للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 91
" ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف , ولينزلن أقوام إلى جنب علم , يروح عليهم بسارحة لهم , يأتيهم لحاجة , فيقولون : ارجع إلينا غدا , فيبيتهم الله , ويضع العلم , ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 139 :
رواه البخاري في " صحيحه " تعليقاً فقال ( 4 / 30 ) : " باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه . وقال هشام بن عمار : حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابي حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال : حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري - والله ما كذبني - سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ... " فذكره .
وقد وصله الطبراني ( 1 / 167 / 1 ) والبيهقي ( 10 / 221 ) وابن عساكر ( 19 / 79 / 2 ) وغيرهم من طرق عن هشام بن عمار به .
وله طريق أخرى عن عبد الرحمن بن يزيد , فقال أبو داود ( 4039 ) : حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به . ورواه ابن عساكر من طريق أخرى عن بشر به .
قلت : وهذا إسناد صحيح ومتابعة قوية لهشام بن عمار وصدقة بن خالد , ولم يقف على ذلك ابن حزم في " المحلى " , ولا في رسالته في إباحة الملاهي , فأعل إسناد البخاري بالانقطاع بينه وبين هشام , وبغير ذلك من العلل الواهية , التي بينها العلماء من بعده وردوا عليه تضعيفه للحديث من أجلها , مثل المحقق ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 5 / 270 - 272 ) والحافظ ابن حجر في " الفتح " وغيرهما , وقد فصلت القول في ذلك في جزء عندي في الرد على رسالة ابن حزم المشار إليها , يسر الله تبيضه ونشره .
وابن حزم رحمه الله مع علمه وفضله وعقله , فهو ليس طويل الباع في الاطلاع على الأحاديث وطرقها ورواتها . ومن الأدلة على ذلك تضعيفه لهذا الحديث .
وقوله في الإمام الترمذي صاحب السنن : " مجهول " وذلك مما حمل العلامة محمد بن عبد الهادي - تلميذ ابن تيمية - على أن يقول في ترجمته في " مختصر طبقات علماء الحديث " ( ص 401 ) : " وهو كثير الوهم في الكلام على تصحيح الحديث و تضعيفه , وعلى أحوال الرواة " .
قلت : فينبغي أن لا يؤخذ كلامه على الأحاديث إلا بعد التثبيت من صحته وعدم شذوذه , شأنه في ذلك شأنه في الفقه الذي يتفرد به , وعلم الكلام الذي يخالف السلف فيه , فقد قال ابن عبد الهادي بعد أن وصفه " بقوة الذكاء وكثرة الاطلاع " : " ولكن تبين لي منه أنه جهمي جلد , لا يثبت معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل , كالخالق , والحق , وسائر الأسماء عنده لا يدل على معنى أصلاً , كالرحيم والعليم والقدير , ونحوها , بل العلم عنده هو القدرة , والقدرة هي العلم , وهما عين الذات , ولا يدل العلم على شيء زائد على الذات المجردة أصلاً وهذا عين السفسطة والمكابرة . وقد كان ابن حزم قد اشتغل في المنطق والفلسفة , وأمعن في ذلك , فتقرر في ذهنه لهذا السبب معاني باطلة " .
غريب الحديث :
( الحر ) الفرج , والمراد : الزنا .
( المعازف ) جمع معزفة وهي آلات الملاهي كما في " الفتح " .
( علم ) هو الجبل العالي .
( يروح عليهم ) بحذف الفاعل وهو الراعي بقرينة المقام , إذ السارحة لابد لها
من حافظ .
( بسارحة ) هي الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها , وتروح أي ترجع بالعشي إلى مألفها .
( يأتيهم لحاجة ) بيانه في رواية الإسماعيلي في " مستخرجه على الصحيح " : " يأتيهم طالب حاجة " .
( فيبيتهم الله ) أي يهلكهم ليلاً .
( ويضع العلم ) أي يوقعه عليهم .
فقه الأحاديث :
يستفاد من الأحاديث المتقدمة فوائد هامة نذكر بعضها :
أولا : تحريم الخمر , وهذا أمر مجمع عليه بين المسلمين والحمد لله , غير أن طائفة منهم - وفيهم بعض المتبوعين - خصوا التحريم بما كان من عصير العنب خاصة ! وأما ما سوى ذلك من المشروبات المسكرة , مثل ( السكر ) وهو نقيع التمر إذا غلى بغير طبخ , و( الجعة ) وهو نبيذ الشعير , و( السكركة ) وهو خمر الحبشة من الذرة , فذلك كله حلال عندهم إلا المقدار الذي يسكر منه , وأما القليل منه فحلال ! بخلاف خمر العنب فقليله ككثيره في التحريم .
