فضل الصلاة على النبي
من فضل الله علينا في يوم الجمعة المبارك الميمون أن جمع الله الخير في هذا اليوم ويوم الجمعة يقول فيه النبي{في كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ ساعَةٌ لا يُوافِقُها مُؤْمِنٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ الله شَيْئاً إِلا أَعْطاهُ إِيّاهُ }[1] وشهر شعبان المبارك هو شهر الصلاة على النبي لأن آية الصلاة عليه {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} نزلت في هذا الشهر المبارك فقد ذكر الحافظ بن حجر عن أبي ذر الهروى أن الأمر في الصلاة على النبي يعني بقوله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}كان في السنة الثانية من الهجرة فأقصر طريق يوصّل الإنسان إلى معية النبي العدنان هو الصلاة عليه والسابقون أجمعون وهم الأدلاء والمرشدون الذين هيأهم سيدنا رسول الله ليأخذوا بيد السالكين ويوصلوهم إلى محطة الأمان وإلى جودي الفضل على شاطئ سيد الأولين والآخرين أجمعوا على أنه ليس هناك طريق على التحقيق للدخول في معية النبي أقصر من الصلاة والتسليم عليه وهذه المعية شاملة من {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} فالله والملائكة من فينا لا يريد أن يكون في معية الله ؟وفي معية ملائكته عليهم السلام أجمعين؟ومعية الله أي المعية الجامعة لكل كمالات وجمالات الله لأن اسم الله هو الاسم الجامع لجميع الكمالات والجمالات الإلهية (إن الله وملائكته) لم يقل صلوا بل قال (يصلون) بل دائما يصلون كيف؟ هذا شيء ليس لنا شأن به (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه) كم مرة؟ لم يحدد.عندما ذهب الصحابي الجليل سيدنا أبي بن كعب عندما نزلت هذه الآية إلى رسول الله وقال له { يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي قَالَ: مَا
شِئْتَ قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ قَالَ: مَا شِئْتَ وَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: فَثُلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ: النِّصْفَ؟قَالَ: مَا شِئْتَ وَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قَالَ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إذاً يُكْفَىٰ هَمُّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ}[2] وفى الرواية الثانية { قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ جَعَلْتُ صَلاَتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ؟ قَالَ: إذاً يَكْفِيكَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا هَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ}[3] حديث يفسر الآخر أي لو شئت جعلت كل وقتك للصلاة عليه بعد الفرائض المكتوبة يقول: يكفيك الله همك ويغفر لك كل ذنبك أما كيف يصلي الله؟ وكيف تصلي الملائكة؟ ليس لك شأن بهذا (صلوا عليه وسلموا تسليماً) سلم الأمر إليه وليس لك شأن أنت وأنت عندما تصلي عليه هل تعرف كيفية الصلاة عليه؟واستمع للحديث الذي يروى { يا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا السَّلامُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا في صَلاتِنَا صلَّى اللَّهُ عليْكَ؟ قال: فَصَمَتَ حَتَّى أَحْبَبْنَا أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَسْأَلْهُ قال: إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ فَقُولُوا: اللَّهُمْ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبيِّ الأُمِّيِّ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلى آلِ إبْرَاهِيمَ ... }[4] يعنى ماذا؟ يعنى قولوا اللهم صلِّ لماذا؟ لأنك لا تعرف أن تصلي فماذا أفعل؟ كأني اعمل توكيل لله وهو يصلي قل: اللهم صلِّ كيف؟ ليس لك شأن أنت عليك أن تقول: اللهم صلِّ وهو يصلي بما شاء وكيف شاء يعني أنني لا أصلي بل أطلب من الله أن يصلي (اللهم) يعني (يا الله) صلِّ على سيدنا محمد كيف تشاء وبما تشاء لأن هذا أمر غيبي لا يعلمه إلا هو (وسلموا تسليماً) كأنني عندما أصلي على النبي الآن لا تصبح صلاة فقط بل صلاة وذكر لله لأنني قبل أن أصلي أقول (اللهم) وهذا ذكر ثم ماذا؟ صلِّ فأصبحت ذكر الله وصلاة على رسول الله وأصبحت الدليل العملي على حبي لهذا النبي فقال في الحديث {مَنْ أَحَبَّ شَيْئَاً أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ }[5] ولذلك لما ذهب رجل إلى السيدة رابعة العدوية وظل يتكلم عن الدنيا ويطيل فيها فقالت: لو لا أنك تحب الدنيا لما ذكرتها قال لماذا؟ قالت: لأن من أحب شيئاً أكثر من ذكره وقال سفيان الثوري بينما أنا في الطواف إذ رأيت رجلاً لا
يرفع قدماً ولا يضع قدماً إلا وهو يصلي على النبي فقلت يا هذا إن هذا الموضع للدعاء والذكر والتسبيح وأنت تركت ذلك وتشتغل بالصلاة على النبي فهل عندك في هذا شئ؟ فقال: من أنت عافاك الله؟ فقلت: أنا سفيان الثوري فقال: لو لا أنك غريب في أهل زمانك لما أخبرتك عن حالي ولا أطلعتك على سري ثم قال خرجت أنا ووالدي حاجين إلى بيت الله الحرام حتى إذا كان في بعض المنازل مرض والدي فقمت لأعالجه فبينما أنا عند رأسه إذ مات والدي وأسود وجهه فجذبت الإزار على وجهه فغلبتني عيناي فنمت فإذا أنا برجل لم أر أجمل منه وجهاً ولا أنظف ثوباً ولا أطيب ريحاً يرفع قدماً ويضع أخرى حتى دنا من والدي فكشف الإزار عن وجهه ومر بيده على وجهه فعاد وجهه أبيض ثم ولى راجعاً فتعلقت بثوبه وقلت: من أنت يرحمك الله؟ فقد من الله بك على والدي في دار الغربة قال {أو ما تعرفني أنا محمد بن عبد الله صاحب القرآن أما إن والدك كان مسرفاً على نفسه ولكنه كان يكثر الصلاة علي فلما نزل به ما نزل استغاث بي وأنا غياث من أكثر الصلاة علي} قال فانتبهت- أي تيقظت من نومي أو غفوتي- فإذا وجهه أبيض.
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم
يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
شفع نبيك في ذلي ومسكنتي
واستر فإنك ذو فضل وذو كرم
واغفر ذنوبي وسامحني بها كرما
تفضلا منك يا ذا الفضل والنعم
إن لم تغثني بعفو منك يا أملي
واخجلتي وحيائي منك واندمي
وقد وعدت بأن ندعو تجيب لنا
وقد دعونا فجد بالعفو والكرم
أكثروا من الصلاة على هذا النبي الكريم فإن الصلاة عليه تكفر الذنب العظيم وتهدي إلى الصراط المستقيم وتقي قائلها من عذاب الجحيم ويحظى في الجنة بالنعيم المقيم وقد قيل في بعض الروايات وورد في الأثر: إن للمصلين على سيد المرسلين عشر كرامات: إحداهن صلاة الملك الغفار، الثانية شفاعة النبي المختار، الثالثة الاقتداء بالملائكة الأبرار الرابعة مخالفة المنافقين والكفار، الخامسة محو الخطايا والأوزار، السادسة قضاء الحوائج والأوطار، السابعة تنوير الظواهر والأسرار، الثامنة النجاة من النار، التاسعة دخول دار القرار، العاشرة سلام العزيز الجبار وروى أبو طلحة قال {أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ مُسْتَبْشِراً فَقُلْتُ: يَارَسُولُ اللَّهِ إِنَّكَ لَعَلى حَالٍ مَا رَأَيْتُكَ عَلى مِثْلِهَا قَالَ:وَمَا يمنَعُني؟ أَتَاني جِبْرِيلُ آنِفاً فَقَالَ: بَشرْ أُمَّتَكَ إِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلاَةً كُتِبَتْ لَهُ بها عَشْرُ حَسَنَات وَكُفرَ عَنْهُ بها عَشْرُ سَيئَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ بها عَشْرُ دَرَجَات وَرَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مِثْلَ قَوْلِهِ وَعُرِضَتْ عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[6]
[1] المستدرك للحاكم عن أبى هريرة
[2] رواه أحمد والترمذي والحاكم
[3] رواه أحْمَدَ عَن أبى بن كعب مجمع الزوائد.
[4] صحيح ابن حبان وكثير غيره عن ابن مسعود
[5] جامع المسانيد والمراسيل، الديلمى فى مسند الفردوس عن عائشة، وروت قصة رابعة العدوية فى تفسير اليان للبرسوى وغيره
[6] جامع المسانيد والمراسيل، الطبرانى فى الأوسط عن أبى طلحة .
منقول من كتاب[الخطب الإلهامية شهر شعبان]