فيه هذا المقال/
تحذير من الطرق الجديدة للثورات
ثورة .. عن بُعد
كمية الأفكار التي يتمّ طرحها في هذا العصر؛
أكثر من كمية الأسهم التي يتم تداولها في سوق الأسهم المحلي!
الكل يتحدث، الكل يُقرّر، الكل يُنظّر ..
بينما من النادر أن تجد من يتقبّل الحقيقة
لا يشك عاقل أننا نعيش عصر تنوّع الوسائل،
بل تغيّر المفاهيم!
حتى الثوابت؛ أصبح هناك ما يزاحمها!
حوار، ثقافة، معرفة، سعة أفق، تقبل الآخر، ...
إلى آخر تلك الشعارات التي صُمّمت خصيصا
لتعكير صفو المباديء ولإذابة المُسلّمات
في عصرنا المبْهِر؛
أصبح التمسّك بالأصالة تحجّراً وتعصبا،
والتقلّب في أودية العقل انفتاحاً ووعياً؛
ولو كان المرءُ لا يدري عن تقويم الأسنان؛
هل هو هجري أم ميلادي؟!
في عصرنا الجميل؛
أصبح الإنجاب وتكثير النسل من النوافل! المكروهة!!
بينما (الوايرلس) من الأساسيات التي يوصف من لا يملكها بالمسكين
ويقال حال الإشارة إليه بالبنان: (وين عايش الأخ؟)!
في عصرنا الرهيب؛
أصبحنا نتسوّق عن طريق الانترنت،
ونصل أرحامنا إلكترونياً،
ونستفتي الشيخ العلامة (قوقل)،
ونتحاكم عند النزاع لمحركات البحث!
في عصرنا الرائع؛
أصبح البحث عن المفقودات (الساكنة والمتحرّكة)
يتم بسلاسة عن طريق العقيد ركن (تويتر)،
وأصبحنا نتقدم بالشكر الجزيل لمن أنتج هذه الحكومة الاجتماعية؛
بغضّ النظر عن هدفه وغايته
في إحدى حالات الاسترخاء النادرة في حياتي؛
عادت بي الذاكرة لذلك الذي كان (يداوم) أمام الفاكس الساعات الطوال
ليرسل ما كان يسمى وقتها بـ (فاكسات المسعري)!
والتي صدرت الفتاوى بتحريم تصويرها ونشرها
كما تذكّرتُ (الصحيّح) الآخر (الفقيه)
حينما كان (يترزز) أمام برنامج المحادثة (البالتوك)
ليعلن للعالم المكون من ثمانين (يوزر) خطته الذهبية لإنقاذ شعب الجزيرة العربية
الذي لم يستنجد به أصلاً!
ولا أنسى تلك الطائفة من الحجاج التي كانت تستخدم الأدوات الحادة
في الترحيب بالناس بالطريقة التي يسِمُون بها جباههم حزنا على مَن قُتل بسببهم!
لو أدرك أصحاب العصر (الحجري) هؤلاء
عصرَ الثورة من أول ظهورهم لعرفوا أن كل شيء تغير! ولاتّجهوا لأسلوب آخر!
إن مفهوم الثورة الآن؛
تحوّل من الطريقة القديمة التي تعتمد على المواجهة،
والتي تنتهي غالبا بـ (الإركاب) في سيارة جيب آخر موديل
و (الإيداع) الفوري في فندق لا يُطلّ على شيء!
إلى الطريقة الجديدة (الثورة عن بعد)!
أو (الثورة الإلكترونية)!
فيما مضى؛
ابتُلينا بقنوات تنشر السحر والكهانة،
وتحت شعار (نُخرجك من ملة الإسلام على الهواء مباشرة وأنت في بيتك)!!
ويتم ذلك بمجرّد اتصال (قصير) بالأستوديو
ومخاطبة (كبير الجسم صغير العقل) وسؤاله وتصديقه!
نحن اليوم؛
نعيش الواقع نفسه مع قضية أخرى من قضايانا؛
اختلفت القضايا واتّحدت الوسائل!!
صار بمقدورك؛
الخروج على ولاة أمرك، وإعلان التمرّد والعصيان؛
وأنت في بيك وأمام شاشة جهازك تتناول كرواسون الجبن والزعتر!
بإمكانك؛
تسيير مظاهرة إلكترونية وتحريك مسيرة عن بعد
والهتاف بشعارات شبيهة بشعارات ميدان التحرير وأنت ملتزم الصمت!
