بسم الله الرحمنالرحيم
قال الله تعالى : (( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهمجنّات الفردوس نزلا ـ خالدين فيها لا يبغون عنها حولا )) [ الكهف : 107 ـ 108].
قال فضيلة الشيخ عبد الرحمنبن ناصرالسعدي رحمه الله :
أي : إن الذين آمنوا بقلوبهم ، وعملوا الصالحات بجوارحهم ، وشمل هذا الوصف جميع الدين، عقائده ، وأعماله ، أصوله ، وفروعه ، الظاهرة والباطنة ، فهؤلاء ـ على اختلافطبقاتهم من الإيمان ، والعمل الصالح ـ لهم جنات الفردوس .
يحتمل أن المراد بجناتالفردوس ، أعلى الجنة ، وأوسطها وأفضلها وأن هذا الثواب ، لمن كمّل الإيمان ،والعمل الصالح ، وهم الأنبياء والمقربون .
ويحتمل أن يراد بها ، جميع منازلالجنان ، فيشمل هذا الثواب ، جميع طبقات أهل الإيمان ، من المقربين ، والأبرار والمقتصدين ، كل بحسب حاله ، وهذا أولى المعنيين لعمومه ، ولذكر الجنة بلفظ الجمعالمضاف إلى الفردوس ، ولأن الفردوس يطلق على البستان ، المحتوي على الكرم ، أوالأشجار الملتفة ، وهذا صادق على جميع الجنة .
فجنة الفردوس نزل وضيافة لأهلالإيمان والعمل الصالح ، وأي ضيافه اجل واكبر واعظم، من هذه الضيافه المحتوية علىكل نعيم للقلوب ، والأرواح ، والأبدان ، وفيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، منالمنازل الأنيقة ، والرياض الناضرة ، والأشجار المثمرة ، والطيور المغردة المشجية ،والمآكل اللذيذة ، والمشارب الشهية ، والنساء الحسان ، والخدم والولدان ، والأنهارالسارحة ، والمناظر الرائقة ، والجمال الحسي والمعنوي ، والنعمة الدائمة .
وأعلىذلك وأفضله وأجله ، التنعم بالقرب من الرحمن ونيل رضاه ، الذي هو أكبر نعيم الجنان، والتمتع برؤية وجهه الكريم ،وسماع كلام الرؤوف الرحيم .
فلله تلكالضيافه، ما أجلها وأجملها ،وأدومها وأكملها ،وهي أعظم من أن يحيط بها وصف أحد منالخلائق ، أو تخطر على القلوب ، فلو علم العباد بعض ذلك النعيم علما حقيقيا ، يصلإلى قلوبهم ، لطارت إليها قلوبهم بالأشواق ، ولتقطعت أرواحهم من ألم الفراق ،ولساروا إليها زرافات ووحدانا ،ولم يؤثروا عليها دنيا فانية ، ولذات منغصة متلاشية، ولم يفوتوا أوقاتا تذهب ضائعة خاسرة ، يقابل كل لحظة منها من النعيم من الحقب ،آلاف مؤلفة ، ولكن الغفلة شملت ، والإيمان ضعف ، والعلم قلّ ، والإرادة نفذت ، فكانما كان ،فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
المصدر :
تيسير الكريمالرحمن في تفسير كلام المنّان
لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله[ ص 461 ] .