وهذا التفريق مع مصادمته للنصوص القاطعة في تحريم كل مسكر , كقول عمر رضي الله عنه : " نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة أشياء من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير . والخمر ما خامر العقل " وكقوله صلى الله عليه وسلم : " كل مسكر خمر , وكل خمر حرام " وقوله : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " .
أقول : هذا التفريق مع مصادمته لهذه النصوص وغيرها , فهو مخالف للقياس الصحيح والنظر الرجيح , إن أي فرق بين تحريم القليل الذي لا يسكر من خمر العنب المسكر كثيره , وبين تحليل القليل الذي لا يسكر من خمر الذرة المسكر ? ! وهل حرم القليل إلا لأنه ذريعة إلى الكثير المسكر , فكيف يحلل هذا ويحرم ذاك والعلة واحدة ?! تالله إن هذا من الغرائب التي لا تكاد تصدق نسبتها إلى أحد من أهل العلم لولا صحة ذلك عنهم , وأعجب منه الذي تبنى القول به هو من المشهورين بأنه من أهل القياس والرأي !! قال ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 5 / 263 ) بعد أن ساق بعض النصوص المذكورة : " فهذه النصوص الصحيحة الصريحة في دخول هذه الأشربة المتخذة من غير العنب في اسم الخمر في اللغة التي نزل بها القرآن وخوطب بها الصحابة مغنية عن التكلف في إثبات تسميتها خمراً بالقياس , مع كثرة النزاع فيه . فإذ قد ثبت تسميتها خمراً نصاً فتناول لفظ النصوص لها كتناوله لشراب العنب سواء تناولاً واحداً . فهذه طريقة منصوصة سهلة تريح من كلمة القياس في الاسم , والقياس في الحكم .ثم إن محض القياس الجلي يقتضي التسوية بينها , لأن تحريم قليل شراب العنب مجمع عليه , وإن لم يسكر , وهذا لأن النفوس لا تقتصر على الحد الذي لا يسكر منه , وقليله يدعو إلى كثيره . وهذا المعنى بعينه في سائر الأشربة المسكرة , فالتفريق بينها في ذلك تفريق بين المتماثلات وهو باطل , فلو لم يكن في المسألة إلا القياس لكان كافياً في التحريم , فكيف وفيها ما ذكرناه من النصوص التي لا مطعن في سندها , ولا اشتباه في معناها , بل هي صحيحة . وبالله التوفيق " .
وأيضاً فإن إباحة القليل الذي لا يسكر من الكثير الذي يسكر غير عملي , لأنه لا يمكن معرفته إذ أن ذلك يختلف باختلاف نسبة كمية المادة المسكرة ( الكحول ) في الشراب , فرب شراب قليل , كمية الكحول فيه كثيرة وهو يسكر , ورب شراب أكثر منه كمية , الكحول فيه أقل لا يسكر وكما أن ذلك يختلف باختلاف بنية الشاربين وصحتهم , كما هو ظاهر بين , وحكمة الشريعة تنافي القول بإباحة مثل هذا الشراب وهي التي تقول : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " , " ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه " .
واعلم أن ورود مثل هذه الأقوال المخالفة للسنة والقياس الصحيح معاً في بعض المذاهب مما يوجب على المسلم البصير في دينه , الرحيم بنفسه أن لا يسلم قيادة عقله و تفكيره وعقيدته لغير معصوم , مهما كان شأنه في العلم والتقوى والصلاح بل عليه أن يأخذ من حيث أخذوا من الكتاب والسنة إن كان أهلاً لذلك , وإلا سأل المتأهلين لذلك , والله تعالى يقول : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) .
وبالإضافة إلى ذلك فإنا نعتقد أن من قال بهذا القول من العلماء المشار إليهم فهو مأجور على خطئه , للحديث المعروف , لأنهم قصدوا الحق فأخطؤوه , وأما من وقف من أتباعهم على هذه الاحاديث التي ذكرنا , ثم أصر على تقليدهم على خطأهم , وأعرض عن اتباع الأحاديث المذكورة فهو - ولا شك - على ضلال مبين , وهو داخل في وعيد هذه الأحاديث التي خرجناها ولا يفيده شيئاً تسميته لما يشرب بغير اسمه مثل الطلاء , والنبيذ , أو ( الويسكى ) أو ( الكونياك ) و غير ذلك من الأسماء التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث الكريمة .
وصدق الله العظيم إذ يقول : ( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآبائكم ما أنزل
الله بها من سلطان ) .