تستطيع؛
تعبئة الجماهير ونشر البغضاء والتحريض على الانفلات؛
وأنت قابع (بكل براءة) في غرفتك المطلة على حديقة يرفرف فيها علم الوطن!
لا تعجز؛
عن تأجيج ثورة وأنت تشارك في احتفالات اليوم الوطني لبلادك!
ربما تساهم في خلق فجوة بين المواطن والقائد
في الوقت الذي تقوم فيه بطلاء سيارتك
(وربما وجهك) باللون الرسمي لوطنك!
في ظلّ الثورة بمفهومها الجديد؛
يُتاح لك الجمع بين شخصيتين بينمها مسافة قصيرة جداً
لا تتجاوز (فقط) ما بين المشرقين؛
شخصية عاشقة للوطن متفانية في خدمة البلد مخلصة للمليك،
وشخصية تضرب من تحت الحزام! ..
نسخة (شبيهة إلى حدّ كبير) بالنفاق في العصر المدني!
أو لنقُل بالسّور الذي ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قِبَله العذاب!
هذا التوجه ظهر جليّا في فيديوهات النصائح (الرقيقة للغاية)
والتي يتمّ بثّها عبر (يوتيوب)!
ولأن التطور صفة ملازمة لعصرنا المجيد؛
فسرعان ما انتقل هذا التوجه لصورة جديدة شبيهة بأفلام الخيال
التي تحكي بعض معاناة مجتمعنا مع قدر لا بأس به من البهارات!
في نظري القاصر أحيانا (إلا هذه المرة!)
أنه يخطيء من يظنّ أن الضغوطات قد تُرغم صنّاع القرار!
فإن أصغر شوارع أحياء مدينة الرياض (على سبيل المثال)
يشهد لنا بأن المراهق في هذا العصر عنده الاستعداد أن يفقد أي شيء (حتى مصروف الجيب)
إلا أنه لا يتنازل على أطنان الكبرياء الإنساني والعناد البشري التي يحملها في قلبه!
فما بالك بالرجل الكبير؟ بل ما بالك بالمسؤول؟
لذا؛ فالإجبار والإكراه لغتان لا أحد يحبهما ولا يستجيب لهما،
والواقع خير شاهد!
بقي أن أوجه كلمة للشباب الذين أنا أحدهم
.. فأقول:
يشهد الله أنني لا أفرح بالمشكلات من بطالة
وقلة مصادر الدخل وغلاء الأسعار وارتفاع الإيجار وغيرها؛
لكننا يا إخوة أمام أمر أكبر من ذلك كله
نحن أمام نعم حبانا الله إياها؛ وهي الأمن الذي يحسدنا عليه القاصي والداني،
وانتشار الدين في كل زوايا وأركان هذا البلد المبارك،
والمرجو منّا أن نعرض مطالبنا بالطريقة التي لا تخدش في السمع والطاعة
ولا تتعارض مع شكر النعم التي نعيشها
تلك النعم التي لو لم نؤدّ شكرها لله تعالى أولاً
ثم للمتسبب فيها ثانياً فإنا والله نخشى زوالها،
وهذا مصداق ما في الكتاب العزيز
كما أننا أمام جموع غفيرة وأنفس كثيرة
كلها تحمل العداء لهذه البلد وللدعوة التي قامت عليها،
والعاقل يفرح بإغاظة العدو ولا يتيح له الشماتة والتشفّي
ولو على حساب النزر اليسير من التضحية
رسائل مباشرة:
* انتقاد الأسلوب لا يعني عدم الاكتراث بالمشكلة
* الحرص على السمع والطاعة مبدأ شرعي أصيل وليس مبالغة ولا مداهنة للحكومة
* التغافل عن نعم الله أول مداخل الشيطان في صرف الناس عن الشكر
ومما جاء في المعين الصافي:
قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يُكلّمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم؛ ... ورجل بايع رجلا لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه ما يريد وفى له وإلا لم يف له) رواه البخاري ومسلم
وقال حذيفة رضي الله عنه: (والله! ما فارق رجل الجماعة شبراً، إلا فارق الجماعة)
وقال عبد الله بن عكيم رضي الله عنه: (لا أُعين على قتل خليفة بعد عثمان) قيل له: وهل أعنت على قتله؟ قال: (إني أعدّ ذكر مساوئه من الإعانة على قتله)
أسأل الله أن يوفقنا لحسن المطالبة ونحن أهل لذلك،
ويوفق حكامنا لحسن الأداء وهم أهل لذلك