كثرة الأولاد لم تعد «عزوة» ووجاهة اجتماعية كما في السابق
«تنظيم النسل» يخفف أعباء الأسر الفقيرة!
«تنظيم النسل» يساعد على تربية الأطفال وتهيئتهم للمجتمع
تبوك، تحقيق - نورة العطوي
تغيُّر الواقع الاجتماعي والمشهد الاقتصادي يفرض غالباً إعادة النظر في العديد من الموضوعات والمفاهيم التي ربما لم تجد قبولاً واسعاً وتفهُّماً ملموساً في وقت سابق، ليس لعدم شرعيتها وأهميتها، ولكن لأنَّ المجتمع حينها لم يكن يألف قبول أفكار ورؤى تتعارض مع ما يختزنه من توجُّهات أساسية يؤمن بها دون غيرها.
في وقتنا الحالي أدَّى حصول العديد من المتغيرات والمستجدات الحديثة إلى أن تطفو على السطح قضية "تنظيم النسل، وليس تحديده"، تلك الفكرة التي لم تجد قبولاً وترحيباً من مجتمعنا في الماضي، فأصبحت اليوم من أقرب وأنسب الحلول الإيجابية في حياة من يهتمون أن يكون أبناؤهم في أرقى المستويات أخلاقاً وتربية؛ ليجدوا بذلك لأنفسهم أماكن تليق بهم علمياً واجتماعياً واقتصادياً، فآمنوا أنَّ ذلك لن يتحقق إلاَّ بوجود ثقافة التخطيط المُنظِّم لعدد أفراد الأسرة؛ لتحظى بقدرٍ أكبر من التوازن النفسي والاجتماعي والاقتصادي، وهذا لا يعني أن العديد من الأُسر كثيرة "الأبناء" لم تقم بواجباتها التربوية والمادية، ولم تخدم مجتمعها في الماضي، ولكنَّ الحديث هنا عن الأسرة والمجتمع بواقعهما الحالي، وظروفها القائمة التي اختلفت عمَّا كانت عليه في السابق، بل إنَّ مُتطلِّبات العيش اليوم أصبحت أكثر قسوة، وأشد إيلاماً؛ وتربية النشء وتعليمهم والمحافظة عليهم بات جهاداً حقيقياً يُفني فيه الإنسان عمره للخروج منه بأقل الخسائر، كما أنَّ الجوع لم يعُد هو الهمَّ الأول في وقتنا الحالي، فالتربية والتعليم وتوفير المسكن المناسب والخدمات إلى جانب فرص العمل، ومواجهة أخطار المجتمع باتت من المعوقات التي تفرض على الوالدين التفكير فيها ملياً قبل التوسُّع في الإنجاب، كما أنَّها تستدعي من الدولة وضع الخطط الإستراتيجية الكفيلة بضبط النمو السكاني بما يُحقِّق التناغم الأمثل مع النمو الاقتصادي، والتوقعات المستقبلية.
"الرياض" ناقشت في هذا التحقيق فكرة "تنظيم النسل" على ضوء التحديَّات التربوية والاقتصادية على صعيد الأسرة، وعلى مستوى تحقيق التنمية المتوازنة من قِبل الحكومة، فخرجنا بالحصيلة التالية:
فكرة مستوردة
وقال "أ. د. سليمان العقيل" -أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود-:"فرض التغيّر الاجتماعي والانفتاح الثقافي على العديد من الأفراد في مجتمعنا تبني مجموعة من السلوكيات الجديدة التي لم تكن مقبولة في وقت سابق"، مُضيفاً أنَّ الظروف الاقتصادية الصعبة المُتمثِّلة في عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات أعداد كثيرة من الأبناء، إلى جانب صعوبة تربيتهم، أدَّت إلى اتخاذ العديد من الآباء قراراً يقضي تنظيم النسل، مُوضحاً أنَّها فكرةً عقلانية مستوردة، مُشيراً إلى أنَّ الهدف من ذلك ترك فترات متباعدة بين إنجاب الأم للأبناء، ليتم التفرُّغ لتربيتهم بشكل أفضل، وكذلك توفير جميع الاحتياجات والمتطلبات الضرورية والكمالية للأسرة بشكلٍ أفضل، لافتاً إلى أنَّ هذه الفكرة كانت مرفوضة في المجتمع سابقاً؛ وذلك لعددٍ من الاعتبارات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والأمنية. وأضاف أنَّ الفرد في السابق يرى أنَّ كثرة عدد الأبناء عزوة ووجاهة اجتماعية، إلى جانب أنَّ العديد من الأفراد كانوا يعملون في مهن محددة يتم توارثها، وبالتالي فإنَّ كثرة الأولاد تُوفِّر لهم العدد المناسب من العمالة المخلصة والمنتجة، خاصةً عندما تكون الممتلكات للأسرة، مُوضحاً أنَّ كثرة عددهم كانت تُشعر الآباء أنَّهم في مأمن من أخطار الحروب، والسرقة، وغيرها من الظروف الصعبة الأخرى، مُوضحاً أنَّ ذلك أدَّى أيضاً إلى تشجيع قرار تعدُّد الزوجات لتحقيق هذا الهدف، مُشيراً إلى أنَّ ذلك كُلَّه لم تعد له اليوم تلك القيمة الكبيرة، كما كان الأمر في السابق، لافتاً إلى أنَّ العديد من أفراد المجتمع أصبحوا اليوم يبحثون عن سبل كفيلة بتخفيف العبء وتيسير الحياة، ولذلك دخل في حياتهم مفهوم التخطيط الأسري.