ثانيا : تحريم آلات العزف والطرب , ودلالة الحديث على ذلك من وجوه :
أ - قوله : " يستحلون " فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع محرمة , فيستحلها أولئك القوم .
ب - قرن ( المعازف ) مع المقطوع حرمته : الزنا والخمر , ولو لم تكن محرمة ما قرنها معها إن شاء الله تعالى .
وقد جاءت أحاديث كثيرة بعضها صحيح في تحريم أنواع من آلات العزف التي كانت معروفة يومئذ , كالطبل والقنين وهو العود وغيرها , ولم يأت ما يخالف ذلك أو يخصه , اللهم إلا الدف في النكاح والعيد , فإنه مباح على تفصيل مذكور في الفقه , وقد ذكرته في ردي على ابن حزم . ولذلك اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها , واستثنى بعضهم - بالإضافة إلى ما ذكرنا - الطبل في الحرب , وألحق به بعض المعاصرين الموسيقى العسكرية , ولا وجه لذلك ألبتة لأمور :
الأول : أنه تخصيص لأحاديث التحريم , بدون مخصص , سوى مجرد الرأي والاستحسان , وهو باطل .
الثاني : أن المفروض في المسلمين في حالة الحرب أن يقبلوا بقلوبهم على ربهم , وأن يطلبوا منه نصرهم على عدوهم , فذلك أدعى لطمأنينة نفوسهم , وأربط لقلوبهم فاستعمال الموسيقى مما يفسد ذلك عليهم , ويصرفهم عن ذكر ربهم , قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا , واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) .
الثالث : أن استعمالها من عادة الكفار ( الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر , ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله , ولا يدينون دين الحق ) فلا يجوز لنا أن نتشبه بهم , لاسيما فيما حرمه الله تبارك وتعالى علينا تحريماً عاماً كالموسيقى .
ولا تغتر أيها القارئ الكريم بما قد تسمع عن بعض المشهورين اليوم من المتفقهة من القول بإباحة آلات الطرب والموسيقى , فإنهم - والله - عن تقليد يفتون , ولهوى الناس اليوم ينصرون , ومن يقلدون ? إنما يقلدون ابن حزم الذي أخطأ فأباح آلات الطرب والملاهي , لأن حديث أبي مالك الأشعري لم يصح عنده , وقد عرفت أنه صحيح قطعاً , وأن ابن حزم أتي من قصر باعه في علم الحديث كما سبق بيانه , وليت شعري ما الذي حملهم على تقليده هنا دون الأئمة الأربعة , مع أنهم أفقه منه وأعلم وأكثر عدداً وأقوى حجة ? ! لو كان الحامل لهم على ذلك إنما هو التحقيق العلمي فليس لأحد عليهم من سبيل , ومعنى التحقيق العلمي كما لا يخفى أن يتتبعوا الاحاديث كلها الواردة في هذا الباب ويدرسوا طرقها ورجالها , ثم يحكموا عليها بما تستحق من صحة أو ضعف , ثم إذا صح عندهم شيء منها درسوها من ناحية دلالتها وفقهها وعامها وخاصها , وذلك كله حسبما تقتضيه قواعد علم أصول الحديث وأصول الفقه , لو فعلوا ذلك لم يستطع أحد انتقادهم ولكانوا مأجورين , ولكنهم - والله - لا يصنعون شيئاً من ذلك , ولكنهم إذا عرضت لهم مسألة نظروا في أقوال العلماء فيها , ثم أخذوا ما هو الأيسر أو الأقرب إلى تحقيق المصلحة زعموا . دون أن ينظروا موافقة ذلك للدليل من الكتاب والسنة , وكم شرعوا للناس - بهذه الطريقة - أمورا باسم الشريعة الإسلامية , يبرأ الإسلام منها . فإلى الله المشتكى .
فاحرص أيها المسلم على أن تعرف إسلامك من كتاب ربك , وسنة نبيك , ولا تقل : قال فلان , فإن الحق لا يعرف بالرجال , بل اعرف الحق تعرف الرجال , ورحمة الله على من قال :
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها حذرا من التمثيل والتشبيه
ثالثا : أن الله عز وجل قد يعاقب بعض الفساق عقوبة دنيوية مادية , فيمسخهم
فيقلب صورهم , وبالتالي عقولهم إلى بهيمة .. قال الحافظ في " الفتح " ( 10 / 49 ) في صدد كلامه على المسخ المذكور في الحديث : " قال ابن العربي : يحتمل الحقيقة كما وقع للأمم السالفة , ويحتمل أن يكون كناية عن تبدل أخلاقهم . قلت : والأول أليق بالسياق " .
