الريح الحمراء والخسف والمسخ
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله صحبه أجمعين وبعد .
***
فان الريح الحمراء والخسف والمسخ من علامات الساعة والتي هي واقعة في هذه الأمة كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم وذالك عند انتشار الذنوب والمعاصي وكثرة الخبث والمجاهرة بالمعاصي والفجور والعياذ بالله .
فعند الترمذي عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء فقيل وما هن يا رسول الله قال إذا كان المغنم دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وأطاع الرجل زوجته وعق أمه وبر صديقه وجفا أباه وارتفعت الأصوات في المساجد وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وشربت الخمور ولبس الحرير واتخذت القينات والمعازف ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء أو خسفا ومسخا ) قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث علي بن أبي طالب إلا من هذا الوجه ولا نعلم أحدا رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري غير الفرج بن فضالة والفرج بن فضالة قد تكلم فيه بعض أهل الحديث وضعفه من قبل حفظه وقد رواه عنه وكيع وغير واحد من الأئمة .
وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا اتخذ الفيء دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وتعلم لغير الدين وأطاع الرجل امرأته وعق أمه وأدنى صديقه وأقصى أباه وظهرت الأصوات في المساجد وساد القبيلة فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع ) رواه الترمذي وضعفه الألباني .
***
وهذه الخصال المذكورة في الأحاديث المتقدمة قد وقعت كلها كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم والحديث على ضعف سنده إلا أن الواقع صدقه وضعف الحديث من قبل الفرج بن فضالة وقد ضعف من قبل حفظه .
فقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا كان المغنم دولا ) .
فهذا الذي يحدث الآن بعينه فموارد الدول اليوم من المعادن والنفط وغيرها إنما تذهب إلى أرصدة النافذين في الدول وتدخل إلى حساب الأثرياء والهوامير والمستبدين ولا يصل منها شئ إلى الفقراء والمساكين إلا الفتات في شكل هبات ومكرمات ومنن وبعد طول ذل واستجداء والعياذ بالله .
فهذا هو واقع الأمة للأسف ولا يتمارى في هذا اثنان فقد اتخذ المغنم دولا بين الأغنياء وأصحاب النفوذ ولا عزاء للفقراء والمحتاجين , وأدى ذالك إلى ظهور الطبقات في المجتمعات فطبقة مترفة فاحشة الغنى وأخرى في الحضيض وهم الأكثر وبدأت الطبقات الوسطى في التلاشي والاضمحلال والله المستعان .
وقوله صلى الله عليه وسلم ( والأمانة مغنما ) .
فهذا هو حال الكثير من الناس اليوم الذين خفت أماناتهم ومرجت عهودهم فأصبحوا لا يؤدون ما ائتمنوا عليه بل يرونه مغنما والعياذ بالله فيحوزونه ولا يؤدونه .
وكم من مسؤول استغل منصبه في سبيل مصالحه الشخصية وخان أمانته معتبرا أن هذا الأمر من حقه وانه مباح له ومغنم والعياذ بالله .
وكم من غني وصاحب عمل جحد أمانات الناس ولم يوفهم حقوقهم ولم يعطهم رواتبهم ومستحقاتهم والعياذ بالله .
وقوله صلى الله عليه وسلم ( والزكاة مغرما ) .
فهذا أيضا أمر مشاهد فالأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال لا يؤدون زكاة أموالهم إلا من رحم الله بل يتحايلون عليها فيخرجون جزءا يسيرا منها هروبا من المساءلة , ومن أعين الناس .
ولو أدى نصف الأغنياء زكاة أموالهم لما بقي والله فقير واحد فالي الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ونسي هؤلاء المساكين أن الزكاة إنما هي بركة للمال وسيأتي اليوم الذي يتمنى فيه من لا يخرج زكاة ماله انه لم يملك درهما واحدا وانه عاش فقيرا .
وقوله صلى الله عليه وسلم (وأطاع الرجل زوجته وعق أمه وبر صديقه وجفا أباه ) .
وهذا الأمر مشاهد اليوم لا مرية فيه فالرجل يطيع زوجته ويفضلها على أمه ويعقها والعياذ بالله وما من احد منا إلا مر به من القصص الكثير في هذا الباب .
وربما يكون جفاء الأمهات لأبنائهن وعدم إعطائهم الحنان والرعاية في طفولتهم من أسباب هذه الظاهرة ولكن هذا لا يعذر الابن أبدا في عقوق أمه وتقديم زوجته عليها .
