إذا كنا في غرفة مصمتة بشكل كامل وهي مظلمة بشكل كامل أيضاً؛ فإننا لا نستطيع رؤية أي شيء حولنا مهما كان لونه أو حجمه (يستثنى من ذلك بعض المركبات الخاصة كالفسفور وخلافه)، ورؤية الأشياء وتمييزها يتم بالشكل العكسي، فالأشعة الساقطة من الشمس أو المصابيح أو النار وغيره تسقط على الأجسام المحيطة بنا فتعكس هذه الأشعة ومن ثم تدخل من خلال العين وتسقط على شبكية العين فنراها.
هذه هي الفكرة الأساسية للرؤية بشكلها المبسط والتي اكتشفها عالم البصريات العظيم الحسن بن الهيثم (354-430هـ / 965 -1039م)، فإذا عرفنا الفكرة الأساسية للضوء وكيفية الرؤية يمكننا التعمق ومعرفة الحالات الغير طبيعية للرؤية وكيفية حدوث الأخطاء وعيوب العين الإنكسارية
تأتي الأشعة المنعكسة من أي جسم وتسقط على شبكية العين الموصولة بالعصب البصري المكون من ملايين الخلايا العصبية الموصلة والناقلة للمخ حيث يتم تحليل الصورة وإخراجها بالشكل الذي نراه بها، ومشكلة الأخطاء الإنكسارية تتم أساساً في الأجزاء الأمامية للعين: القرنية والعدسة. هناك أجزاء أخرى لها علاقة بالأشعة الداخلة للعين ولكن التأثير الأكبر هو من هذين العضوين الحيويين في العين.
الأشعة التي تأتي من أجسام بعيدة، وما نصطلح على تسميته بالأشعة القادمة من اللانهائية (ستة أمتار فما فوق) تكون الأشعة في هذه الحالة متوازية وتسقط على العين بشكل متعامد، ولو لم يكن هناك قرنية أو عدسة فإن كل شعاع يكوّن صورة مستقلة على الشبكية مما يجعل مجموع الأشعة صورة كبيرة جداً وغير واضحة ولا يمكن رؤيتها فكل ما سيراه الإنسان نور فقط من دون تمييز لما يراه. والأمر لا يختلف كثيراً لو كانت الأجسام قريبة من العين، وهذا الكلام هو شرح نظري فيزيائي، وإلا من ليس لديه قرنية ولا عدسة فهو شخص أعمى تماماً لا يمكن أن يرى، فالقرنية والعدسة تمتص نصف الأشعة الداخلة للعين (لهذا السبب يصاب من يتعرضون للشمس بكثرة للماء الأبيض في سن مبكرة) ولو سقطت الأشعة بشكل مباشر على الشبكية لاحترقت ولأجل هذا توجد نظارات ذات مرشحات خاصة لمشاهدة الكسوف، كذلك فإن القرنية والعدسة تحبسان سوائل العين وتحافظان على الشكل الطبيعي للعين، ويوازنان ضغط العين وغيرها من الوظائف الحيوية المهمة.
قرنية العين وعدستها لها قوى انكسارية تتوافق مع حجم العين وطول محورها وبعدهما عن شبكية العين، ولتقريب هذه الفكرة أمسك أي عدسة مكبرة تحت ضوء الشمس ثم قرب هذه العدسة من الأرض وأبعدها حتى تحصل على أصغر نقطة ممكنة، فأشعة الشمس هي الأشعة التي تدخل العين، والعدسة المكبرة ذات القوة الإنكسارية هي مجموع القوة الإنكسارية للقرنية والعدسة، والنقطة الصغيرة الناتجة والمتكونة على الأرض هي الصورة المكونة على الشبكية. فلو غيرنا قوة العدسة المكبرة لاضطررنا لتغيير مكانها إما بتقريبها للأرض أو إبعادها حتى نحصل على النقطة الصغيرة.
العين الطبيعية ذات الطول المحوري الطبيعي (تقريباً 22ملم) وذات قرنية وعدسة لهما قوى انكسارية طبيعية (تقريباً 40ديوبتر للقرنية و 20ديوبتر للعدسة) لا تشتكي من أخطاء انكسارية بل ترى العالم كأوضح ما يكون وبشكل طبيعي، لأن هذه القوى متوافقة مع الطول أو البعد الطبيعي بين الشبكية والجزء الأمامي من العين وتتكون أوضح صورة ساقطة على الشبكية، ولو حدث أن كانت عين الإنسان ذات طول محوري طبيعي وقوى انكسارية طبيعية ومع ذلك فهو لا يرى بشكل واضح فإن المشكلة حينئذ تكون مرضية وليست انكسارية (كالالتهابات البكتيرية والفيروسية أو اعتلالات الشبكية … الخ).
