهم ؟
العم أحمد ..
للشباب ألعاب كثيرة في عصرهم وليلهم ..في العصر..
نلعب لعبة العصى ، نركز أعصيتنا في الرمال ، ماعدا عصاة واحدة ، نقذف بها تلك العصي فأي عصاة لم تقع ، نحمل صاحبها على أعصيتنا إلى المرمى الذي ، وقفنا فيه للرمي
وهناك لعبة تسمى المزقرة ، وهي تشبه لعبة القلف نضع عودا صغيرا وننصبه في الرمل ونضربه بالعصى ، فيطير بالهواء وىلتقفه الشخص المنافس فإن أمسكه تكون له المبادرة في اللعب وعلى الآحر الذهاب في مكانه لمسك
العود الطائر وهكذا تستمر اللعبة ..
وهناك لعبة بالحصى تسمى الحكم أو المرو الحجر وتسمى السبعة ، وتسمى القمشة إذا فاز الخصم [قمشك أي كسبك]
وقد تلعب بواسطة كرعان الخراف ويدفع الطفل فيها فلوسا ، فنظام اللعبة تعتمد على الكراعين هذه وعلى أداة بحرية تسمى التير أوالبوح ..و تؤ خذ من أصداف القواقع البحرية لونها منقط ومزركش، تشبه الأصداف الودعية ويلعب بها ضمن دائرة ، فماخرج من الدائرة فهو لصاحب التير الذي أخرجه ويستمر الصراع ، بين الشباب ، كل حسب حرفته في هذه اللعبة فمن أحب اللعب فعليه شراء الكراعين ليلعب بها من جديد .
هذه الألعاب لاتكون إلا عصرا وهناك ألعاب ليلية على القمر مثل الزيقوى .. والقرقر .. والدسيسا . والكرة الغزالية بالمسحر تشبه لعبة كرة الثلج ..
حدثنا بالله عليك ياعم أحمد عنها ..
العم أحمد ..
ألم تر أنني اطلت عليك .. لا .. لم تطل لكنني أحب أن أسمع عن تلك الأ لعاب القديمة المندثرة
حدثني ياعم ألم تكن لديكم مدارس تعلمكم الصواب من الخطأ وهذا حلال وهذا حرام أم أن الصلة مقطوعة بينكم وبين العالم من حولكم ؟
العم أحمد ..
كنا نعيش في قرية نائية ،وكانت شبه منسية ، من أي صلة توصلها بالتمدن والتحضر إلا أنها كانت قريبة من طريق عام رملى يمر به المسافرون ويتصلون عن طريقه إلى مكة والمدينه وبقية الحواضر والمدن ..
وعادة مايجتمع المراهقون ، من أحداث السن ، ممن تجاوزوا الثالثةعشر ، ويخططون لأذية عابري السبيل ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .. في أذية عابري السبيل ، وأنا محدثك كنت واجدا من هؤلاء الجهلة .
بل كنت المخطط لهم وكنت أكبرهم سنا فآمرهم فيأتمرون ،وأنهاهم فينتهون ،فكنا نكوّن عصابة من الخمسة إلى الستة ، دون علم أهلنا بمانصنع ،
ونراقب الطريق فإذا رأينا رجلا بمفرده ، أوشابا كمثل عمرنا ، نقطع طريقه ونسلبه مامعه .. والحمد لله أنّ خطتنا هذه لم تتكرر ولم تستمر ..
وأين يد العدالة منكم ياعم أحمد في ذلك الوقت ؟
العم أحمد ..
كانت يد العدالة بعيدة منّا ، ولم نكن مرعبين ، وإنما أخطاءنا ، عن جهل وطفولة عفوية ، وكان مجتمعنا مجتمعا ، يعتمد على الشجاعة وحب البروز ولوكان ذلك التصرف خطأ ..
وعادة مانعاقب على الخطأ من قبل العرف القبلي ، فإذا ثبت على أحدنا الخطأ يربط بمربط الحمير أوالبقر ، إهانة له ، في وسط النهار ليراه كل أهل القرية ، ذكورا وإناثا ، وقدعرفوا خطأه ولايفك إلا إذا رضي صاحب الحق ، المشتكي ورأى أن ذلك يكفي في عقابه ، أويسجن بواسطة شيخ القبيلة ، ويغرّم أهله قيمة الضرر الذي سببه للآحرين ..
