علم التخدير والإنعاش cpr علم عربي إسلامي
د/عبد الصمد الحكيمي
تقول كتب المدرسة الغربية أن علم التخدير الحديث لم يبدأ ألا مع اكتشاف مادة الأثير عام 1842م وطبعا المجتمع البشري مدين بإدخال طرق التخدير الحديثة إلى مجال الممارسة الطبية إلى مورتون ويلز وسيمسون.
لكن الصحيح كان أطباء المسلمين من أوائل الذين عملوا على تخفيف ألام الإنسان، ففي الوقت الذي نبذ الأطباء في أوربا القرون الوسطى الجراحة ، ووضعوها في مرتبة متدنية ، بل أخرجوها من علم الطب ومردة إلى الاعتقاد الذي كان سائدا في الغرب وهو أن الألم والمعاناة هما الثمن الذي يجب أن يدفعه الإنسان ليكفر عن خطاياه.
لهذا لا يمكن للجراحة أن تزدهر وتتطور ما لم يزدهر علم أخر، إلا وهو علم (التخدير) وقد كان للمسلمين فضل كبير في هذا العلم، فهم الذين أسسوه بوصفة علما، وأطلقوا علية أسم (المرقد) أي المخدر، وخاصة التخدير العام في العمليات الجراحية.
الأطباء المسلمون هم الذين ابتكروا أداة التخدير التي كانت ومازالت شائعة ، وهي (الاسفنجة) فقد أورد أبو الفتوح التونسي في كتابة (عيون الإنباء في طبقات الأطباء) أن العرب المسلمين هم الذين اخترعوا (الإسفنجة) المخدرة ، والتي لم تكن معروفة قبلهم ، حيث كانت تغمر في عصير أحدى المواد المعروفة آنذاك بعملها المخدر ثم تجفف في الشمس ، وأدا ما أرادوا استعمالها ثانية ، فأنهم يرطبونها بقليل من الماء ، وتوضع على أنف المريض ، فتمتص الماد المخاطية المواد المخدرة ، ويذهب المريض في نوم عميق وتتم العملية الجراحية بدون ألام تذكر.
لقد عرف الأطباء المسلمين الجراحة ومارسوا مختلف المداخلات الجراحية التي كانت معروفة في ذلك الوقت ، من بتر واستئصال اللوزتين والأورام ، وأحيانا يعرضون وصفا مسهبا لبعض التفاصيل الفنية المتبعة . هذا القدر من المداخلات الجراحية لا يعقل أن يجري بدون الاستعانة بقدر من تخفيف الألم . ومما ساعد على ولوج المسلمين حقل التخدير والعمل على تطويره هو أن قصة الألم كنوع من الجزاء الإلهي لا أصل لها في معتقداتهم وتقاليدهم.
هنالك قرائن تشير أن المسلمين كانوا يستعملون المهدئات وخلائط مزيلة للألم قبل العمل الجراحي . ورد عن العلامة أبن سينا قوله (ومن أراد أن يقطع له عضو يسقى من البيروح في شراب مسيت) كان الخليط الذي أستخدم لتخدير المرضى وإزالة الألم يتكون من القنب الهندي (الحشيش) ، فقاعات الأفيون (الخشخاش) ، الشويكران البنج ، الزوان وست الحسن.
فقد ذكرت زيغريد هونكة في كتابها (شمس الله تسطع على الغرب) ما يلي ((وللعرب على علم الطب فضل أخر كبير في غاية الأهمية ، ونعني به استخدام المرقد (المخدر) العام في العمليات الجراحية)) ثم أضافت في فقرة أخرى (الحقيقة تقول والتاريخ يشيد أن فن استعمال الاسفنجة المخدرة فن عربي إسلامي بحت لم يعرف من قبل) وتضيف زيغريد هونكة (وعلم الطب حقق كسبا كبيرا واكتشافا هاما وذلك باستعمال التخدير العام في العمليات الجراحية وكم كان تخدير المسلمين فعالا ، فريدا ورحيما لكل من يتناوله) . وهو يختلف كل الاختلاف عن المشروبات المسكرة التي كان الهنود واليونان والرومان يجبرون مرضاهم على تناولها كلما أرادوا تخفيف الألم. كانت توضع هذه الاسفنجة في مزيج من الحشيش والأفيون وست الحسن والزوان.
لقد قلنا في بداية المقالة أن علم التخدير بداء تاريخيا باكتشاف الأثير عام 1842م ، لكن المثير والعجيب في الأمر أن العالم المسلم الكندي أستقطر الغول (الكحول) وأكتشف الرازي حمض الكبريت وأدا علمنا أن الأثير ينتج من تعامل الغول (الكحول) بحمض الكبريت لتقطير واستخلاص قدر من الماء منة لأدركنا أن المسلمين كانوا أول من وضع أسس تركيب هذه المادة المخدرة الجوية (الطيارة) في حقل الكيمياء فان رابطة الأثير التي هي الجدر الأساسي لمجموعة من مواد المخدرة الاستنشاقية التي تستعمل اليوم (أثير، ميتوكسي فلورين، أنفلورين، فلوروكسنت وفورين) يكتسب أهمية خاصة .
وفي حقل أنعاش القلب والرئة cpr تذكر المراجع الغربية أن استعمال المنفاخ لإدخال الهواء إلى الرئتين يعود الفضل فيه إلى (جمعية أنعاش الأشخاص الغرقى) في أمستردام عام1767م أولا ومن ثم أستعمل في (الجمعية الإنسانية الملكية) في انجلترا عام 1771م إلا أن هناك قرائن من مصادر موثقة تذكر أن علماء المسلمين لهم الريادة في استعمال المنفاخ لهذا الهدف حين استعمل (صالح بن بهلة منفاخا لإنعاش أبن عم الرشيد في بغداد قبل 900عام من ذلك التاريخ (867م).
والواقعة المختصرة التالية مأخوذة من كتاب (أبن أبي أصيبعة) (طبقات الأطباء) كتب في القرن الثالث عشر (يقول أتى صالح بكندس ومنفحة من الخزانة ونفخ في أنف إبراهيم مقدار ثلث الساعة واضطرب بعدها بدنه وعطس وجلس أمام الرشيد . وعاش إبراهيم بعد ذلك دهرا. ثم تزوج العباسة بنت المهدي وولى مصر وفلسطين.
الخلاصة:
العلم لا وطن له . لهذا يجب علينا أن نعر ف أين كنا بالإسلام الصحيح المبني على الكتاب والسنة وأين نحن اليوم ؟ هذا هو السؤال . وفي ذات السياق يقول العلامة أبن رشد (علم في الغربة وطن ، وجهل في الوطن غربة).