أقول : ولا مانع من الجمع بين القولين كما ذكرنا بل هو المتبادر من الحديثين .
والله أعلم .
وقد ذهب بعض المفسرين في العصر الحاضر إلى أن مسخ بعض اليهود قردة وخنازير لم يكن مسخاً حقيقياً بدنياً , وإنما كان مسخاً خلقياً ! وهذا خلاف ظاهر الآيات والأحاديث الواردة فيهم , فلا تلتفت إلى قولهم فإنهم لا حجة لهم فيه إلا الاستبعاد العقلي , المشعر بضعف الإيمان بالغيب . نسأل الله السلامة .
رابعا : ثم قال الحافظ :
" وفي هذا الحديث وعيد شديد على من يتحيل في تحليل ما يحرم بتغيير اسمه , وأن الحكم يدور مع العلة , والعلة في تحريم الخمر الإسكار , فمهما وجد الإسكار , وجد التحريم , ولو لم يستمر الاسم , قال ابن العربي : هو أصل في أن الأحكام إنما تتعلق بمعاني الأسماء لا بألقابها , ردا على من حمله على اللفظ " !
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 92
" ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك على أن تشعلوا لي منها شعلة . يعني الشمس " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 147 :
رواه أبو جعفر البختري في " حديث أبي الفضل أحمد بن ملاعب " ( 47 / 1 - 2 ) وابن عساكر ( 11 / 363 / 1 , 19 / 44 / 201 ) من طريق أبي يعلى وغيره كلاهما عن يونس بن بكير أنبأنا طلحة بن يحيى عن موسى بن طلحة حدثني " عقيل بن أبي طالب " قال : " جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا : أرأيت أحمد ? يؤذينا في نادينا , وفي مسجدنا , فانهه عن أذانا , فقال : يا عقيل , ائتني بمحمد , فذهبت فأتيته به , فقال : يا ابن أخي إن بني عمك زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم , وفي مسجدهم , فانته عن ذلك , قال : فلحظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره ( وفي رواية : فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره ) إلى السماء فقال : فذكره .
قال : فقال أبو طالب : ما كذب ابن أخي . فارجعوا " .
قلت : وهذا إسناد حسن رجاله كلهم رجال مسلم وفي يونس به بكير وطلحة ابن يحيى كلام لا يضر .
وأما حديث : " يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني , والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره أو أهلك فيه ما تركته " .
فليس له إسناد ثابت ولذلك أوردته في " الأحاديث الضعيفة " ( 913 ) .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 93
" تكون إبل للشياطين وبيوت للشياطين , فأما إبل الشياطين , فقد رأيتها يخرج أحدكم بجنيبات معه قد أسمنها فلا يعلو بعيراً منها ويمر بأخيه قد انقطع به فلا يحمله . وأما بيوت الشياطين فلم أرها " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 148 :
رواه أبو داود في " الجهاد " رقم ( 2568 ) من طريق ابن أبي فديك : حدثني عبد الله بن أبي يحيى عن سعيد بن أبي هند قال : قال " أبو هريرة " .. فذكره مرفوعاً به وزاد .
" وكان سعيد يقول : " لا أراها إلا هذه الأقفاص التي تستر الناس بالديباج " .
قلت : وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين , غير عبد الله ابن أبي يحيى وهو عبد الله بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي الملقب بـ " سحبل " وهو ثقة , وابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل , وفيه كلام يسير .
والظاهر أنه عليه الصلاة و السلام عني بـ " بيوت الشياطين " هذه السيارات الفخمة التي يركبها بعض الناس مفاخرة ومباهاة , وإذا مروا ببعض المحتاجين إلى الركوب لم يركبوهم , ويرون أن إركابهم يتنافى مع كبريائهم وغطرستهم ?
فالحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 94
" من حلف بالأمانة فليس منا " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 149 :
رواه أبو داود ( 3253 ) : حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الوليد بن ثعلبة الطائي عن " ابن بريدة عن أبيه " قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
قلت : وهذا إسناد صحيح , رجاله كلهم ثقات . وابن بريدة اثنان : عبد الله وسليمان , والأول أوثق وقد احتج به الشيخان . وزهير هو ابن معاوية أبو خيثمة الكوفي وهو ثقة احتج به الشيخان أيضاً .
ومثله أحمد بن يونس واسم أبيه عبد الله بن يونس .
والوليد بن ثعلبة وثقه ابن معين وابن حبان , وقد أخرج حديثه هذا في " صحيحه " ( 1318 ) .
