||!¤*'~`(( خبيب بن عدي رضي الله عنه ))`~'*¤!||
انه من أوس المدينة وأنصارها ، تردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ هاجر
اليهم ، وآمن بالله رب العالمين ..
كان عذب الروح، شفاف النفس، وثيق الايمان، ريان الضمير ، عابدا ناسكا
كان كما وصفه حسان بن ثابت رضي الله عنه :
صقرا توسط في الأنصار منصبه
سمح الشجية محضا غير مؤتشب
||!¤*'~`(( غزوة بدر ))`~'*¤!||
لما رفعت غزوة بدر أعلامها، كان هناك جنديا باسلا، ومقاتلا مقداما ، وكان ممن
صرع يوم بدر المشرك بسيفه الحارث بن عمرو بن نوفل.
وبعد انتهاء المعركة، وعودة البقايا المهزومة من قريش الى مكة عرف بنو الحارث
مصرع أبيهم، وحفظوا جيدا اسم المسلم الذي صرعه في المعركة :
خبيب بن عدي رضي الله عنه
وعاد المسلمون من بدر الى المدينة ، يثابرون على بناء مجتمعهم الجديد ، وكان
خبيب عابدا ، وناسكا ، يحمل بين جبينه طبيعة الناسكين ، وشوق العابدين.
هناك أقبل على العبادة بروح عاشق ، قوم الليل ، ويصوم الناهر، ويقدس لله
رب العالمين..
||!¤*'~`(( يوم الرجيع ))`~'*¤!||
في سنة ثلاث للهجرة ، قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أحد نفر من عضل
والقارة فقالوا :
يا رسول الله إن فينا إسلاما ، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين
ويقرئوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام .
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم عشرة من اصحابه منهم مرثد بن أبي مرثد ،
وخالد بن البكير ، وعاصم بن ثابت ، وخبيب بن عدي ، وزيد بن الدثنة ، وعبدالله بن
طارق ، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم على القوم مرثد بن أبي مرثد
فخرجوا حتى إذا أتوا على الرجيع ( ماء لهذيل بناحية الحجاز ) ، غدروا بهم فاستصرخوا
عليهم هذيلا فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم
فأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم فقالوا لهم إنا والله ما نريد قتلكم ، ولكنا نريد أن نصيب
بكم شيئا من أهل مكة ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم .
فقال عاصم بن ثابت رضي الله عنه :
أما أنا، فوالله لا أنزل في ذمة مشرك اللهم أخبر عنا نبيك
ودعا أصحابه الى صعود قمة عالية على رأس جبل ، وشرع الرماة المائة يرمونهم
بالنبال ، فأصيب عاصم واستشهد ، وأصيب معه سبعة واستشهدوا.
ونادوا الباقين ، أن لهم العهد والميثاق اذا هم نزلوا
فنزل الثلاثة : خباب بن عدي وصاحباه..
واقترب الرماة من خبيب وصاحبه زيد بن الدثنة فأطلقوا قسيهم، وربطوهما بها ،
ورأى زميلهم الثالث بداية الغدر ، فقرر أن يموت حيث مات عاصم واخوانه ،
واستشهد حيث أراد..
وهكذا قضى ثمانية من أعظم المؤمنين ايمانا، وأبرهم عهدا، وأوفاهم لله
ولرسوله ذمة..
وحاول خبيب وزيد أن يخلصا من وثاقهما، ولكنه كان شديد الاحكام ، وقادهما الرماة
البغاة الى مكة، حيث باعوهما لمشركيها ، ودوى في الآذان اسم خبيب..
وتذكر بنوالحارث بن عامر قتيل بدر ، تذكروا ذلك الاسم جيدا ، وحرك في صدورهم
الأحقاد ، وسارعوا الى شرائه ، ونافسهم على ذلك بغية الانتقام منه أكثر أهل مكة
ممن فقدوا في معركة بدر آباءهم وزعماءهم.
وأخيرا تواصوا عليه جميعا وأخذوا يعدون لمصير يشفي أحقادهم ، ليس منه وحده،
بل ومن جميع المسلمين..
أسلم خبيب رضي الله عنه قلبه ، وأمره ، ومصيره لله رب العالمين ، وأقبل على نسكه
ثابت النفس، رابط الجأش ، معه من سكينة الله التي افاءها عليه ما يذيب الصخر،
ويلاشي الهول .. كان الله معه.. وكان هو مع الله..
دخلت عليه يوما احدى بنات الحارث الذي كان أسيرا في داره، فغادرت مكانه مسرعة
الى الناس تناديهم لكي يبصروا عجبا..
فقالت : والله لقد رأيته يحمل قطفا كبيرا من عنب يأكل منه ، وانه لموثق في الحديد ،
وما بمكة كلها ثمرة عنب واحدة ، ما أظنه الا رزقا رزقه الله خبيبا
وحمل المشركون الى خبيب نبأ مصرع زميله وأخيه زيد رضي الله عنه ، ظانين أنهم
بهذا يسحقون أعصابه، ويذيقونه ضعف الممات وما كانوا يعلمون أن الله الرحيم قد
استضافه، وأنزل عليه سكينته ورحمته.