يا عم أحمد ..
هل تذكر موقفا لك وأصحابك في قطع الطريق أثناء رعيكم أغنامكم ؟
الـعم أحمد ..
في يوم من الأيام أشرت على أصدقائي بسلب من يمرّ بنا في مثل سننا ، ماله وثيابه ومامعه من زاد وزواد ..
وكنا نراقب الطريق فلا نعتدي على النفرين أوالثلاثة ، وإنما نعتدي على المنفرد ، ومن نرى أننا نقدر عليه ، ونشعر بخوفه منا ، لأننا في الأصل نحن جبناء بهذا الصنيع ..
وفي ذات مساء مرّ بنا شاب لايتجاوز عمرنا ، فأ حطنا به وسط الطريق إحاطة السوار بالمعصم ، ووكزنا ه وضربناه ضربا خفيفا ، وأمرناه أن يخلع ثيابه لتفتيشه فرفض
فأوسعناه ركلا ولكزا ، ولوحنا له بالعصي ، إن لم يفعل ورأى أنه سيضرب لامحالة . فاعترف لنا أنّه يحمل معه عشرة ريال من الفضة المسماة ، ماري تريزا ، وأنّ أخاه أعطاه ليسلم أباه وهي قيمة ثور لهم ، بيع بالسوق ، وعرفنا أنه من قرية مجاورة لنا
..فلـم يردعنا ذلك
فأخذنا نقوده واقتسمناها ، فيما بيننا وفرحنا بتلك النقود، فرجا شديدا واتفقنا على أنّ كل واجد يقول لأبيه وجدناها طائحة بالطريق .
وتركنا الفتى يذهب في حال سبيله ، وابتعدنا عن الطريق فأ خذ يتبعنا ويراقبنا ، و كلماا بتعدنا منه يقترب منّا ، فعرفنا أنّه سيتبعنا إلى منازلنا ،
وسوف نفضح عند آبائنا ، وسيكون عقابنا شديدا ، إن هم عرفوا بفعلتنا ، وآباءنا أناس طيبون لايقبلون مثل جريمتنا مطلقا ، بل عملنا هذا في عرف القبائل، وسلمها يعتبر مشينا ، ومسببا للفتن بين القبائل، وظهر لنا أننا أخطأنا بحق ذلك الغلام . وكما قلت لك كنت أكبرهم ..
فجمعت أصدقائي وقلت :لهـم أنظروا إليه يتابعنا، وكلّما طردناه ، يهرب ثمّ يعود إلينا أظنه سيلحقنا إلى بيوتنا ، وعندها سنقع جميعا في المساءلة والعقاب ، من آبائنا فما رأيكم لو أعطيناه ماله وتركناه يذهب به ،
وكان أولئك الصبية طيبين .. فبعضهم وافقني الرأي ، وبعضهم استبدّ به الطمع ، وقالوا هذا مالنا أخدناه من ذلك الفتى ، ولن نعيده ، إليه فإذا أردت إرجاع نصيبك فافعل ، أولست أنت صاحب هذه الفكرة
سنقول لأهلنا أنت من حرضنا ، على النهب والسلب وقطع الطريق .. فسألتهم قائلا : هل من أحد منكم يكفر بالله ، فأجابوا نحن نؤمن بالله ، وكنا لانقرأ ولانكتب ، ولكنّا على الفطرة ، نخاف الله ونؤمن بالعقاب ، والجنة والنار ، برغم نزقنا وطيشنا ..
وأخذت أتودد إليهم ، وأرقق قلوبهم ، فلم يستجيبوا لي ، أبدا فصرخت فيهم أنت يافلان ، والدك يملك من المال ،كذا.. وكذا.. هل تغنيه هذه النقود ؟ التى هي من الحرام ألا تخشى أن يموت أبوك أو أمك بعد أكلها ويدخلان النار ، وأنت يافلان ألا تخشى أن يسلط عليك الله موقفا مشابهـا مثل هذا الموقف مع هذا الغلام ..