قال الخطابي في " معالم السنن " ( 4 / 358 ) تعليقاً على الحديث : " هذا يشبه أن تكون الكراهة فيها من أجل أنه إنما أمر أن يحلف بالله وصفاته , وليست الأمانة من صفاته , وإنما هي أمر من أمره , وفرض من فروضه , فنهوا عنه لما في ذلك من التسوية بينها وبين أسماء الله عز وجل وصفاته " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 95
" انظر إليها , فإن في أعين الأنصار شيئاً . يعني الصغر " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 149 :
أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 4 / 142 ) وسعيد بن منصور في " سننه " ( 523 ) وكذا النسائي ( 2 / 73 ) والطحاوي في " شرح المعاني " ( 2 / 8 ) والدارقطني ( 396 ) والبيهقي ( 7 / 84 ) عن أبي حازم عن " أبي هريرة " :" أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأة من نساء الأنصار , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
قلت : فذكره . والسياق للطحاوي , ولفظ مسلم والبيهقي : " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم , فأتاه رجل , فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنظرت إليها ? قال : لا , قال : فانظر ..." الحديث .
وقد جاء تعليل هذا الأمر في حديث صحيح وهو : " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 96
" انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 150 :
أخرجه سعيد بن منصور في " سننه " ( 515 - 518 ) وكذا النسائي ( 2 / 73 ) والترمذي ( 1 / 202 ) والدارمي ( 2 / 134 ) وابن ماجه ( 1866 ) والطحاوي ( 2 / 8 ) وابن الجارود في " المنتقى " ( ص 313 ) والدارقطني ( ص 395 ) والبيهقي ( 7 / 84 ) وأحمد ( 4 / 144 - 245 / 246 ) وابن عساكر ( 17 / 44 / 2 ) عن بكر بن عبد الله المزني عن " المغيرة بن شعبة " . أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فذكره .
وزاد أحمد والبيهقي . " فأتيتها وعندها أبواها وهي في خدرها , قال : فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر إليها , قال : فسكتا , قال : فرفعت الجارية جانب الخدر فقالت : أحرج عليك إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر , لما نظرت , وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرك أن تنظر , فلا تنظر . قال : فنظرت إليها , ثم تزوجتها , فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها , ولقد تزوجت سبعين , أو بضعاً وسبعين امرأة " . وقال الترمذي : " حديث حسن " .
قلت : ورجاله كلهم ثقات إلا أن يحيى بن معين قال : " لم يسمع بكر من المغيرة " .
قلت : لكن قال الحافظ في " التلخيص ( ص 291 ) بعد أن عزاه إلى ابن حبان وبعض من ذكرنا : " وذكره الدارقطني في " العلل " وذكر الخلاف فيه , وأثبت سماع بكر بن عبد الله المزني من المغيرة " .
قلت : ولعله لذلك قال البوصيري في " الزوائد " ( ص 118 ) : إسناد صحيح رجاله ثقات .
قلت : وعلى فرض أنه لم يسمع منه , فلعل الواسطة بينهما أنس بن مالك رضي الله عنه , فقد سمع منه بكر المزني وأكثر عنه , وهو قد رواه عن المغيرة رضي الله عنهما .
أخرجه عبد الرزاق في " الأمالي " ( 2 / 46 / 1 - 2 ) وابن ماجه ( 1865 ) وأبو يعلى في " مسنده " ( ق 170 / 1 ) وابن حبان ( 1236 ) وابن الجارود والدارقطني و الحاكم ( 2 / 165 ) والضياء في " المختارة " ( ق 88 / 2 ) والبيهقي كلهم من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ثابت عن أنس قال : " أراد المغيرة أن يتزوج , فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ... " فذكره وزاد قال : ففعل ذلك , فتزوجها , فذكر من موافقتها " .
وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " . ووافقه الذهبي , وقال البوصيري في " الزوائد " ( 118 / 1 ) . " هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات ورواه ابن حبان في " صحيحه " وعبد بن حميد في " مسنده " عن عبد الرزاق به " .
قلت : لكن أعله الدارقطني بقوله : " الصواب عن ثابت عن بكر المزني " .
ثم ساق من طريق ابن مخلد الجرجاني أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ثابت عن بكر المزني أن المغيرة بن شعبة قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم نحوه " .
قلت : وكذا رواه ابن ماجه : حدثنا الحسن بن أبي الربيع أنبأنا عبد الرزاق به . ولكن الرواة الذين رووه عن عبد الرزاق بإسناده عن ثابت عن أنس , أكثر فهو أرجح , إلا أن يكون الخطأ من عبد الرزاق أو شيخه معمر , والله أعلم .
( يؤدم ) أي تدوم المودة .
