لكل أمة من أمم الأرض خصوصية تنفرد بها، وتتميز عن الآخرين وهكذا كانت الأمة العربية التي انفردت بحرف الضاد وأصبحت درة فريدة بين لغات العالم، وقد تجلى ذلك في القرآن الكريم {إنا أنزلناه قرآنا عربيا...} (يوسف:2) وليس من باب المبالغة القول بأن ما من لغة غنية ثرية وحيوية كاللغة العربية.
ولعلنا لا نخطئ الظن بأن أول صيحة في العالم كله تجلت في قول الخليفة عمر بن الخطاب متجاوزاً كل المفكرين الأجانب في أهم جانب إنساني على الإطلاق يدعو إلى التحرير من الرق والعبودية بقوله «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً» إن القارئ يعرف أن الحديث عن مآثر العروبة والإسلام يحتاج إلى كثير من المجلدات، ونحن هنا في هذه المقالة ننشر الدرر النفيسة المتسمة بالنبل والسمو والرفعة والإنسانية والخلق والآداب، وهذه السمات كانت محوراً مهماً لثقافة عربية اتضحت، لتشكل عادات وأعراف وتقاليد هذه الأمة، التي استهلها القرآن الكريم في عدد من سوره مبرزاً الجانب الإنساني الرفيع المتوج بالمحبة والنخوة والعدل والإباء، وروح التسامح التي برزت جلية وهي تكرم عيسى بن مريم وأمه العذراء، ولا يمكن لأي مسيحي عربي يملك أبجدية الوعي تجاهل هذه الحقيقة الناصعة كما في قوله تعالى {إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} (النساء:171).
إن الإسلام فتح نوافذ المحبة للبشرية حاملاً مشاعل الطهر والعفاف، وكان لابد للمسيحيين العرب من أن يتأثروا بالثقافة العربية الإسلامية في عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم، وأن يتقاسموا السراء والضراء مع أشقائهم العرب المسلمين.
والقرآن الكريم أولى السيدة مريم منزلة خاصة، ولا توجد سورة من سور القرآن الكريم تحمل اسم أنثى إلا السيدة مريم، وجاء في قوله تعالى {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين} (آل عمران: 45).
وهل هناك أسمى وأنبل من قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) «من ظلم معاهداً أو انتقصه حقاً أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة» (حسنه الألباني)، وهل هناك شيء يوازي هذا النبل ورحابة هذا الصدر الطاهر الذي يفيض محبة وإخاء وإنسانية وتسامحاً ويعكس بجلاء جوهر الدين الإسلامي إذ تتوالى الأحاديث وما أرقاها وأصفاها وأعذبها في قول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (رواه مسلم)
ومن يستطيع أن ينسى ذاك المشهد الإنساني حين وقف الرسول (صلى الله عليه وسلم) احتراماً لجنازة ميت فقال له الصحابة: لماذا تقوم إنه يهودي؟ فأجاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) «أليست نفساً» (متفق عليه).
إن ما أذكره هو غيض من فيض لأن أنهار المحبة والتسامح والأخوة مازالت تسيل ماء عذباً في فم الإنسانية، ومما يثلج صدري أن أختتم هذه المقالة بقولي:
إني مسيحي أُجلُّ (محمداً)وأجل ضاداً مهده الإسلام
أودعت روحي في هيام (محمد)دانت له الأعراب والأعجام
كحّلت شعري بالعروبة والهوىولأجل (طه) تفخر الأقلام
وأجل أصحاب الرسول وأهلهحيث الصحابة صفوة ومقام