المنافحون عن الحق والمبادىء
سيد يوسف
ساءني أن راسلنى صديق ممن ينافحون عن الحق وقد زهقت نفسه ومل حديث من لا يحسنون الاستماع إلى صوت العقل حتى إذا حاصرتهم بالحجة والمنطق تملصوا منك وجادلوا بالباطل .....
قلت فى نفسى : إن أصحاب الحق عليهم أن يكونوا أكثر وعيا ونضجا بحيث ينقسمون لثلاث فئات:
(1)
المنظّرون
ونقصد بهم الذين ينظرون( من التنظير) قضايا الحق والعدل والمنطق وفق مرجعية تلقى احترام الجميع ...فعلى الذين ينظرون ويكتبون أن يراقبوا الشأن العام ويمدوا الآخرين بزاد ثقافي يعينهم على المسار بل ويضبط لهم مسار العمل وينقد المسارات أو الأخطاء الوارد حدوثها عند التطبيق.
ولو شئنا أن نضرب لذلك مثالا لذكرنا القرآن الكريم فهو الذى يصحح مسار المسلمين نحو ربهم ونحو حياتهم الاجتماعية ...والقرآن يلقى احترام المسلمين أينما كانوا.
ويتفرع من ذلك : القضايا التى يثيرها منظرو الفكر الإسلامي لما يستجد من مستجدات فى الواقع العام... وهى اجتهادات قابله للصواب والخطأ لكنها فى
مجملها تراعى أمرين:
1/ عدم الخروج على أساسيات الشريعة وقواعدها.
2/ أنها تعمل فى ظل منظومة متناغمة تهدف إلى إعلاء قيمة الحق والدين...وبأسلوب صحيح فالوسائل فى ديننا لا تنفك عن الغايات.
وعلى هؤلاء المنظرين أن يقوموا ب(3) أدوار:
التنظير
المتابعة
التصحيح
* وهى مفردات تحتاج لشرح بيد أن مجال ذلك فيما بعد إن شاء الله.
(2)
العاملون
يجب على أصحاب الحق أن تتفرغ منهم فئة تأخذ على عاتقها العمل والاستمرار فيه دون النظر إلى الذين يهدمون أو الذين يثبطون همتهم ...
عليهم أن يسيروا بما معهم من خير وحق وعدل على أن ينضبطوا بضوابط الخلق المستمدة معاييره من الدين ....دون أن يلتفتوا إلى الدفاع عن النقد والتشويه فتلك مهمة الفئة الثالثة مسترشدة – أيضا- بتنظير الفئة الأولى.
وعليهم ألا يستكبروا حين يخطئون....
وعليهم أن يراجعوا( وقفات مراجعة ) أنفسهم كل حين مستبصرين بما ينظره المنظرون.
ولو أن كل عامل التفت لمن يهدمه لما بنى المخلصون حضارة فكثير من الناس من يولع بالهدم ويغيظه أن يجد عاملين!!!
وفى هذا السياق أورد حكاية طريفة مفادها أن فلاحا مصريا اكتفى بشتم مستعمر إنجليزي حين احتل الإنجليز مصر والمستعمر لا يفقه العربية فلما نبهه أحد المارة أن الفلاح يشتمك رد الإنجليزي قائلا: وهل تمنعني شتيمته أن أصل إلى طريقى فقال الرجل : لا... فقال الانجليزى: إذن لا علىّ من ضير.
(3)
المنافحون عن الحق
لا يكفى أن يكون الحق وسيما حتى ينال الإعجاب ..لابد له من صوت يدفع عنه التشويه ...وهذا دور المنافحين عن الحق.....
عليهم أن يصبروا وعليهم أن يتمتعوا بطول النفس ...ثم عليهم ألا يتراجعوا
مهما لاقوا من صعوبات وتفاهات أو مقترحات عقول لا تحسن سوى الغمز واللمز..والقفز على الاستنتاجات الخاطئة .
وفى هذا الميدان أسوق تلك الكلمات عساها أن تُلقى الصبر فى قلوب المنافحين:
(على الفاقهين أن يتقوّوْا بالصبر فى مواجهة الباطل الوسيم...فإنك قد تكون على الحق - تدرك ذلك بالعلم والفطرة النقية التى تسعى أن تعيش بها ويزيد اطمئنانك بما أنت عليه من حق بشهادة أهل الحق والخير ولأن ما لديك من بضاعة يتطابق مع ثمرات العقل الحر ومع ثمرات الفطرة النقية...
أقول قد تكون على حق لكنك لا تحسن توصيله إلى الناس...لا تحسن عرض بضاعتك..لا تجيد لغة اللف والدوران التى يجيدها أهل الصخب....
لا تجيد السير بمرونة بما معك لتصل بما تحمله من حق إلى مكانه...
لا تستطيع أن تتخطى عقبات الباطل التى أمامك....لا تستطيع الوصول بما معك إلى ما تريد...