قلت : ويجوز النظر إليها ولو لم تعلم أو تشعر به , لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته , وإن كانت لا تعلم " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 97
" إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته , وإن كانت لا تعلم " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 152 :
أخرجه الطحاوي وأحمد ( 5 / 424 ) عن زهير بن معاوية قال : حدثنا عبد الله ابن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن " أبي حميد " - وكان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره .
قلت : وهذا إسناد صحيح , رجاله كلهم ثقات رجال مسلم .
وقد رواه الطبراني أيضاً في " الأوسط " و " الكبير " كما في " المجمع " ( 4 / 276 ) وقال : " ورجال أحمد رجال الصحيح " .
وسكت عليه الحافظ في " التلخيص " .
وقد عمل بهذا الحديث بعض الصحابة وهو محمد بن مسلمة الأنصاري , فقال سهل ابن أبي حثمة : " رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك فوق إجار لها ببصره طرداً شديداً , فقلت : أتفعل هذا وأنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ? ! فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا ألقي في قلب امرىء خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 98
" إذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 153 :
رواه سعيد بن منصور في " سننه " ( 519 ) وكذا ابن ماجه ( 1864 ) والطحاوي ( 2 / 8 ) والبيهقي والطيالسي ( 1186 ) وأحمد ( 4 / 225 ) عن حجاج ابن أرطاة عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة عن عمه " سليمان ابن أبي حثمة " .
قلت : وهذا إسناد ضعيف من أجل الحجاج فإنه مدلس وقد عنعنه .
وقال البيهقي : " إسناده مختلف , ومداره على الحجاج بن أرطاة , وفيما مضى كفاية " .
وتعقبه الحافظ البوصيري فقال في " الزوائد " ( 117 / 2 ) : " قلت : لم ينفرد به الحجاج بن أرطاة , فقد رواه ابن حبان في " صحيحه " عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن أبي حازم , عن سهل بن أبي حثمة عن عمه سليمان ابن أبي حثمة قال : رأيت محمد بن سلمة فذكره " .
قلت : كذا وجدته بخطي نقلاً عن " الزوائد " , فلعله سقط مني أو من ناسخ الأصل شيء من سنده - وذاك ما استبعده - فإنه منقطع بين أبي خيثمة وأبي حازم , فإن أبا خيثمة واسمه زهير بن حرب توفي سنة ( 274 ) , وأما أبو حازم فهو إما سلمان الأشجعي وإما سلمة بن دينار الأعرج وهو الأرجح وكلاهما تابعي , والثاني متأخر الوفاة , مات سنة ( 140 ) .
ثم رأيت الحديث في " زوائد ابن حبان " ( 1225 ) مثلما نقلته عن البوصيري : إلا أنه وقع فيه " أبو خازم " بالخاء المعجمة - عن " سهل بن محمد ابن أبي حثمة " مكان " سهيل بن أبي حثمة " وسهل بن محمد بن أبي حثمة لم أجد له ترجمة ولعله في " ثقات ابن حبان " فليراجع .
لكن للحديث طريقان آخران :
الأولى : عن إبراهيم بن صرمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة به .
أخرجه الحاكم ( 3 / 434 ) و قال : " حديث غريب , وإبراهيم بن صرمة ليس من شرط هذا الكتاب " .
قال الذهبي في " تلخيصه " : " قلت : ضعفه الدارقطني , و قال أبو حاتم : شيخ " .
الثانية : عن رجل من أهل البصرة عن محمد بن سلمة مرفوعاً به .
أخرجه أحمد ( 4 / 226 ) : حدثنا وكيع عن ثور عنه .
قلت : ورجاله ثقات غير الرجل الذي لم يسم .
وبالجملة فالحديث قوي بهذه الطرق , والله أعلم .
وقد ورد عن جابر مثل ما ذكرنا عن بن مسلمة كما يأتي .
وما ترجمنا به للحديث قال به أكثر العلماء , ففي " فتح الباري " ( 9 / 157 ) : " وقال الجمهور : يجوز أن ينظر إليها إذا أراد ذلك بغير إذنها , وعن مالك رواية : يشترط إذنها , ونقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة قبل العقد بحال , لأنها حينئذ أجنبية , ورد عليهم بالأحاديث المذكورة " .
فائدة :
روى عبد الرزاق في " الأمالي " ( 2 / 46 / 1 ) بسند صحيح عن ابن طاووس قال : أردت أن أتزوج امرأة , فقال لي أبي : اذهب فانظر إليها , فذهبت فغسلت رأسي وترجلت ولبست من صالح ثيابي , فلما رآني في تلك الهيئة قال : لا تذهب !
