الزنا من أخبث الذنوب
الزنا من أخبث الذنوب
إن كثرة الكلام على الإجهاض و إثبات النسب و انتشار اللقطاء وأولاد الزنا من نتاج الحريات المزعومة ، و من لوثة تقليد الغرب و متابعته حذو النعل بالنعل ، و رغم سهولة ارتكاب الفواحش إلا أننا نسمع عن زيادة جرائم الاغتصاب ، و التي تتم في وضح النهار و على مرأى ومسمع من الخلق !! و كأن الحرام السهل ما عاد يشبع الشهوات البهيمية المتأججة ، و هذا نتاج البعد عن منهج الله .
و ماذا يتصور أن ينجم من وراء الأغاني و الرقصات و الأفلام و الموضات الخليعة؟
الاختلاط وثمراته النكدة
إن شيوع الاختلاط في المدارس و الجامعات و أماكن العمل و البيوت بزعم الصداقة البريئة قد أدى إلى انتشار الرذائل والقبائح و زيادة حالات الزواج العرفي و النكاح بدون ولي ، فالمرأة يزوجها الولي ، و الزانية هي التي تزوج نفسها ، بل ساعدت الأعراف الفاسدة و دخول ابن العم و ابن الخال و أخي الزوج و الجار و الصديق على المرأة بمفردها على كثرة صور الخيانة ، فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ، و الحمو الموت.
الإعلام والدور القذر
ولا نغالي لو قلنا : إن نشر الفواحش و القبائح على الملأ من خلال وسائل الإعلام المختلفة ،ومن خلال الأفلام الهابطة وأغاني الفيديو كليب الساقطة الماجنة، والصور الخليعة في الجرائد السيارة وعلى أغلفة المجلات المختلفة، والحط من شأن الأتقياء ، و رفع شأن المتهتكين والمتفحشين مما ساعد على ذلك ، بحيث صار البعض يتباهى بارتكاب الزنا و أصبح الجنس والغريزة أدباً و فناًَ !! "و ما ظهرت الفاحشة فى قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ..... " (رواه ابن ماجة و الحاكم و صححه الألباني).
و لذلك لا يستغرب انتشار الإيدز و الزهري و السيلان ..وغيرها من الأمراض الفتاكة عقوبة من الله تعالى لمن تساهل في هذه الفاحشة.
تعريف الزنا وحكمه
الزنا هو وطء المرأة من غير عقد شرعي ، و هو من الكبائر باتفاق العلماء ، قال تعالى: ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الإسراء:32).
و قال سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) (الفرقان:68).
و قال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (النور:2) .
و قد بدأت الآية بالزانية قبل الزاني لأن الزنى من المرأة أفحش .
الزنا بحليلة الجار
و أفحش أنواعه الزنا بحليلة الجار؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك" فقلت: ثم أي؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك" (رواه أبو داود، وصححه الألباني) .
و الزنا أكبر إثماً من اللواط ؛ لأن الشهوة داعية إليه من الجانبين فيكثر وقوعه و يعظم الضرر بكثرته ، و لما يترتب عليه من اختلاط الأنساب ، و بعض الزنا أغلظ من بعض ، فالزنا بحليلة الجار أو بذات الرحم ( كالأخت و البنت و العمة .... ) أو بأجنبية فى شهر رمضان ، أو فى البلد الحرام فاحشة مشينة ، و أما ما دون الزنا الموجب للحد فإنه من الصغائر إلا إذا انضاف إليه ما يجعله كبيرة كأن يكون مع امرأة الأب أو حليلة الابن أو مع أجنبية على سبيل القهر و الإكراه .
حد الزنا
و الزاني البكر يجلد مائة و يغرب عاماً ( أي يبعد عن بلدته)، أما المحصن ( الذى سبق له الزواج ) فحكمه الرجم ، ولابد في ذلك من الإقرار أو شهادة أربعة شهود ؛ إذ الشرع لم يتشوف لكثرة عدد المحدودين والمرجومين.
ضوابط لابد منها
هناك ضوابط لابد من مراعاتها عند الحديث عن جريمة الزنا وإثباتها وبالتالي إفامة الح ، ومن هذه الضوابط:
أنه لا يصلح الإكراه لانتزاع الاعتراف ، كما يجوز للإنسان أن يستر على نفسه و يتوب إلى ربه ويكثر من الحسنات الماحية للخبر:" اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألم فليـسـتـتر بستر الله عز وجل، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله "، و لقول النبي صلى الله عليه و سلم لهزال الذي أتى بماعز الأسلمي لإقامة الحد عليه :" لو سترته بثوبك لكان خيراً لك ".(حسنه الألباني في الصحيحة) و يجوز التجسس لمنع وقوع الفاحشة ، لا لضبطهما متلبسين كما نقله ابن رجب عن الإمام أحمد ، و لو ضبط الرجل مع المرأة في لحاف واحد ، فهذا يستوجب التعزير لا الحد ، إذ لابد أن يكون الأمر كالرشا في البئر و الميل في المكحلة ، و أن يأتي منها حراماً ما يأتي الرجل من أهله حلالاً .
