تسببت دراسة حديثة، أعدها أستاذ أمريكي كبير يتعاون مع أجهزة الأمن عن السمات الشخصية والاجتماعية والفكرية للإرهابي المعاصر، في تنامي مشاعر القلق لدى قطاعات واسعة من المواطنين الأمريكيين الذين كانوا يتصورون أن الإرهاب كفعل لا يمكن أن يصدر إلا عن شخص فقير، متشدد، منعزل، فجاءت تلك الدراسة حاملة النقيض تقريبا فالإرهابي العضو في شبكة القاعدة: مثقّف، منحدرٌ من الطبقات الوسطى أو العليا للمجتمع، متزوج ورب عائلة في أغلب الأحوال، ويزاول مهنة مثيرة، لكنه غير ضليع في أمور الدين.
أكثر من ذلك قالت الدراسة التي أعدها المستشار الحكومي الأمريكي، الأستاذ في جامعة بنسلفانيا وأحد عملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي، آي، إيه" في أفغانستان مارك ساجمان بناء على طلب الإدارة الأمريكية إن"الإرهابي الجديد الشامل والعدمي" يضرب بعرض الحائط الأفكار الراسخة القديمة عن الإرهابيين والانتحاريين والتي تصبغ عليهم صورة الشاب العاطل عن العمل، البائس وربيب ضواحي المدن الكبرى في العالم العربي والإسلامي".
وجاء تصور مارك ساجمان إثر تفحصه لـ 382 "إرهابيا" ينتمون أو يشتبه في انتمائهم لشبكة القاعدة. مستندا في ذلك إلى الملفات والوثائق التي صودرت من المشتبه بهم وشهاداتهم واعترافاتهم وقوائم التنصّت الهاتفي الخاصة بهم والبيانات الشخصية لكل منهم إضافة إلى معطيات أجهزة الأمن المتعلقة بهم من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والمغرب ومصر وإندونيسيا.
وصنّف ساجمان الإرهابيين المفترضين إلى "قادة" و"منفِّذين" و"هامشيين"، ورتّبهم وفق أصولهم العرقية إلى (آسيويين، عرب، أفارقة...) وطبقاتهم الاجتماعية وبيئتهم الجغرافية، إلخ... وتبيّن له أن "90 % منهم لم يتلقوا تربية دينية" معمّقة. كما أن "17.6 % ينتمون إلى الشرائح العليا من المجتمع و54.9 % من الطبقات المتوسطة". وتؤكد الدراسة أن" 60 % من الأشخاص حاصلون على الأقل على شهادات ثانوية وأن 42% يزاولون أعمالا هامة و33% يزاولون عملا نصف مؤهل". وتتراوح أعمار الإرهابيين الجدد بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين عاما، منهم متزوجون بنسبة 70% وآباء. كما أن الأغلبية العظمى منهم " ليس لهم سجلٌّ أو سوابق إجرامية".
وفاجأت الدراسة، التي وزِّعت على كافة الدول الحليفة وأجهزة مكافحة الإرهاب في العالم، الشعب الأمريكي المقتنع أساسا بأن الإرهابيين "مجانين، منحدرون من كواكب أخرى، شياطين متزمِّتون ومنعزلون عن الواقع". وتقول إحدى السيدات الأمريكيات إن قلقها من وقوع اعتداءات إرهابية زاد بعد قراءتها لنتائج الدراسة. لأن "الإرهابي المعاصر" كما صوّره ساجمان قادر على تخيل واستخدام الأساليب والتقنيات الحديثة لتنفيذ اعتداءاته. كما أعرب عددٌ ممن اطلعوا على البحث عن خشيتهم من أن يكون جيرانهم أو أصحابهم العرب أو المسلمون الذين يتمتعون بأوضاع اجتماعية جيدة إرهابيين متخفّين بثياب المواطن العادي وهم إرهابيون محتملون. ويلخص مارك ساجمان هذه الملاحظات متهكِّما: "خلاصة القول إن هؤلاء الإرهابيين يشبهون إلى حد بعيد الأشخاص الذين طلبوا أعداد الدراسة". ويضيف: بالفعل فإن معظم الذين تناولهم البحث، غربي النزعة، سافروا بأغلبيتهم (70%) إلى الخارج لتحصيل العلم أو لأغراض مهنية والتحقوا بالجهاد في بلد أجنبي بعد هجرتهم. ويوضح الأستاذ الجامعي أن أغلب الإرهابيين يفتقدون أوطانهم ويعانون من العزلة أو التهميش ويتعرّضون أحيانا للرفض والعنصرية في الدول التي استقروا بها، ما يجعلهم أكثر تقبُّلا للنزعة الإسلامية المتطرفة المنتشرة في أماكن تجمّع المهاجرين حيث تطرح مواضيع حسّاسة "كانهيار المجتمع الغربي" و"السيطرة الأمريكية على العالم" و"سياسة الولايات المتحدة في العراق، وانحيازها الصارخ لإسرائيل وكره الغرب ومعاداته لكل ما هو عربي أو مسلم، إلخ... ". وهذا ما يجعلهم هدفا سهلا للمجَنِّدين ودعاة التطرف الإسلامي من كل حدب وصوب الذين يقدِّمون لهم البديل الأمثل للوضع الراهن: الالتحاق بصفوف القاعدة.
تحياتيheart2