«نويّر»... توظفت «خدّامة»!
الثلاثاء, 10 أبريل 2012
هاني الظاهري
من السذاجة أن يستغرب أحد من الغضب الشعبي الذي قوبلت به تصريحات مدير صندوق تنمية الموارد البشرية إبراهيم المعيقل، التي أوضح فيها أن هناك شركات تخطط لتشغيل السعوديات عاملات منزليات برواتب يومية وشهرية، برواتب لا تقل عن ثلاثة آلاف ريال، معتبراً أن هذا لا يعد عيباً، إذ إن الإسلام حضّ على العمل، بدلاً من الجلوس وانتظار الأموال.
أعتقد أن أخونا «المعيقل» توقع، كما يتوقع غيره من المسؤولين بين فينة وأخرى، أن تمرير عبارات مثل «الإسلام يحض»، أو «الدين لا يمنع» كافٍ لصد أي ثورة امتعاض ضد ما أدلى به، متناسياً أو جاهلاً بأن هناك اعتبارات أخرى غير الدين تحكم معظم السعوديين، في مقدمها الأعراف التي لم تتمكن كل حملات وزارة العمل منذ سنوات طويلة من كسرها لدفع الشبان للانخراط في الأعمال التي توصف عادة بـ «الوضيعة»، فما بالكم بالنساء؟
إن استفزاز مشاعر السعوديين بمثل هذه التصريحات التي قد تبدو عادية برأي من لا يفهمون طبيعة المجتمع السعودي، هو في الواقع أمر خطر جداً، ويجب ألا يمر مرور الكرام، خصوصاً عندما يصدر من رجل مسؤول ومحسوب على الدولة، التي لم تدخر جهداً في تحسين أوضاع مواطنيها المادية والسعي نحو كل ما يحقق لهم الحياة الكريمة، وليس أدل على ذلك من توجهها لصرف البلايين على العاطلين عن العمل في إطار برنامج «حافز»، إضافة لعملها الحثيث على تجاوز مشكلة الإسكان بضخ البلايين في مشاريع تضمن لكل مواطن سعودي سكناً لائقاً، يراعي حتى خصوصيته وعاداته في تصميم الوحدة السكنية... ثم يأتي من يستفز هذا المواطن بتصريحات لا داعي لها من الأساس، فالسيدة السعودية التي تضطر إلى العمل كعاملة منزلية لن تطرق أبواب صندوق الموارد البشرية ليبحث لها عن رب عمل، لأنها لو أعلنت عن رغبتها في أي شارع من شوارع المملكة، لتدافع مئات السعوديين لتوفير كل ما تحتاجه من باب التكافل وأعادوها لمنزلها معززة مكرمة.
تدرس الطالبة السعودية «نويّر»، مع زميلاتها في مناهج التعليم العام الموروث العربي، وينتشين فخراً بقصة قتل ملك الحيرة عمرو بن هند على يد الشاعر التغلبي «عمرو بن كلثوم»، لأن أم الأول حاولت بشكل غير مباشر إذلال أم الثاني أثناء استضافتها لها عبر تسخيرها لخدمتها، بقولها «ناوليني ذلك الطبق» لترد عليها أم التغلبي: «صاحبة الحاجة تقوم لحاجتها»، وعندما كررت والدة ابن هند طلبها صرخت أم الشاعر : «واذلاه... يا تغلب»، ليسمعها ولدها ويستل سيفه ويطيِّر رقبة ملك الحيرة، ويخلد الحادثة بمعلقته الشهيرة «ألا هبي بصحنك فاصبحينا».
تتخرج «نويّر»، المعتدة بعروبتها وإرثها، لتتوظف بمهنة «خدّامة» في منزل جارتها «هند» زوجة «أبوعلي المريّش»... فعمرو بن كلثوم لم يعد يرى في ذلك عيباً، بل يحضها عليه زاعماً أن غسلها لـ«مواعين» أبو علي أفضل من الجلوس وانتظار الأموال... إنها «الكوميديا السوداء» في أوضح صورها... أليس كذلك؟!
من حق كل «نويّر»، في هذا الوطن الغني بالخيرات... الوطن الذي يسبح على بحر من النفط، أن تعيش حياة أعز وأكرم من حياة «أم عمرو بن كلثوم أيام عزها»، وهذا في الأساس هو توجه قيادة هذه البلاد، لكن من يستطيع إفهام بعض المسؤولين من ذوي التصريحات «المستفزة» أنهم لا يعرفون شيئاً عن أي شيء يتعلق بمجتمع «نويّر» وأخواتها؟