الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد
كثيرا ما نسمع من إخواننا كلاما يقدح في العقيدة وينقص من كمال التوحيد ويصدر ذلك منهم بحسن نية ومرده الجهل بعقيدتنا وأحكام ديننا .
من ذلك أيها الإخوة قول (إن شاء الله في الدعاء) ففي العزاء نسمعها كثيرا يقول أحدهم لأخيه غفر الله لميتكم إن شاء الله -والله يجعل منزله الفردوس الأعلى إن شاء الله -والله يحلله ويبيح له إن شاء الله- والله يغفر له ويرحمه إن شاء الله وفي الدراسة يقول لغيره الله يوفقك إن شاء الله وينجحك إن شاء الله وهكذا في كل مناسبة ومع كل دعاء يقول إن شاء الله وحتى حينما يدعو لنفسه يقرن الدعاء بالمشيئة وهذا في الحقيقة جهل بحق الله تعالى وكمال قدرته وعظمته وسوء أدب مع الله تعالى ، لذلك أيها الإخوة دعونا نقف مع هذه المسألة ونتبصر ما يجب علينا نحوها فمتى يكون قول ( إن شاء الله ) محمودا ومتى يكون مذموما .
عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني فإنه لا مستكره له) رواه البخاري
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا دعا أحدكم فلا يقل : اللهم ! اغفر لي إن شئت . ولكن ليعزم المسألة . وليعظم الرغبة . فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه ) رواه مسلم
وعنه أيضا قال : صلى الله عليه وسلم (لا يقولن أحدكم : اللهم ! اغفر لي إن شئت . اللهم ! ارحمني إن شئت . ليعزم في الدعاء . فإن الله صانع ما شاء ، لا مكره له )
أخي : الإنسان حينما يتحدث عن الفعل في المستقبل فهو يتحدث عن فعلين لا ثالث لهما إما أن يتحدث عن فعل الله وإما يتحدث عن فعل المخلوق فحينما يتحدث عن فعل الله فهو إما يقصد الدعاء وإما يقصد الخبر فإذا قصد الدعاء فيحرم قول إن شاء الله حينئذ لأنه بذلك استنقص ربوبية الله تعالى واعتدى على جناب التوحيد فلم يحقق التوحيد بذلك وهذا الفعل شنيع من عدة أوجه منها:
أولا أن من يقول إن شاء الله في الدعاء يدل على انه يشعر بإستغناء العبد عن الله , والعبد لا غنى له عن الله أبدا وهو سبحانه الغني الحميد فينبغي للعبد أن يظهر فاقته وحاجته وشدة رغبته مع إلحاح صادق جازم ، فمن يقول إن شاء الله في الدعاء كأنه بلسان حاله يقول لست جازما فيما أطلب فإن حصل مطلوبي وإلا فأنا لست بملح
وأضرب لذلك مثلا فلو أن إنسانا طلب من والده وقال له أعطني مائة ريال وقال أخوه بعبارة أخرى على حسب مشيئتك يا والدي أعطني مائة ريال فسوف يفهم الأب أن الأول محتاج بخلاف الآخر
ولله المثل الأعلى فقمة العبودية إظهار كمال الخضوع والتذلل والفاقة لله تعالى والطلب بإلحاح وعزيمه ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (وليعظم الرغبة ) ومعنى ذلك أي يبالغ في تكرار الدعاء والإلحاح فيه
ثانيا : أن قول إن شاء الله في الدعاء يشعر أن هذا الأمر عظيم على الله ولذلك لم يلح عليه فيه ومعلوم فساد هذا المعنى فالله تعالى إذا أراد شيء قال له كن فيكون وفي المثال السابق نجد أن من طلب والده ولم يذكر المشيئة عنده شعور بقدرة والده في تحقيق طلبه بخلاف من قيد طلبه بالمشيئة فهو يشعر أن طلبه ربما أثقل على والده فيه وهذا في حق البشر فكيف الأمر في حق الله تعالى.
فالأمور كلها سواء عند الله تعالى والله الكريم الغني يغضب إن استغنى العبد عن دعائه وفضله ويعطي بغير حساب ولا يعظم على الله شيئا ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ( فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه )
ثالثا : أن قول إن شاء الله في الدعاء يشعر أن مشيئة الله ناقصة ، تعالى الله عن ذلك ، فمشيئة الله تامة لا يلحقها عيب ولا نقص فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، الخلق خلقه والأمر أمره والتدبير تدبيره ، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإن الله صانع ما شاء ، لا مكره له ) .
فهذه المحاذير توجب البعد عن تعليق الدعاء بالمشيئة فالله سبحانه يحب الملحين في الدعاء فعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحب الملحين في الدعاء ) فالعبودية تقتضي أن تخضع وتتذلل لله تعالى وكلما كان خضوعك وافتقارك إلى الله أكثر كلما كانت الاجابة أحرى وأقرب والله سبحانه يفرح بالدعاء ويغضب إن استغنى العبد عنه يقول تعالى ((وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )) واعلم أن ملك الله عظيم ولو أن الثقلين الجن والإنس دعوا الله فيما يطلبون ويتمنون واستجاب الله دعائهم ما نقص ذلك في ملك الله شيئا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ) فملك الله واسع وعظيم ومن أسماءه الغني الكريم ، ومع الإلحاح في الدعاء لا بد من إظهار الفاقة والحاجة لما يطلبه من خالقه .
أما إذا لم يقصد الدعاء وإنما قصد الخبر فإن ذلك جائز ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده ، قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يعوده قال : ( لا بأس ، طهور إن شاء الله ) فهذا من باب الخبر لا من باب الدعاء
فلو قال أحد من باب الإخبار إن شاء الله أبي الآن في الجنة أو إن شاء الله أنا من الناجحين فليس في ذلك بأس .
مسألة : لو قصد الإنسان التحدث عن فعله أو فعل غيره من المخلوقين فهنا يحمد قول إن شاء الله لأن مشيئة المخلوق تابعة لمشيئة الله تعالى فإذا شاء المخلوق أمرا لم يقع إلا بإرادة الله تعالى والله تعالى يقول (( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا ، إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا )) يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في الآية (هذا إرشاد من الله لرسوله صلوات الله وسلامه عليه ، إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل ، أن يرد ذلك إلى مشيئة الله - عز وجل - علام الغيوب ، الذي يعلم ما كان وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه [ قال ] قال سليمان بن داود عليهما السلام : لأطوفن الليلة على [ ص: 149 ] سبعين امرأة - وفي رواية : تسعين امرأة . وفي رواية : مائة امرأة - تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله ، فقيل له - وفي رواية : فقال له الملك - قل : إن شاء الله . فلم يقل فطاف بهن فلم يلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لو قال : " إن شاء الله " لم يحنث ، وكان دركا لحاجته" ، وفي رواية : " ولقاتلوا في سبيل الله فرسانا أجمعون )
وخلاصة الأمر
إن كان الإنسان يطلب الله ويدعوه فلا يقل إن شاء الله أما إن كان يتحدث عن فعله هو فيقول إن شاء الله لأنه لا يدري هل يقع وينفذ أمره أم لا .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ووفقنا للعلم النافع والعمل الصالح وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الشيخ ابراهيم بن عبدالرحمن العريني
من موقع قوت القلوب http://kootalkoloob.com/