وكذالك فانك تجد الكثير من الناس اليوم يبر صديقه ويبذل قصارى جهده في ترضيته وخدمته وفي المقابل تكون الجفوة بينه وبين والده وقد لا يراه لأسبوع أو أشهر ولا يسال عنه .
وهذا سببه أيضا جفاء الآباء أبناءهم وعدم العناية بهم في صغرهم وتوجيههم وإظهار الحرص عليهم وترضيتهم , بل نجد أن الابن لا يسمع من أبيه سوى عبارات الذم والشتائم والانتقاص والعياذ بالله .
وهذا أيضا ليس بعذر على جفاء الأب مع أن الخطأ متبادل بل لا بد من القيام بأمر الله والصبر على ذالك ابتغاء مرضات الله .
وقوله صلى الله عليه وسلم ( وارتفعت الأصوات في المساجد ) .
فهذا يدل على عدم تعظيم الناس لبيوت الله وعدم إظهار السكينة فيها بل تكون المساجد مجالا لرفع الأصوات مثل المجالس والأسواق وغيرها من الأماكن العامة .
وهذا الأمر واقع في زماننا هذا والعياذ بالله فربما يتشاجر الناس في المسجد وتحدث فيه الخصومات ويتكلم فيه بالجوالات ولا تغلق عند دخول المساجد .
بل تعدى الأمر إلى سماع نغمات الموسيقى في المساجد بل وأثناء الصلاة والعياذ بالله وعدم اهتمام الناس بذالك مهما وعظوا بل يكاد الأمر يكون من المسلمات .
ولا شك أن هذا الأمر إن ترك على ما هو عليه فليستعد الناس لتحمل تبعاته , فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى من أكل ثوما أو بصلا بدخول المسجد لتأذي الناس والملائكة بذالك فما بالكم بالموسيقى في المسجد وأثناء الصلاة أو خطبة الجمعة .
نسال الله السلامة والعافية .
وقوله صلى الله عليه وسلم (وكان زعيم القوم أرذلهم ) .
فان هذا لا يحتاج إلى إيضاح في زماننا هذا فقد ساد الأراذل وصعدوا المنابر ونطق الرويبضة التافه وكذب الصادق وصدق الكاذب وخون الأمين وامن الخائن وأعطي الرجل المال على كذبه والعياذ بالله .
ألا فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقوله صلى الله عليه وسلم ( وأكرم الرجل مخافة شره ) .
وهذه أيضا واضحة في زماننا الذي نطق فيه الرويبضات التافهون وساد الفسقة والأراذل وتسلط أهل الظلم والجور وتحكموا في رقاب الناس , فأصبح الرجل إذا لم يكرم هؤلاء فانه لا يستطيع أن يسير أموره ولأغلقت دونه الأبواب والعياذ بالله .
فأكرم هؤلاء الأراذل والفجار وأهل الظلم والجور مخافة شرهم وتسلطهم والعياذ بالله , فتجد أن الرجل يكرم الرجل ويلين له في القول ويبتسم في وجهه مع أن قلبه يلعنه ويبغضه اشد البغض .
وقوله صلى الله عليه وسلم (وشربت الخمور ) .
فشرب الخمر اليوم على الملا وفي شاشات التلفاز من غير حياء ولا نكير بل ويسمونها بغير اسمها إمعانا في الفسوق والعصيان وتحايلا على شرع الله فتارة يسمونها بالمشروبات الروحية أو الوسكي أو غير ذالك من الأسماء المعلومة وهذه الأسماء لا تغير من حقيقة كونها خمرا , فكل مسكر خمر كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله صلى الله عليه وسلم ( ولبس الحرير ) .
المقصود بالحرير للرجل فان لبس الحرير للرجال محرم إلا لضرورة أما النساء فيجوز لهم لبس الحرير .
واليوم تجد من الناس من يتهاون في هذا الأمر بل لا يسال عن القماش الذي سيفصل ثوبه به , ويتعمد البعض لبس الحرير ولا يرى غضاضة في ذالك مع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه .
وقوله صلى الله عليه وسلم (واتخذت القينات والمعازف ) .
والمقصود بالقينات المغنيات وهذا الأمر بات من المسلمات به في وسائل الإعلام الهابطة وفي قنوات الرذيلة وتسجيلات الهوى والفسوق .