قلت : ويجوز له أن ينظر منها إلى أكثر من الوجه والكفين لإطلاق الأحاديث المتقدمة ولقوله صلي الله عليه وسلم : " إذا خطب أحدكم المرأة , فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 99
" إذا خطب أحدكم المرأة , فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 155 :
أخرجه أبو داود ( 2082 ) والطحاوي والحاكم والبيهقي وأحمد ( 3 / 334 , 360 ) , عن محمد بن إسحاق عن داود بن حصين عن واقد بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
قال : " فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها " .
والسياق لأبي داود , وقال الحاكم : " هذا حديث صحيح على شرط مسلم " . ووافقه الذهبي .
قلت : ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة , ثم هو مدلس وقد عنعنه , لكن قد صرح بالتحديث في إحدى روايتي أحمد , فإسناده حسن , وكذا قال الحافظ في " الفتح " ( 9 / 156 ) , وقال في " التلخيص " : " وأعله ابن القطان بواقد بن عبد الرحمن , وقال : المعروف واقد بن عمرو " .
قلت : رواية الحاكم فيها عن واقد بن عمرو وكذا هو عند الشافعي وعبد الرزاق " .
أقول : وكذلك هو عند جميع من ذكرنا غير أبي داود وأحمد في روايته الأخرى فقالا : " واقد بن عبد الرحمن " , وقد تفرد به عبد الواحد بن زياد خلافاً لمن قال : " واقد بن عمرو " وهم أكثر , وروايتهم أولى , وواقد بن عمرو ثقة من رجال مسلم , أما واقد بن عبد الرحمن فمجهول . والله أعلم .
فقه الحديث :
والحديث ظاهر الدلالة لما ترجمنا له , وأيده عمل راويه به , وهو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه , وقد صنع مثله محمد بن مسلمة كما ذكرناه في الحديث الذي قبله , وكفى بهما حجة , ولا يضرنا بعد ذلك , مذهب من قيد الحديث بالنظر إلى الوجه والكفين فقط , لأنه تقييد للحديث بدون نص مقيد , وتعطيل لفهم الصحابة بدون حجة , لاسيما وقد تأيد بفعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه , فقال الحافظ في " التلخيص " ( ص 291 - 292 ) :
( فائدة ) :
روى عبد الرزاق وسعيد بن منصور في " سننه " ( 520 - 521 ) وابن أبي عمر وسفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن على بن الحنفية : أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم , فذكر له صغرها , ( فقيل له : إن ردك , فعاوده ) , فقال ( له علي ) : أبعث بها إليك , فإن رضيت فهي امرأتك , فأرسل بها إليه , فكشف عن ساقيها , فقالت : لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينك . وهذا يشكل على من قال : إنه لا ينظر غير الوجه والكفين " .
وهذا القول الذي أشار الحافظ إلى استشكاله هو مذهب الحنفية والشافعية .
قال ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 3 / 25 - 26 ) : " وقال داود : ينظر إلى سائر جسدها . وعن أحمد ثلاث روايات :
إحداهن : ينظر إلى وجهها ويديها .
والثانية : ينظر ما يظهر غالباً كالرقبة والساقين ونحوهما .
والثالثة : ينظر إليها كلها عورة وغيرها , فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر إليها متجردة ! "
قلت : والرواية الثانية هي الأقرب إلى ظاهر الحديث , وتطبيق الصحابة له والله أعلم .
وقال ابن قدامة في " المغني " ( 7 / 454 ) : " ووجه جواز النظر ( إلى ) ما يظهر غالباً أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر إليها من غير علمها , علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادةً , إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور , ولأنه يظهر غالباً فأبيح النظر إليه كالوجه , ولأنها امرأة أبيح له النظر إليها بأمر الشارع , فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم " .
ثم وقفت على كتاب " ردود على أباطيل " لفضيلة الشيخ محمد الحامد , فإذا به يقول ( ص 43 ) : " فالقول بجواز النظر إلى غير الوجه والكفين من المخطوبة باطل لا يقبل " .
وهذه جرأة بالغة من مثله ما كنت أترقب صدورها منه , إذ أن المسألة خلافية كما سبق بيانه , ولا يجوز الجزم ببطلان القول المخالف لمذهبه إلا بالإجابة عن حجته ودليله كهذه الأحاديث , وهو لم يصنع شيئاً من ذلك , بل إنه لم يشر إلى الأحاديث أدنى إشارة , فأوهم القراء أن لا دليل لهذا القول أصلاً , والواقع خلافه كما ترى , فإن هذه الأحاديث بإطلاقها تدل على خلاف ما قال فضيلته , كيف لا وهو مخالف لخصوص قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ( 99 ) : " ما يدعوه إلى نكاحها " , فإن كل ذي فقه يعلم أنه ليس المراد منه الوجه والكفان فقط , ومثله في الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ( 97 ) : " وإن كانت لا تعلم " .
