55.سئل فضيلة الشيخ : عن قول ما يقول إن الإنسان يتكون من عنصرين عنصر من التراب وهو الجسد، وعنصر من الله وهو الروح ؟ .
فأجاب بقوله : هذا الكلام يحتمل معنيين :
أحدهما : أن الروح جزء من الله .
والثاني : أن الروح من الله خلقاً .
وأظهرهما أنه أراد أن الروح جزء من الله لأنه لو أراد أن الروح من الله خلقا لم يكن بينها وبين الجسد فرق إذ الكل من الله – تعالى – خلقا وإيجاداً. والجواب على قوله أن نقول لا شك أن الله أضاف روح آدم إليه في قوله – تعالى - : (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ) (38) وأضاف روح عيسى إليه فقال :(ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ( (39) وأضاف بعض مخلوقات أخرى إليه كقوله : (وطهر بيتي للطائفين والقائمين ) (40) . وقوله :( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه ) (41) . وقوله عن رسوله صالح : ( فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها ) (42) ولكن المضاف إلى الله نوعان :
أحدهما : ما يكون منفصلاً بائنا عنه ، قائما بنفسه أو قائما بغيره ، فإضافته إلى الله تعالى إضافة خلق وتكوين ، ولا يكون ذلك إلا فيما يقصد به تشريف المضاف أو بيان عظمة الله – تعالى - ، لعظم المضاف ، فهذا النوع لا يمكن أن يكون من ذات الله – تعالى - ، فلأن ذات الله تعالى واحدة لا يمكن أن تتجزأ أو تتفرق ، وأما كونه لا يمكن أن يكون من صفات الله فلأن الصفة معنى في الموصوف لا يمكن أن تنفصل عنه ، كالحياة ، والعلم ، والقدرة ، والقوة ، والسمع ، والبصر ، وغيرها . فإن هذه الصفات صفات لا تباين موصوفها ، ومن هذا النوع إضافة ا لله – تعالى – روح آدم وعيسى إليه ، وإضافة البيت وما في السموات والأرض إليه ، وإضافة الناقة إليه ، فروح آدم ، وعيسى قائمة بهما ، وليست من ذات الله – تعالى - ، ولا من صفاته قطعاً ، والبيت وما في السموات والأرض ، والناقة أعيان قائمة بنفسها ، وليس من ذات الله ولا من صفاته ، وإذا كان لا يمكن لاحد أن يقول : إن بيت الله ، وناقة الله من ذاته ولا من صفاته ، ولا فرق بينهما إذ الكل بائن منفصل عن الله – عزل وجل – وكما أن البيت والناقة من الأجسام فكذلك الروح جسم تحل بدن الحي بإذن الله، يتوفاها الله حين موتها ، ويمسك التي قضى عليها الموت ، ويتبعها بصر الميت حين تقبض ، لكنها جسم من جنس آخر .
النوع الثاني من المضاف إلى الله : ما لا يكون منفصلا عن الله بل هو من صفاته الذاتية أو الفعلية ، كوجهه ، ويده ، سمعه ، وبصره ، واستوائه على عرشه ، ونزوله إلى السماء الدنيا ، ونحو ذلك ، فإضافته إلى الله – تعالى – من باب إضافة الصفة إلى موصوفها ، وليس من باب إضافة المخلوق والمملوك إلى مالكه وخالقه .
وقول المتكلم (إن الروح من الله ) يحتمل معنى آخر غير ما قلنا : إنه الأظهر ، وهو أن البدن مادته معلومة ، وهي التراب ، أما الروح فمادتها غير معلومة ، وهذا المعنى صحيح . كما قال الله – تعالى - (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)(43) . – وهذه والله أعلم – من الحكمة في إضافتها إليه أنها أمر لا يمكن أن يصل إليه علم البشر بل هي مما استأثر الله بعلمه كسائر العلوم العظيمة الكثيرة التي لم نؤت منها إلا القليل ، ولا نحيط بشيء من هذا القليل إلا بما شاء الله – تبارك وتعالى - .
فنسأل الله – تعالى - ، أن يفتح علينا من رحمته وعلمه ما به صلاحنا ، وفلاحنا في الدنيا والآخرة .