فانتشر الغناء والمغنيات واستخدمت المعازف بلا نكير بل أفتى بعض علماء السوء وفقهاء التسول ودعاة الرذيلة بإباحة ذالك وانه لا باس أن تبقى المغنية التائبة على ما هي عليه من غناء وان لا تعتزل والعياذ بالله .
هذا مع تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من ذالك ونهيه عنه وهذا الجزء قد جاء به النهي في الحديث الذي اخرجه البخاري تعليقا ووصل بعضهم سنده فهو حديث صحيح .
ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولون ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة ) صححه الألباني .
فهذا الحديث نص على تحريم الغناء بالموسيقى والوعيد الشديد لمن يتخذ القينات ويستحل هذه الأمور المذكورة في الحديث .
فالحاصل اليوم قد تكاثرت القينات الساقطات الملعونات على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم , وامتلأت فضائيات الخنا والرذيلة بهن واستحل الناس سماع غنائهن والنظر إليهن وهن كاسيات عاريات مميلات . نسال الله السلامة والعافية وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومع وضوح النص في تحريم سماع المعازف الا ان بعض الضعاف ما زال يشكك في حرمتها بحجج واهية لا تقوم امام النصوص الواضحة في تحريم المعازف وسماعها .
وقوله صلى الله عليه وسلم (ولعن آخر هذه الأمة أولها ) .
فيه إشارة إلى أهل البدع والأهواء والزنادقة من الرافضة والصوفية وغيرهم الذين يسبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقعون في أعراضهم ويلعنونهم وينصبون أنفسهم حكاما وقضاة فيما حصل بينهم من خلاف ونزاع .
فهذا نص صريح في تجريم الرافضة وذمهم ومن سار على منهجهم والعياذ بالله .
وقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى (وتعلم لغير الدين ) .
فيه إشارة إلى ما يجري في زماننا هذا من طلب العلم الشرعي من اجل الشهادة وتحصيل المناصب والأموال والعياذ بالله .
فأصبح الكثير الناس همهم الشهادة الجامعية والماجستير والدكتوراة حتى يأكل بهذه الشهادة فحسب وليس طلبهم للعلم الشرعي من اجل الانتفاع به والعمل .
بل من اجل المنصب والجاه ويقال فلان دكتور وفضيلة الشيخ وسماحة الشيخ .
بينما تجد الكثير من هؤلاء في واقع الحال لا يفقهون شيئا مما درسوه بل هم معاول هدم للدين إذ مالؤوا حكام الجور والطواغيت وزادوهم في غيهم وضلالهم والعياذ بالله .
وصدق ابن المبارك :
وهل افسد الدين إلا الملوك ......... وأحبار سوء ورهبانها .
فهؤلاء معاول هدم للأسف وكم من رجل لم يتخرج من جامعة خير من هؤلاء وافقه واعلم نفعه الله بعلمه لأنه تعلم من اجل العمل والاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وتطبيقها في نفسه .
والبعض يتعلم العلم الشرعي للمراء والجدال وهدم الدين وتمييع أصوله وضرب فروعه ببعضها وهؤلاء جلهم من المنافقين معلومي النفاق والرويضات التافهين وبعض ضعاف الهمة من طلبة العلم المزورين الذين لا هم لهم سوى المراء والجدال وليس العمل .
العلم يهتف بالعمل فان أجابه وإلا ارتحل .
وقوله صلى الله عليه وسلم (فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء أو خسفا ومسخا ) .
هذا هو الوعيد المترتب على وجود هذه الخصال والعياذ بالله وها نحن نشهد ظواهر جوية سيئة وهبوب الريح الحمراء من فترة لأخرى وكل هذا نذير من الله للناس ليرجعوا إليه .
يقول الله تعالى ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) .
فان الله يبتلي الناس بهذه الأمور ليرجعوا ويتوبوا فان تابوا وإلا نزل بهم العذاب من الخسف والمسخ المتوعد به وهو أمر واقع لا محالة كما اخبر الذي لا ينطق عن الهوى وقد رأينا الريح الحمراء ولم يبق إلا الخسف والمسخ أعاذنا الله وإياكم من غضبه ونقمته .
فالوحى الوحى والتوبة التوبة قبل حلول باس الله ونقمته وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم
( العبادة في الهرج كهجرة إلي ) .
اللهم سلم سلم
منقول