ألا تتمنى أن ينقذك أحد مما أنت فيه
.. أما أنا فسأرحع إليه ماله ، أما أنتم فشأنكم .. لعل الله يسامحني ويطيل عمر أبي وأمي ، بفعلكم هذا لن ينزل علينا المطـر,, ومشيت إلى ذلك الغلام ، فلما رآني أصدقائي دفعوا ماتبقى لديهم من مال
.. لذلك الغلام البائس فذهبت إليه ، وكان مرعوبا وخائفا ، وأقسمت له بالله العظيم لن نمسّه بسوء ، ونعيد إليه ماله ، فلم يثق بنا ولم يقترب إلينا ، فوضعناماله ، بحيث يراه ، فذهب لماله وأحذه بصرته من القماش
وقلنا له عدّه حتى لاتقول : أننا أخذنا منك شيئا ، فعدّه ودعا لنا وشكرنا ، وطلبنا منه أن يصفح عنا ويسامحنا ، فاطمأنت نفسه إلينا ، وصافحنا ونصحناه ، أن يتخذ في طريقه صحبة ويتجنّب الرعاة
من المراهقين فهم خطرون ولايميزون الحقّ من الباطل ، وواصل ذلك الفتى طريقه ، وهو يلوّح لنا بيده ، برغم ما أصابه من جراح وألم ، ولم نعد لمثلها ، وقد سلمنا من عقاب آبائنا ونرجو الله أن يعفو عنّا ويتجاوز عن أخطائنا وجهلنا..
3- قصة الكلب ..
سمعنا ياعم أحمد ..
أنّ لديك كلبا كنت تدربه على أذية الناس .. فما خبر ذلك الكلب ؟
العم أحمد ..
الكلب صديق الراعي ، ومساعده وهو ذكي جدا ، بشرط أن تشبعه وتصادقه ، وتلاطفه فيصبح كأنّه إنسانا حقيقيا ، يسمع كلامك وينفذ ماتقوله من الأوامر ، ولايعصيك ..
وأفضل الكلاب تلك التي تشبه الذئب في لونها..
أخذت جروا صغيرا ودربته ، على الكثير من الأمور، أرسله للشيء فيأتي به ، آمره أن يرد الغنم ، من اليمين فيذهب لليمين ومن اليسار فينطلق لليسا ر ، وأحببته حبا شديدا ، وهو كذلك كان يدافع عني عند الخصام ، والمشاجرة ، حتى أبي لايستطيع أن يضربني والكلب بجواري ولكنني دربته على أذية عابري الطريق .. فيروعهم..
وكنت أضحك على الناس وأخيفهم به
وأصبحت أذية الناس تجري في دمي للتسلية والضحك ، وقررت ذات يوم أن أرى كيف يقع راكب الحمار ، من على ظهر حماره ، وكيف تتكسر أوانيه الفخارية ، لوكان يحمل جرار سمن أوعسل ، يخسر ذلك المسكين ، وآتي لمساعدته فأشرب مابقي له من عسل أوسمن ، وبعد أن ازجر الكلب يذهب بعيدا ،
إلى الغنم وكأنه هو الآخر قد استمتع بما فعل من أذية الآخرين ..
ومالبث خبر الكلب أن شاع خبره، وعمّ كل القرى المجاورة ، وأصبح في نظـرهم كلبا مسعورا يعض الناس وينقل المرض وهو لم يعض أحدا ، وبالغ الناس في خطره ، وشدّة باسه ووصلت الشكوى إلى شيوخ القبائل فسألوا، عن صاحبه ..فلما عرفوا أنني صاحبه ، كبّروا وضخّموا خطري وخطر كلبي ، فأمر شيخ القبيلة بجلدي عشرين جلدة ، وعقر الكلب ..فأطلق عليه الناروهو في غفلة من أمره ،
فخرّ صريعا وحزنت حزنا شديدا عليه ، وكنت أرعى غنم من أطلق النار عليه ، فهددته بأنه لو أرسل غنمه معي فسوف أذبحها جميعا ، فذهب بغنمه للسوق وباعه ولم يقتن ، بعد ذلك غنما .. وبذلك أمن الناس شرّي بعد تأديبي وشرّذلك الكلب ..