حينما يكون هناك تحدب غير طبيعي في القرنية أو تسطيح غير طبيعي فإن قوتها الإنكسارية تختلف، مما يغير الوضع المثالي لسقوط الأشعة على الشبكية، والأمر ذاته ينطبق على العدسة، لذا فإن النظارات الطبية والعدسات اللاصقة وعمليات التصحيح بالليزر تعالج هذه الظواهر الغير طبيعية في العين، وتجعل الأشعة الداخلة للعين تسقط بالشكل الطبيعي والمثالي على الشبكية.
عيوب العين الإنكسارية
هناك ثلاثة عيوب انكسارية تؤثر على كافة النشاطات البصرية للإنسان:
o قصر النظر (myopia):
وهذا العيب يحدث حينما تكون القرنية أو العدسة أو كلاهما متحدبتين أكثر من الحد الطبيعي، أو حينما يكون الطول المحوري للعين أطول من المستوى الطبيعي؛ كل هذه العوامل تؤدي لتغير التركيز للصورة الساقطة على الشبكية، فتظهر الصورة للأجسام البعيدة مشوشة وغير واضحة، ويحتاج حينها المريض لعدسات مقعرة (سالبة) لتصحيح هذا الخطأ أو العيب الإنكساري.
o طول النظر (hypermetropia):
وهذا العيب الإنكساري يقود إليه عدة أسباب، وهي في مجملها عكس الأسباب المؤدية لقصر النظر، وهي حينما يكون تحدب القرنية أو العدسة أو كلاهما أقل من الحد الطبيعي، أو حينما يكون الطول المحوري للعين أقصر من المستوى الطبيعي؛ كل هذه العوامل تؤدي لتغير التركيز للصورة الساقطة على الشبكية، فتظهر الصورة للأجسام البعيدة مشوشة وغير واضحة، ولكن الصورة السيئة لا تظهر إلا بعد أن يدخل الإنسان مرحلة الشباب، حينما تقل قدرة العدسة على التكيف، ويحتاج حينها المريض لعدسات محدبة (موجبة) لتصحيح هذا الخطأ أو العيب الإنكساري. هناك ميزة يحصل عليها مصابي طول النظر وهي حدة الإبصار الشديد بشكل يفوق الإنسان الطبيعي، لكن من مساوئ طول النظر هو حصول (النظر الشيخوخي) في سن مبكرة نسبياً، ربما حوالي السابعة والثلاثين؛ لأن العدسة المرنة طوال السنين الماضية كانت متكيفة وفي عمل متواصل طوال الوقت مما يؤدي لإنقاص العمر الافتراضي والقياسي لها.
o اللابؤرية (astigmatism):
وتسمى أيضاً (عدم تماثل النظر)، وهي مشهورة باسم (الانحراف)، وهي تسمية غير دقيقة.
حينما يركز الإنسان على جسم ما، قريب أو بعيد، فإن صورة الجسم تدخل العين عن طريق محورين متقاطعين بشكل تعامدي في القرنية، بحيث تسقط الصورة بشكل متطابق وصافي ونقي على الشبكية.
تحدث اللابؤرية حينما يكون هناك تحدب لمحور أكثر من المحور الآخر، عندها تختل الصورة المتقاطعة وتسقط على الشبكية بشكل غير متساوي، وهذا يؤثر على تركيز الصورة، فتنتج لنا صورة غير صافية وغير دقيقة، سواء للأجسام القريبة أو البعيدة.
ولتصحيح هذا الخطأ الإنكساري يحتاج المريض لعدسات أسطوانية (cylinder) تصحح الصورة اعتماداً على المحور المصاب بالخلل.
غالباً ما تكون اللابؤرية مصاحبة لقصر النظر أو طول النظر، ويندر أن يصاب بها الإنسان لوحدها.
وهذا العيب الإنكساري له تأثير غير مريح على الممارسات البصرية بكافة أشكالها.