وتأيد ذلك بعمل الصحابة رضي الله عنهم , عمله مع سنته صلى الله عليه وسلم , ومنهم محمد ابن مسلمة وجابر بن عبد الله , فإن كلاً منهما تخبأ لخطيبته ليرى منها ما يدعوه إلى نكاحها , أفيظن بهما عاقل أنهما تخبآ للنظر إلى الوجه والكفين فقط ! ومثل عمر بن الخطاب الذي كشف عن ساقي أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهم . فهؤلاء ثلاثة من كبار الصحابة أحدهم الخليفة الراشد أجازوا النظر إلى أكثر من الوجه والكفين , ولا مخالف لهم من الصحابة فيما أعلم , فلا أدري كيف استجاز مخالفتهم مع هذه الأحاديث الصحيحة ?! وعهدى بأمثال الشيخ أن يقيموا القيامة على من خالف أحداً من الصحابة اتباعاً للسنة الصحيحة , ولو كانت الرواية عنه لا تثبت كما فعلوا في عدد ركعات التراويح ! ومن عجيب أمر الشيخ عفا الله عنا وعنه أنه قال في آخر البحث : " قال الله تعالى : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا " . ! فندعو أنفسنا وإياه إلى تحقيق هذه الآية ورد هذه المسألة إلى السنة بعد ما تبينت . والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله .
هذا ومع صحة الأحاديث في هذه المسألة , وقول جماهير العلماء بها - على خلاف السابق - فقد أعرض كثير من المسلمين في العصور المتأخرة عن العمل بها , فإنهم لا يسمحون للخاطب بالنظر إلى فتاتهم - ولو في حدود القول الضيق . تورعاً منهم , زعموا , ومن عجائب الورع البارد أن بعضهم يأذن لابنته بالخروج إلى الشارع سافرة بغير حجاب شرعي ! ثم يأبى أن يراها الخاطب في دارها , وبين أهلها بثياب الشارع !
وفي مقابل هؤلاء بعض الآباء المستهترين الذين لا يغارون على بناتهم . تقليداً منهم لأسيادهم الأوربيين , فيسمحون للمصور أن يصورهن وهن سافرات سفوراً غير مشروع , والمصور رجل أجنبي عنهن , وقد يكون كافراً , ثم يقدمن صورهن إلى بعض الشبان , بزعم أنهم يريدون خطبتهن , ثم ينتهي الأمر على غير خطبة , وتظل صور بناتهم معهم , ليتغزلوا بها , وليطفئوا حرارة الشباب بالنظر إليها ! .
ألا فتعساً للآباء الذين لا يغارون . وإنا لله وإنا إليه راجعون .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 100
" يا أبا ذر ألا أعلمك كلمات تدرك بهن من سبقك ولا يلحقك من خلفك إلا من أخذ بمثل عملك ? تكبر الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين , وتحمده ثلاثاً وثلاثين وتسبحه ثلاثاً وثلاثين وتختمها بـ ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 159 :
رواه أبو داود ( 1504 ) : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم , حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي , حدثني حسان بن عطية قال : حدثني محمد بن أبي عائشة قال : حدثني " أبو هريرة " قال : " قال أبو ذر : يا رسول الله , ذهب أهل الدثور بالأجور , يصلون كما نصلي , ويصومون كما نصوم , ولهم فضول أموال يتصدقون بها , وليس لنا مال نتصدق به , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره , و زاد في آخره : " غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر " .
قلت : وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح , ولكني في شك من صحة هذه الزيادة في الحديث بهذا الإسناد , فقد أخرجه أحمد ( 2 / 238 ) بهذا الإسناد : حدثنا الوليد به , دونها . وكذلك أخرجه الدارمي من طريق أخرى فقال ( 1 / 312 ) : " أخبرنا الحكم بن موسى , حدثنا هقل عن الأوزاعي به , دونها " .
ومن الظاهر أنها غير منسجمة مع سياق الحديث , وقد جاءت هذه الزيادة في حديث آخر لأبي هريرة , فأخشى أن يكون اختلط على بعض الرواة أحد الحديثين بالآخر فدمجهما في سياق واحد ! ولفظ الحديث المشار إليه يأتي في أول الجزء التالي إن شاء الله .
وسبحانك اللهم وبحمدك , أشهد أن لا إله إلا أنت , أستغفرك وأتوب إليك .