القوة مطلب شرعي
القوة مطلب شرعي
مقصد الدين الإسلامي:
سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16]، وقال: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، وعلَّمنا الله أن نقول: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].
وقد أوصى اللهُ جميع الأمم بإقامة الدِّين وعدم التفرق فيه فقال تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13].
وحذَّرنا الله من ترك شيء من الدين فقال: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، وقال: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 65].
فكل فتنة وعذاب واقع على المسلمين هو بسبب مخالفتهم لأمر الله وأمر رسوله؛ قال الله تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، لعلهم يرجعون إلى طاعة الله ورسوله، لعلهم يرجعون إلى الاعتصام بالقرآن الكريم الذي هو سبيل النجاة الوحيدُ لإخراج الأمة مما هي فيه من البؤس والشقاء والاختلاف؛ قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10]؛ أي: فيه قوتكم وعزُّكم وشرفكم.
وهذا الكتاب العظيم يجب أخذُه كلِّه بقوة وجد وحزم؛ كما قال تعالى: ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 63]، ولا يجوز أخذ بعضه وترك بعضه؛ قال تعالى: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 85]، ومن الخزيِ في الدنيا: أن يعاقبنا الله بالعداوة والبغضاء بسبب تركنا العملَ ببعض كتابه؛ كما هي سنة الله في الأمم قبلنا؛ قال تعالى: ﴿ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [المائدة: 14].
فالقوة مطلوبة في أخذ الكتاب كله، والدخول في شرائع الإسلام كافة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 208، 209].
والسِّلم هو الإسلام؛ فالإسلام يدعو إلى السلامة من عذاب الدنيا والآخرة، وجميع شرائع الإسلام مصلحة وخير في العاجل والآجل، حتى إقامة الحدود ما شُرعت إلا ليسلَمَ الناس في دِينهم ونفوسهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم؛ فالإسلام عندما يأمر بقتل القاتل قِصاصًا إنما هو إشاعة للسِّلم: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 179]، وهكذا عندما يأمر الإسلام بقطع يد السارق، أو جَلْد شارب الخمر أو الزاني، أو صَلْب قاطع الطريق؛ كل هذا لإشاعة السِّلم في المجتمع.
والإسلام هو دين الرحمة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]؛ فالشريعة كلها رحمة، وكل ما أمرت به الشريعة وجوبًا أو استحبابًا ففِعله رحمة، وكل ما نهت عنه الشريعة تحريمًا أو تنزيهًا فتركه رحمة.
ومن الرحمة أن الإسلام فيه قوة؛ فقِوام الإسلام بكتابٍ يَهدي، وسيفٍ ينصُرُ، فليس كل الناس تنفعه الموعظة والحكمة، فمن الناس من لا يرتدع عن غَيِّه إلا بالقوة والشدة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحديد: 25].
ولذلك أمر الله المؤمنين بتحصيل القوة فقال: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، قال المفسرون: ﴿ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ ﴾: هم المنافقون.
فلا يرتدع المنافقون والذين في قلوبهم مرض إلا بالقوة والغلظة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [التوبة: 73].
فالإسلام ينهى عن الضَّعف والمهانة، ويأمر بالقوة والعزة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]، وقال سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8].
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القويُّ خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعِن بالله ولا تعجِزْ، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَرُ الله، وما شاء فعل، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان)).
القوة مطلب شرعي في التعامل مع النفس، وفي التعامل مع الأهل، وفي التعامل مع الناس، قوة بدون ظلمٍ ولا تعدٍّ ولا تكبُّرٍ ولا طغيان.
فالنفس أمَّارة بالسوء، ولن تنقاد لفعل الخير إلا بالقوة؛ قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41]؛ فالنفس لن تترك عاداتها السيئة والمعاصي المألوفة لديها إلا بالقوة، ولن تسمح النفسُ بالمداومة على فعل الخير إلا بالقوة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾[الكهف: 28]؛ أي: تضييعًا، ليس عنده قوة وحزم؛ فالمتبع لهواه يضيع أوامر الله بسبب ضعفه ومهانته.
ولا يستقيم أمر الأسرة إلا بقِوامة الرجل على المرأة؛ قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 34]، فبالقوة تصلح الأسرة، لكن هذه القوة فيها رحمة ومحبة، لا قوة بالعنف والظلم والتعسف؛ روى الطبرانيُّ في الكبير، وحسنه الألباني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((علِّقوا السوط حيث يراه أهلُ البيت؛ فإنه لهم أدب))، وفي الحديث المشهور قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مُرُوا أولادَكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عَشرٍ)).
