الغداء فجلس معها للأكل يريد أن ينظر وجهها فأبت ان تأكل و قالت : إني صائمة؛ فلمح عينيها و يديها فتمكن قلبه من تغنيج عينيها و قدّها و إعتدالها فقال لها : هل لك في الصّحبة من شئ ؟؛ فقالت: صحبة الرجال لا تليق بالنساء لأنه اذا التقت الأنفاس وقع في قلوبهما الهواس و دخل بينهما الوسواس و وصلت أخبارهما للناس؛ فقال : صحبة الوفاء بلا غش و لا هفاء؛ فقالت له : إذا صحبت النساء الرجال كثرت فيهم الأقوال فيرجعون بأسوأ الأحوال قيقعون في نكال و أهوال؛ فقال: تكون صحبتنا خفية و أمورنا هنية و نلتقي في هذه الباديه؛ فقالت : هذا شئ لا يكون و أمراً لا يهون و إن وقع وقعنا في الظنون و تغامزت بنا العيون؛ فقال لها : تكون صحبة وصال و متعة و جمال و تعنيق و دلال و بدل نفس و مال؛ فقالت : حديثك شهي و نظرك بهي فلو كنت عن هذا نهي؛ فقال لها : حديثك يفوت و خبرك منعوت و وجهك في قلبي منبوت، و إن فارقتني لا شك أموت؛ فقالت : تروح لمكانك و أروح لمكاني و إن قدّر اللّه نراك و تراني؛ ثم افترقا و تواعدا و سارا كل واحدٍ منهما إلى منزله، فلم يطق الصبر و كان منزله منفرداً خارج البلد التي هو بها و كان أبوه تاجراً عظيماً له أموال لا تحصى يقال له حبرور و إبنه هذا إسمه أبو الهيجاء و بينه و بين منزله يوم المجد، فلما جنّ اللّيل نزع ثيابه و ركب جواده و تقلّد سيفه و استصحب أحد عبيده يقال له ميمون و سار خفية تحت الظلام و لم يزل سائراً الليل كله إلى أن قرب الصبح فنزل على جبل و دخل في مغارة هناك و عبده ميمون و جواده ثم أوصى العبد على الجواد و خرج يسير إلى أن قرب من القصر الذي فيه الزاهره فوجد جداراً زاهراً شاهقاً فرجع و جعل يرصد من يخرج منه إلى أنْ تناصف الليل فنام و رأسه على ركبة العبد فبينما هو نائم و إذا بالعبد ميمون يوقظه، فقال : ما الخبر