وقد يكون الباطل مع غيرك لكنه يجتهد أن يلبس الحق بالباطل يجتهد أن يزين الباطل ليريه للناس حسنا...يحسن عرض بضاعته لأنه يجيد اللف والدوران....
وأنت حين ترى ذلك تتألم.... تغتم...تثور: هذا الألم وهذا الغم وهذه الثورة
إما أن تكون ثورة ساكنة فتكبت فى نفسك الألم فتنعزل عن الناس ومن ثم يعزلك الناس عنهم.....
وإما أن تكون ثورتك صاخبة هائجة تتناسب وما يعتمل داخل صدرك من غيظ أن ترى الباطل لا ينكره الناس وأن ترى الحق يتنكر له بعض الناس وبقية تراه وتصمت (جهلا أو خوفا أو إيثارا للسلامة أو عدم تقدير جيد للموقف أو غير ذلك) ومع هذه الثورة الصاخبة فسوف يكثر خطؤك ومن ثم يتنكر لك الناس حتى بعض الفاقهين ....كل ذلك والحق معك والباطل مع غيرك.
وقد يغيظك تنكر الناس لك ويؤلمك أشد الألم صمت الفاقهين القادرين فتضيق بالحياة وبالناس كل الناس ويسوء تقديرك للناس وتخطيء فى تعميم مسئولية الناس جميعهم على أنهم لم يقفوا معك ولم يحسوا بما تحس به من مرارة تستشعرها من غباء قوم كأنهم ما خلقوا إلا ليغيظوا أهل الحق...
عندئذ ستصير ساخطا غالبا ومتشائما وناقما على الجميع : على نفسك أولا ثم على عملك وقد يخسرك الجميع...
أنا لا أطالبك بان تعمل ما هو ضد طبيعتك( أى أن تجيد اللف والدوران واستخدام طرق تراها رخيصة للوصول بالحق الذى تحمله إلى مكانه الصحيح).
ولا أطالبك بمخالفة ضميرك...ولا أطالبك باليأس من الناس ..
لكنى أطالبك وبقوة أن تصبر...وأن تتشبث بالحق الذى معك....وأن تناضل (بالحكمة والموعظة الحسنة) فى سبيل توصيل أهدافك النبيلة للناس..
أطالبك أن تؤمن بان المجتمع يتطور تطورا يجعل الناس يحكمون على الشخص بحقيقته لا بمظهره كما يرى أ/ الغزالى.
وثق بهذه الحقيقة إن مجتمعاتنا (وكل المجتمعات) لا تتغير بين عشية وضحاها
فالطريق من ههنا.. مما معك وبمن معك ولكن تذكر أن هذه الطريق طويلة خطواته وكثيرة عوائقه.. لكن حتما سوف يصل إلى هدفه طال به الزمن أو قصر).
فالحق الذى ننادى به يتحقق دوما حينما:
يجد رجالا يصبرون عليه.. ويجتمعون عليه... ويورّثون الحق الذى يحملونه إلى الأجيال القادمة... ويتسلحون بالعلم ويتعايشون بمبادىء السماء....ولا ينسون الله من حساباتهم.
اصبر (إنما النصر صبر ساعة)...ثابر فالمثابرة من شيم الفاقهين....كافح فالكفاح قرين النصر.
ملاحظات مهمة
1/ الأقسام الثلاثة تشكل منظومة تتناغم أدوارها لتحقق أفضل النتائج...
لقد رأينا اليهود والغرب يخططون ويتبنون استراتيجيات بعيدة المدى فلا
اقل من مجابهة منظمة يقوم بها المخلصون.
2/ وبناء عليه ليس لقسم من هذه الأقسام الثلاثة أن يتخلى عن دوره آو أن يتقاعس فيه..
فلو قصر المنافحون لازداد تشويه المغرضين لأهل الحق...ولو قصر العاملون لأرهقوا المنافحين !!! وكيف يعتذرون عن تقصير وإهمال؟؟
ولو قصر المنظرون لسار العمل بلا هدف ورؤية..
3/ ونؤكد على أمر مهم : لا أحد يعلو على الخطأ ...وخطأ التطبيق غير خطأ المنهج ....فعلى الجميع مراجعة النفس والعمل كل حين حتى يتناغم عمل كل
قسم بما يخدم الحق والخير.
4/ ليس الحق فقيرا فى حجته حتى يخشى الحوار أو يتهرب منه....ولذا فعلى المنافحين أن يلموا بآداب الحوار والمداخلات والمناظرات وإلا أساءوا إلى الحق.
5/ كما على المنافحين أن يتمتعوا ببصيرة تفرق بين جدال يبغى التفريق وبين حوار يبغى الصواب.......فينأون عن الأول-تاركين ذلك للمنظرين- ويرحبون بالثانى.
6/ لا تتراجعوا...لا تتراجعوا...لا تتراجعوا....فصاحب الحق لا يعرف التراجع وصاحب العقيدة لا يليق به التراجع وإلا لأهان الحق الذى معه بتراجعه.
فى النهاية
أسأل الله أن يلهمنا البصيرة والسداد.
سيد يوسف