لا شك أن أدوات الكتابة من حروف و كلمات و علامات ترقيم متوفرة, وهي بلا شك في متناول الجميع صغير و كبير , غني و فقير , هو و هي . فالمشكلة تتمثل في الأفكار و الأسلوب و متى ما وجدنا الفكرة التي تستحق الكتابة و النقاش لا شك أننا سنكون بصدد طرح مفيد . الجميع يمتلك قلم , يمتلك ورق , الجميع يفكر , الجميع يكتب .. الحروف ليست حكراً على أحد .. إذن المشكلة ليست بالكم و الوفرة .. المشكلة بنوعية و مستوى الأفكار و القضايا المطروحة .. المشكلة تكمن بلون الكلمة لا بلون الحبر , فالمنطق يقول أن لا دلالة للون الحبر الذي نستخدمه , فمن يملك أفكاراً سوداء يستطيع تقديمها لنا بحبر أزرق .. و لن تتأثر الأفكار البيضاء إذا ما كًُتبت بالحبر الأسود . فلون الكلمة معنوي يتم تميزه من خلال الضمير لا من خلال النظر , فالأعمى يسمع لون الكلمة بضميره و من يعاني من عمى الألوان يستطيع التمييز بنفس الطريقة ..!!
الكلمات .. تلك المخلوقات الحرفية التي تولد على شفاهنا بعد فترة حمل داخل عقولنا هي عبارة عن
أجنّة يتم حملها و تغذيتها لفترة قد تطول و قد تقصر .. الكلمة كالجنين .. لها جنس و لون .. كالجنين ربما تخرج صحيحة أو مشوهه.. كالجنين .. ربما يكتمل نموها و تخرج إلى النور و ربما تسقط في حالة إجهاض ..الكلمة هي الإنسان و الإنسان هو الكلمة .. نفس المحطات و نفس المراحل و نفس الصفات .. هناك إنسان مريض و كلمة مريضة .. إنسان يعيش طويلا وكلمة تعيش طويلا .. هناك إنسان يخلده التاريخ و كلمة تبقى في ذاكرة التاريخ للتاريخ .الكلمة كالإنسان أحياناً تؤثر بصورة إيجابية و أحياناً لا تترك أثراً سواء كان إيجابياً أو سلبياً .
بصراحة , القضية قضية أخلاق و ضمير بالدرجة الأولى .. فهذا الثنائي هو الفيصل الرئيس في حياة الإنسان وفي روح الكلمة التي تولد على شكل صرخة فتكون كائناً هلامياً يصاحب الوليد في لحظات حياته الأولى و لا تلبث أن تتحول إلى كائن صوتي , و أحيانا و في مرحلة متقدمة تكون كائناً حرفياً حبرياً يعيش على صدر الورق .. الكلمة عبارة عن تاريخ , حاضر , مستقبل .. هي علامة عقلية فارقة بين البشر .. بصمة الإنسان الذي علمه ربه بالقلم فقرأ و كتب و مات ..و بقيت الكلمات .. الإنسان مات و بقيت الكلمات على الورق .. على سبورة الذاكرة .. على شواهد القبور ..في الكتب .. على أرفف المكتبات و دور النشر .. في المنتديات الأدبية.. في ذاكرة صديق .. في فراغات الحياة .. و سنموت و ستبقى شاهدة علينا بعد موتنا.
في تلك المكتبة هناك الكثير من الكلمات .. تحولت إلى كتب .. في تلك المكتبة يشاهد الزائر مفارقات عجيبة جداً و غريبة جداً . أرفف غبية جداً , و أخرى ذكية جداً .. أرفف منسية .. خشبها قديم و غبارها أقدم من الماء .. ورقها أصفر و كلامها أصفر ..! كُتب ممنوعة تتحدث عن السياسة و أهلها .. عن العلاقة بين الشمس و القمر .. بين الرجل و المرأة .. بين الليل و النهار .. بين الأدب و قلة الأدب .. بين الحمل الكاذب و الحمل الحقيقي .. كتب تباع بالدينار , بالريال , بالدرهم , بالجنيه , بالدولار .. و بعضها يُباع بالكيل ..!! نعم , هناك كتب تُباع بالكيل فالثمن هنا للورق .. فنحن في زمن الورق الفاخر بغض النظر عن المحتوى .
أغبى تلك الرفوف التي وجدتها في تلك المكتبة كان يحتوي على كُتب سخيفة جداً . كُتب بلا مضمون .. أفكارها تافهة جداً .. منها على سبيل المثال لا الحصر كتاب يتناول صفات المرأة الجسدية بطريقة مبتذلة جداً فيها الكثير من الإيحاءات الجنسية . بصراحة , العتب هنا ليس على المؤلف فهو شخص متسلق على أكتاف القلم و هو بلا شك مجرد متطفل يعيش على سطح الورق الرخيص و لا يكتب إلا الرخيص من الكلمات .. العتب على دار النشر التي تبنت هذا المؤلف الفارغ و وضعت اسمه على رفوف المكتبات بجوار أعلام الفكر و الأدب العربي و غير العربي . جميل أن يتحدث أحدهم عن المرأة و عن صفاتها و لكن بعيداً عن الابتذال و عن الإيحاءات القذرة التي تجعل من المرأة مجرد سلعة للترويج و الربح .
كان هناك على الرف الكثير من لأسماء المغمورة التي اتخذ أصحابها من الشعوذة و الدجل و قراءة الأبراج و تفسير الأحلام طريقاً سريعا للشهرة و الكسب المادي . كتبهم كُتبت بالجملة و طُبعت بالجملة و الحقيقة أنها تفتقر إلى الجملة المفيدة و الطرح الواعي . كانت كتب على شكل سلسلة حلقاتها مفقودة , كتب بدون قيمة تتحدث عن كيف تكتشف جسد المرأة , كيف تصبح مليونيراً في ثلاث دقائق , كيف تضحك على نفسك و على الآخرين و تقنعهم أنك مؤلف كتب من الطراز الأول , كيف تخدع زوجتك , كيف تتحدث الإنجليزية و تكتب الفرنسية و تفهم الألمانية في ستة أيام و نصف , كيف تصبح رشيقاً و تفقد وزنك الزائد دون أن تتأثر خلايا العقل لديك , كيف تتحدث بالبال توك و تكتب بالماسينجر و ترد في المنتدى و تتحدث بالهاتف و تشعل سيجارة في نفس الوقت ..!!
سُحقاً لذاك الرف الغبي ..!!
من على الرف المجاور اشتريت الكتب التالية ..:
1-أفول الثقافة (إبراهيم كنعان) .. 2- رجال بيض أغبياء (مايكل مورو) .. 3- حرب آل بوش (اريك لوران) .. 4- المثقف و التغيير (صلاح جرار) .. 5- العربي التائه (هيكل) .. 6- الليكساس و شجرة الزيتون (توماس ل فريدمان) .. 6- من نيويورك إلى كابل (هيكل) .. 7- صدام الحضارات (صموئيل هننجتون) .. 8- عابر سرير (أحلام مستغانمي) .. 9- حاج كومبوسيلاّ (باولو كويلو) .. 10- الشيطان و الآنسة بريم (باولو كويلو)