وراحوا يساومونه على ايمانه ، ويلوحون له بالنجاة اذا ما هو كفر لمحمد، ومن قبل بربه
الذي آمن به .. لكنهم كانوا كمن يحاول اقتناص الشمس برمية نبل.
فلقد كان ايمان خبيب كالشمس قوة، وبعدا، ونارا ونورا..
كان يضيء كل من التمس منه الضوء، ويدفئ كل من التمس منه الدفء، أما الذي
يقترب منه ويتحداه فانه يحرقه ويسحقه..
||!¤*'~`(( صلب خبيب ))`~'*¤!||
لما يئسوا مما يرجون، قادوا البطل الى مصيره، وخرجوا به الى مكان يسمى التنعيم
حيث يكون هناك مصرعه..
وما ان بلغوه حتى استأذنهم خبيب رضي الله عنه في أن يصلي ركعتين، وأذنوا له
ظانين أنه قد يجري مع نفسه حديثا ينتهي باستسلامه واعلان الكفران بالله وبرسوله
وبدينه.. وصلى خبيب ركعتين في خشوع وسلام واخبات...
وتدفقت في روحه حلاوة الايمان، فود لو يظل يصلي، ويصلي ويصلي.. ولكنه التفت صوب
قاتليه وقال لهم :
( والله لولا أن تحسبوا أن بي جزعا من الموت، لازددت صلاة )
ثم شهر ذراعه نحو السماء وقال :
( اللهم احصهم عددا.. واقتلهم بددا )
ثم تصفح وجوههم في عزم وراح ينشد :
ولست أبالي حين أقتل مسلما *** على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الاله وان يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزع
ولعله لأول مرة في تاريخ العرب يصلبون رجلا ثم يقتلونه فوق الصليب..
فلقد أعدوا من جذوع النخل صليبا كبيرا أثبتوافوقه خبيبا ، وشدوا فوق أطرافه
وثاقه ، واحتشد المشركون في شماتة ظاهرة ، ووقف الرماة يشحذون رماحهم.
وجرت هذه الوحشية كلها في بطء مقصود امام البطل المصلوب ، الذي لم يغمض عينيه،
ولم تزايل السكينة العجيبة المضيئة وجهه.
وبدأت الرماح تنوشه، والسيوف تنهش لحمه ، وهنا اقترب منه أحد زعماء قريش
وقال له :
- أتحب أن محمدا مكانك، وأنت سليم معافى في أهلك ؟؟
وهنا لا غير انتفض خبيب رضي الله عنه كالاعصار وصاح ، في قاتليه :
( والله ما أحب أني في اهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب
رسول الله بشوكة )
نفس الكلمات العظيمة التي قالها صاحبه زيد وهم يهمون بقتله..
نفس الكلمات الباهرة الصادعة التي قالها زيد بالأمس.. ويقولها خبيب اليوم..
مما جعل أبا سفيان ، وكان لم يسلم بعد، يضرب كفا بكف ويقول مشدوها:
- والله ما رأيت أحدا يحب أحدا كما يحب أصحاب محمد محمدا
كانت كلمات خبيب هذه ايذانا للرماح وللسيوف بأن تبلغ من جسد البطل غايتها،
فتناوشه في جنون ووحشية..
وعادت جماعة المشركين الى أوكارها الحاقدة في مكة باغية عادية ، وبقي جثمان
الشهيد تحرسه فرقة من القرشيين حملة الرماح والسويف..
كان خبيب رضي الله عنه عندما رفعوه الى جذوع النخل التي صنعوا منها صليبا،
قد يمم وجهه شطر السماء وابتهل الى ربه العظيم قائلا :
( اللهم انا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة ما يصنع بنا )
واستجاب الله دعاءه ، فبينما الرسول في المدينة اذ غمره احساس وثيق بأن أصحابه
في محنة ، وتراءى له جثمان أحدهم معلقا ، ومن فوره دعا المقداد بن عمرو،
والزبير بن العوام ، فركبا فرسيهما، ومضيا يقطعان الأرض وثبا.
وجمعهما الله بالمكان المنشود، وأنزلا جثمان صاحبهما خبيب، حيث كانت بقعة طاهرة
من الأرض في انتظاره لتضمه تحت ثراها الرطيب.
ولا يعرف أحد حتى اليوم أين قبر خبيب.
ولعل ذلك أحرى به وأجدر، حتى يظل مكانه في ذاكرة التاريخ، وفي ضمير الحياة،
بطلا.. فوق الصليب
لقد كنا أمام أستاذ في فن التضحية جعلنا نتساءل ؟؟
أية عزة ، وأية منعة ، وأي ثبات ، وأي فداء، وأي ولاء ،
وبكلمة واحدة، أية عظمة خارقة وباهرة يفيئها الايمان بالحق على
ذويه المخلصين ..!!