ياعم أحمد ..
هل تبت بعد ذلك العقاب ،من قطع الطريق وأذية الناس ؟
العم أحمد ..
نحن يابني لم نكن قطّاع طرق ، كما يفعل المجرمون ، من قتل وتهب وتخويف لا.. لم يكن هذا عرفنا .. وإنما كان الجهل سائدا ..
ونحن صبية في فراغ ليس وراء نا تعليم ولاتوجيه .. إلا أذية أنفسنا أوغيرنا ، ونرى ذلك العمل من البطولة ، والصعلكة.. يدل على البطولة وزيّنه إبليس لنا ، وخطط لنا ، خططه ومكائده ..
فبعد موت كلبي ، قررت الانتقام ممن يمر بتلك الطريق ، فكنت أذهب إلى الطريق قبل رجوع
أصحاب الحمير ..
من السوق وكانت هي المواصلات السائدة حينذاك .. وأحفر حفرا تشبه خلية النحل وأغطي الحفر بورق شجر العشر ، وأضع عليه قليلا من الرمل فتدوسها الحمير فتقع ويقع صاحبها
ولكنني سمعت رجلا .. يحكي للناس وقعته من على ظهر حماره وأخذ يدعو علي بحرقة وصدق ، قائلا : اللهمّ من فعل هذا الفعل ، أوهذا العمل أن تشل يده وتفقد بصره
فخفت من الله وقررت ، لن أعود لمثلها أبدا أبدا ..وشعرت بالرعب والخجل ، من الله إذا لقيته
ونصحت كلّ من يفكر كتفكيري أن يتوب من الله ويرتدع وكبرت ، وسمعت أنّ إماطة الأذى
عن الطريق من الإيمان ..فكيف بمن يعيق الطريق ؟
فقرت التوبة وعدم أذية الآخرين ماحييت
العم أحمد ..
هل مرّ عليك موقف من المواقف الغريبة التي كنت تعملها للناس عملت فيك من قبل الآخرين ؟
العم أجمد ...
عندما كبرت قليلا ..شعرنا بتطوّر الحياة من حولنا، وفتحت مدرسة ،في قرية مجاورة ولم تكن قريبة لنا ، ففي يوم من الأيام لم يذهب زملائي ، معي وقرر والدي أن أذهب لوحدي وفي طريقنا
تلاميذ في قرية مجاورة نتشاكل معهم ذهابا وإيابا ..فرأوني منفردا عندما مررت بقريتهم
صبا حا
علما أنني مسالم ، معهم ولم أشارك زملائي في مشاكستهم داخل المدرسة ، و عند عودتي من المدرسة ، كمنوالي قرب قريتهم ، وأوسعوني ضربا ، ثم لاذوا بالفرار فبعد أن أ فقت ذهبت لقريتهم ، فأنكرت القرية كلها أ نهم ليسوا من أولاد قريتهم ، وأرسلوا معي رجلا ليوصلني إلى قرب قر يتي وينصرف ، فلما وصلت إلى والدي ورأى مابي من إصابات
قال : لقد أحسنوا صنعا ، وهم لم يكسروا عظما .. وذهب ليلا مع شخص آخر لقريتهم فأنكروا وقالوا مادام أنهم مع ابنك في المدرسة فمدير المدرسة يحضرهم فقال : أبي لن أشكو إلى مدير المدرسة المشكلة في قريتكم وأنتم تتحملون تبعة ذلك وإلا لن نترك أحدا يمرّ بقريتنا دون أن ينال العقاب ، ومن أنذر فقد أعذر ، وفي اليوم الثاني جيئ بهم لدار والدي ، واعتذر أباءهم ولكنني لم أجدهم بالمدرسة بعد ذلك ..
هذه هي قصصنا وهذه هي حياة طفولتنا وقصص رعاة الأغنام ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمت بقلم | محمد علي طاهر العبدلي