الزنا من أخبث الذنوب
و ما في الزنا من نجاسة و خبث أكثر و أغلظ من سائر الذنوب ما دون الشرك ، و ذلك لأنه يفسد القلب و يضعف توحيده جداً ، و لهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركاً ، و قال الذهبي : النظرة بشهوة إلى المرأة و الأمرد زنا ، و لأجل ذلك بالغ الصالحون في الإعراض عن المردان ( الشاب الوسيم الذى لم تنبت له لحية ) و عن النظر إليهم و عن مخالطتهم و مجالستهم و كان يقال : لا يبيتن رجل مع أمرد في مكان واحد ، و حرم بعض العلماء الخلوة مع الأمرد في بيت أو حانوت أو حمام قياساً على المرأة ، لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ". و فى المردان من يفوق النساء بحسنه فالفتنة به أعظم ...... اهـ
و الشذوذات التي تزكم الأنوف كثيرة ، بل بلغت الوقاحة و الجرأة بالبعض مبلغاً جعلته يطالب بإباحة اللواط و السحاق. و كان عمر بن عبد العزيز يقول : لا يخلون رجل بامرأة و إن كان يحفظها القرءان ، فلا يعتد بالنوايا الطيبة فمعظم النار من مستصغر الشرر ، ولابد في هذا وغيره من صحة العمل . و قد نهى الإسلام عن كل أنواع الزنا ، سراً كان أو جهراً و سواء كان احترافاً أو مجرد نزوة عابرة من حرة أو من أمة ، من مسلمة أو غير مسلمة ، كما نهى أيضاً عن الخطوات التي تسبقه و تؤدي إليه من نحو المخادنة و المصادقة ، و حرم الخضوع بالقول و سفر المرأة بدون محرم وغير ذلك من الأمور التي شرعها الإسلام لصيان الأعراض والأفراد والمجتمعات من هذه الجريمة النكراء.
العفة مطلوبة من الرجال والنساء
لو رجعنا إلى قول الله تعالى: ( محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ) " سورة المائدة : 5 " لوجدناه قد دعا إلى العفة الرجال كما دعا إليها النساء، قال ابن كثير : كما شرط الإحصان في النساء و هي العفة عن الزنا كذلك شرطها في الرجال ، و هو أن يكون الرجل محصناً عفيفاً و لذلك قال: " غير مسافحين " و هم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم ، ولا متخذي أخدان : أي ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهم. اهـ.
الزنا كبيرة وهو درجات
لقد ذكر العلماء مراتب متفاوتة للزنا ، فالزنا بأجنبية لا زوج لها عظيم ، و أعظم منه بأجنبية لها زوج و أعظم منه بمحرم ، و زنا الثيب أقبح من البكر بدليل اختلاف حديهما ، و زنا الشيخ لكمال عقله أقبح من زنا الشاب ، و زنا الحر و العالم لكمالهما أقبح من زنا العبد و الجاهل ، و في الحديث: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم و لهم عذاب أليم : شيخ زان ، و ملك كذاب ، و عائل ( فقير ) مستكبر ". ( رواه مسلم)
و ورد : " إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم و يثبت الجهل و يشرب الخمر و يظهر الزنا ". (رواه البخاري و مسلم).
و المرأة إذا أكرهت على الزنا لا يزول عنها وصف البكر و تنكح بنكاح الحرة العفيفة ، قال تعالى: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور: من الآية33).
المال المكتسب من الزنا
إذا تابت المرأة و عندها أموال اكتسبتها من الزنى فعليها أن تبادر بإخراجها إلا إن احتاجت هذه الأموال فى سداد دين أو نفقة واجبة كما قال ابن تيمية ، و تجوز الصدقة على الزانية لحديث الرجل الذي تصدق بصدقة فوضعها في يد زانية و أصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على زانية ، قال: اللهم لك الحمد على زانية ..... و في بقية الحديث: " أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها ". (رواه البخاري و مسلم) .
و استحلال الزنا كفر بالله تعالى ، و عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "يا شباب قريش احفظوا فروجكم لا تزنوا ، من حفظ فرجه فله الجنة ". (رواه البيهقي و الحاكم و قال صحيح على شرط البخاري و مسلم).
و قال المسيح – عليه السلام – " لا يكون البطالون من الحكماء ، ولا يلج ( لا يدخل ) الزناة ملكوت السماء " . و قال أبو هريرة – رضى الله عنه – " من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه " . فاللهم طهر القلوب و حصن الفروج و اهدنا سبل السلام و جنبنا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن . و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين