الالوان ودلالاتها في القراءن الكريم
الألوان في القرآن الكريم تحمل مدلولات رمزية و أهداف جمالية أو أخلاقية
لاستخدام الألوان في القرآن الكريم دلالات بالغة الأهمية ،
حيث نقرأ ففي الآيات ذكراً لأغلب الألوان المعروفة ،
لما للألوان من أدوار متعددة الجوانب سواء في الأغراض الحسية أو المعنوية ،
لما لها من تأثير على النفوس و ما تحمله من دلالات .
على أن استخدام الألوان في القرآن الكريم ورد على نوعين ،
فأحياناً يذكر اللون الصريح ، كالأبيض و الأسود و الأحمر و الأخضر مثلا ،
و أحيانا لا يصرح بلفظه و إنما يستدل على وجود اللون من خلال الآيات حين
تذكر الألفاظ ( كالصبح و الليل أو الظلمات و النور أو الجنة و النار )
و الآن لنستعرض معا دلالات الألوان التي ذكرت في القرآن الكريم
اللون الأبيض
يتميز اللون الأبيض عن سائر الألوان في و وظيفته و طبيعته ، و رمزه و دلالته ،
فهناك شبكة من العلاقات التي تربط بين هذا اللون و سلوك الإنسان ،
و كثيراً ما نستخدم في حياتنا اليومية مثل الأيادي البيضاء و الوجه الأبيض و الراية البيضاء
و قد استخدم القرآن هذا اللون وحده في أكثر من موضع في سياق الآيات القرآنية ،
أو استخدمه مقترنا مع اللون الأسود ، لما لهذين اللونين من ارتباط شديد بين بعضهما
فقد ذكر اللون الأبيض مفردا في سياق تحدي موسى عليه السلام لفرعون ،
في أكثر من موضع ، حيث يطلب إليه إدخال يده في جيبه لتخرج بيضاء
من غير سوء و هي تعتبر من المعجزات ، قال تعالى
{وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ}
(33) سورة الشعراء
و قال تعالى
{وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى}
(22) سورة طـه
وقد يكون اللون الأبيض ذا دلالة كبيرة ، إذ يستخدم في تصوير حالة من حالات
العمى الذي يسببه الحزن و الكمد ، كما هو الحال في قصة يوسف عليه السلام
قال تعالى
{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}
(84) سورة يوسف
و النص القرآني اذ يختار اللون الأبيض لتصوير الحالة التي أصابت العين ،
إنما هو بسبب ما يحمله هذا اللون من دلالة على الصمت و السكون و الإحساس بالفراغ
المرافق لحالة الحزن و كظم الغيظ ،
و قد وصف الله تعالى خمرة أهل الجنة بالبياض أيضاً لما له من تأثير يبعث
على المتعة و الجمال ، و لما يحمله اللون الأبيض من دلالة على الصفاء و النقاء
فقال تعالى
{ بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ }
(46) سورة الصافات
كما ورد في سياق الحديث عن أهل الجنة ، و ما أعده الله لهم في جنات النعيم .
وقد يحذف اللون و يستدل عليه من خلال التشبيه كما
في قوله تعالى
{ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ }
(49) سورة الصافات
و إذا كانت الآية تحمل في معانيها معنى الطهر و النقاء الذي يختص به الحوريات ،
فهي تحمل أيضاً صفة الجمال المتمثل بالبياض الناصع.
اللون الأسود
أما اللون الأسود فقد ذكر مفردا أيضا في سياق الحديث عن كراهية أهل الجاهلية للأنثى
قال الله تعالى
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ }
(58) سورة النحل
فكأن كظم الغيظ و الحزن و الضيق يجعل النفس سوداوية ،
وهذه السوداوية تلتمس في الوجه .