والقوة مطلوبة في التعامل مع الناس؛ فالمتعامل مع الناس لا يُحمَد شرعًا إلا إذا كان قويًّا أمينًا؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]؛ فالرئيس والوزير والموظف وكل عامل لا يُحمَد إلا إذا كان قويًّا أمينًا، فإن كان قويًّا بلا أمانة أو أمينًا بلا قوة، فلا خير فيه، وما يُفسِدُ: أكثرُ مما يصلح.
ومن القوة في التعامل مع الناس:
الصبر على أذاهم؛ روى ابن ماجه، وصححه الألباني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، أعظم أجرًا من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبِر على أذاهم)).
وفي الصحيحينِ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الشديدُ بالصُّرَعةِ، إنما الشديدُ الذي يملِك نفسه عند الغضب)).
ولا يعني الصبر أن يُذِلَّ المسلمُ نفسَه، ويرضى بالمهانة؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 39، 40]، وقال تعالى: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 194].
فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ومن قوته: أنه ينتصر إذا بُغي عليه، ويعفو عند المقدرة كرَمًا لا عجزًا.
ومن قوة المؤمن: أنه يحفظ ماله، ولا يستسلم لمن يريد غَصْبَه ما دام قادرًا على قتاله؛ روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أَخْذَ مالي؟ قال: ((فلا تُعْطِه مالك)) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: ((قاتِلْه))، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: ((فأنت شهيدٌ))، قال: أرأيت إن قتلتُه؟ قال: ((هو في النار)).
ومن قوة المؤمن في تعامله مع الناس: أنه ينكِر المنكَر ولا يداهن؛ روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكَرًا فليغيِّرْه بيده، فإن لم يستطِعْ فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان)).
ومن قوة المؤمن في تعامله مع الناس: أنه يقول الحق ولو على نفسه أو قريبه؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [الأنعام: 152]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [النساء: 135].
ومن قوة المؤمن: أنه لا يتعاون مع أحدٍ على منكَر، وينكِر على مَن يدعوه إلى معصية؛ قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]؛ وروى البخاريُّ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انصُرْ أخاك ظالِمًا أو مظلومًا))، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالِمًا كيف أنصره؟ قال: ((تمنَعُه من الظلم؛ فإن ذلك نصرُه)).
وقال عمرُ الفاروق رضي الله عنه: إنه لَيعجبني إذا دُعِي أحدكم لخطةِ خَسْفٍ أن يقول بملءِ فيه: لا.
الخطبة الثانية
الإسلام دين القوة، والقوة مطلوبة للفرد والجماعة، وأحقُّ الناس بالقوة الدولةُ المسلمة؛ فلا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة، ولا طاعة إلا بقوة وحزمٍ وحكمة.
والقوة كل القوة تكون باتباع الهدى، وتركِ اتباع الهوى، وكل مَن خالف الشريعة تناقَضَ، وربما وضع القوة في موضع الشدة، ووضع الشدة في موضع القوة؛ ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40].
وإن مِن قوة الدولة: أن ترجعَ إلى أهل العلم والتخصص، وتشاورَهم في الأمر؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 83]، وأولو الأمرِ: هم العلماء والأمراء.
ولا يجوز للدولة المسلمة أن تتخذ أولياءَ من غير المسلمين؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118].
وإن من قوة الدولة المسلمة: أن تحافظَ على سيادتها، ولا ترضى بالتبعية في سياستها، فلا تلتفت إلى الشرق ولا إلى الغرب، ولا تخافُ إلا من الله، ولا ترجو إلا رضا الله.
وإن من قوة الدولة المسلمة: أن تتعامَلَ بحكمة وحزم في قضايا النوازل، بلا عنفٍ ولا ضَعف، والحكمة: هي وضع الشيء في موضعه.
وإن من قوة الدولة المسلمة إذا وقع خلاف وفتنة: أن ترجِعَ الخلافَ إلى كتاب الله وسنَّة رسوله؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].
فهذا أمرٌ من الله الحكيم لجميع المؤمنين أن يردُّوا خلافاتهم ونزاعاتهم إلى كتاب الله وسنَّة رسوله؛ فمن استجاب لذلك فهو مؤمن؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51]، ومَن لم يستجب لذلك فهو من المنافقين، كائنًا من كان؛ كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 60 - 65].
محمد بن علي بن جميل المطري