على أن للسواد دلالة خاصة في القرآن عندما يتصف به أولئك المشركون ،
فنهايتهم سواد الوجوه و مثواهم النار ،
قال تعالى
{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ
مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ}
(60) سورة الزمر
و قد يستخدم اللون الأبيض في القرآن الكريم للدلالة على ظهور الفجر
واللون الأسود للتعبير عن ظلمة الليل و سواده ،
قال تعالى
{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ
عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ
وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ
الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}
(187) سورة البقرة
و مما يزيد النص روعة و جمال ما يحمله اللونان من تضاد
اللون الأخضر
اللون الأخضر في الإسلام له دلالة خاصة تجعله مميزا عن باقي الألوان
ومقدما عليها ، إذ هو من الألوان المحببة لأنه لون الجنة و لون الحياة و القيامة
حيث ضرب الله مثل القيامة من اخضرار المزارع في الربيع بعد أن كانت كالموات ،
وقد وعد المسلمون المتقون بالجنة ، حيث السندس و الإستبرق الأخضر
و الظلال الخضر في كل أرجاء الجنة و جوانبها ، و اللون الأخضر هو
اللون المفضل عند النبي صلى الله عليه و سلم .
قال تعالى
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً
إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}
(63) سورة الحـج
{وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا
نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ
وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ
إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
(99) سورة الأنعام
و الملاحظ أن اللون الأخضر كثيرا ما يستعمل في القرآن الكريم مرتبطا برموز
الموت للأرض ثم حياة الأرض بعد ذلك بتعبير اللون الأخضر .
و قد ورد في سورة يوسف استعمال اللون الأخضر للتعبير
عن حياة السنابل الخضر ،
قال تعالى
{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ
خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}
(46) سورة يوسف
و في سورة يس نلاحظ هذا الربط القوي بين اللون الأخضر و اللون الأحمر في
قوله تعالى
{الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ}
(80) سورة يـس
لما يحمله كل من اللونين من حيوية.
و قد ذكر اللون الأخضر في أكثر من موضع عند الحديث عن المتقين
و ما أعده الله لهم في الجنة ، فقال تعالى :
{أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن
ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ
نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا}
(31) سورة الكهف
فهم يلبسون ثيابا خضرا لأن الخضرة أحسن الألوان تأثيرا في النفس ،
لذلك يقال ثلاثة مذهبة للحزن الماء و الخضرة و الوجه الحسن
اللون الأحمر
لم يرد ذكر هذا اللون سوى مرة واحدة في سورة فاطر ،
و ذلك في سياق تقريع الكافرين الذين كذبوا رسلهم ، و تذكيرهم بنعمة ربهم ،
قال تعالى
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا
وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ}
(27) سورة فاطر
و في الآية تقرير لقدرة الله و وحدانيته من خلال ذكر الجبال
و ألوانها و الصخور و أنواعها .
اللون الأزرق
ورد هذا اللون مرة واحدة في سياق الحديث عن المتكبرين على دين الله ،
قال تعالى
{يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا}
(102) سورة طـه
و قد اختلف في تفسير الآية ، ففسرها بعضهم على انهم يحشرون و عيونهم
زرقاء و البعض الآخر على أن وجوههم زرقاء
هذا اللون يتكرر في أكثر من موضع في القرآن
قال تعالى
{قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء
فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}
(69) سورة البقرة
و سرور الناظرين لا يتم الا أن تقع أبصارهم على حيوية و نشاط و التماع
في تلك البقرة المطلوبة ، فاختيار الأصفر الفاقع هنا يزيد البقرة جمالاً ،
و يبهج الناظر إليها ، و يشير المفسرين إلى أن الأصفر من الألوان السارة ،
أما في سورة المرسلات فقد استخدم اللون
الأصفر في وصف جهنم ،
قال تعالى
{كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ}
(33) سورة المرسلات
و الملاحظ في هذه السورة أنها تعرض مشاهد لجهنم تميزها عن غيرها من السور
و قد ذكر أيضا اللون الأصفر أيضا أكثر من مرة في سياق الحديث عن
إحياء الأرض بعد موتها ،
قال تعالى .
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ
زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ }
(21) سورة الزمر