اسمي بلقيس.. فتاة عراقية.. اليوم أتم السنة الثالثة عشرة من عمري.. طالبة في مدرسة كربلاء الإعدادية للفتيات..
أعيش مع أمي وأختي.. أبي مات قبل أن أراه.. لا أدري لماذا أكتب؟! أو ماذا أكتب؟! ربما أعود للكتابة مرة أخرى.
الثلاثاء ... 2003
اليوم زارنا ضيف في المدرسة.. يبدو أنه مهم.. استقبله مدير المدرسة باهتمام بالغ.. دعانا إلى الصمود في طابور المدرسة فالحرب آتية.. همست إحدى زميلاتي إن الدراسة ستتوقف بسبب الحرب.. فرحت صديقتي (ميساء) التي تضحك دائما وقالت سنرتاح قليلا من المدرسات والواجب المنزلي .. لا أعرف لماذا خشيت على المدرسة، أمي تناديني .. سأعاود الكتابة لاحقاً.
الأربعاء... 2003
في طريق العودة من المدرسة لاحظت عدداً من السيارات البيضاء (مطبوع عليها حرفين كبيرين).. بالدراسة والخبرة كنت أعرف أنها سيارات الأمم المتحدة.. اعتدنا مشهدها وهي تفتش المصانع والمنازل.. لم أهتم، سرت في طريقي إلى البيت وفي رأسي سؤال واحد: ماذا أعدت أمي للغداء؟.. افتقدت أمي كثيراً اليوم.. لماذا؟! لا أعرف.
الأحد ... 2003
اليوم سألت أمي: كيف مات أبي؟.. لم أكن قد سألتها من قبل.. بكت كثيراً.. من بين دموعها التقطت كلمات قليلة.. قالت أمي: إن العسكر قتلوه.. رفض الالتحاق بالجيش الذاهب إلى غزو الكويت.. اعتبروه خائناً.. أمي قالت: إنه كان بطلاً.. علمونا في المدرسة أن من يفر من ميدان المعركة خائن.. لكنني أعتقد أن أمي على حق.. احتضنتها وبكيت.
السبت .. 2003
أعلنوا اليوم في المدرسة عن فتح باب الجهاد لمقاومة العدوان الأمريكي.. قيدت اسمي.. أخبرت أمي، فبكت.. قالت: كفى من ضاعوا.. احتضنتني وبكينا سوياً.. في المساء تسللت إلى مكتبة أبي.. كانت ضخمة ومغلقة منذ أن مات.. رفضت أمي بيع كتبه رغم حاجتنا لكل درهم.. قالت نبيع كل شيء إلا كتب أبي.. جلست إلى مكتبه الصغير البسيط الأنيق.. كما ينال من أمي عناية يومية وكأنها تنتظر أبي ليجلس إليه.. قلبت في أدراجه الصغيرة.. أوراق مطوية.. لا بد أنها لأبي.. لا أعرف خطه لكنني أشعر أنها سطوره.. كانت قصيدة شعر عن العرب والعروبة لم أفهم شيئا. طفت على الكتب المتراصة.. لم أفهم منها شيئاً.. لا أحب سوى الروايات الرومانسية ومجلات الفن.. تسللت خارجة من الحجرة لأكتب.
الأحد ... 2003
أول يوم لي في معسكر التدريب.. وجدت زميلات لي في المعسكر.. بجدية وتصميم تلقينا درسنا الأول في استخدام السلاح والخطوة العسكرية. أعطونا ثياباً سوداء.. وبنادق ثقيلة وثلاث محاضرات، تحدث فينا ضابط بشارب كثيف عن حماية أرض الوطن بدمائنا.. لا أعرف لماذا تذكرت أبي؟! دمعت عيني .. أفقت على هتافات الفتيات.. فهتفت معهن.. انتهى اليوم.. وفي طريق العودة لمحت أخا صديقتي.. (ميساء) ينظر إلى كالعادة نظرات غامضة.. عيناه هذه المرة تمتلئان حزنا وربما إرهاقا.. كان عائدا لتوه من مركز المتطوعين أيضا.. أنا مرهقة جداً.. سأنام الآن.. فالتدريب سيكون في الصباح الباكر.
الخميس... 2003
اجتزنا ثلاثة أشهر من التدريب.. أصبحنا مؤهلين لأعمال الحراسة... أجدنا إطلاق النار .. كلفونا بحماية الحي الذي نسكن به ليتفرغ الجنود للمعركة التي صارت وشيكة كما يقول التلفاز.. نتناوب الحراسة صباحاً ومساءاً .. يتحدثون كثيراً عن الحرب.. لا أعرف معنى هذه الكلمة أشاهد الطائرات والدبابات وأمسك بسلاحي فهل هذه هي الحرب ؟؟ أقوم بواجبي فقط .. أمي صارت شاحبة وكذلك أختي .. إنني أحبهم جدا..
................
لا أعرف ما تاريخ اليوم؟! فقدت إحساسي بالزمن.. في نوبتي الليلية سمعت انفجارات قوية.. وأصوات طائرات تقترب.. ارتعدت.. أيها الجبناء.. أصوات طلقات الرصاص تدوي.. الطائرات تقترب أكثر فتمحوها.. أنا خائفة.. أصرخ فلا يسمعني أحد.. أطلق الرصاص في اتجاه الطائرات.. البيوت تهوي من حولي.. الحرائق تشتعل.. صرخات النساء والأطفال أعلى من صوت الطائرات والرصاص.. أجري إلى بيتنا..
أتعثر.. أقوم.. أتعثر.. تنفجر قنبلة خلفي.. أسقط.. أفيق بعد فترة.. لا أشعر بشيء.. سلاحي بيدي.. بيتنا يقترب..
أين البيت؟! انهار البيت؟! أين أمي؟.. الأنقاض تشتعل.. كتب أبي.. أوراقه.. جسد أمي.. أشلاء أختي.. كل شيء احتواه الجحيم..
أجري... أتعثر بجثث وأشلاء.. صديقتي ميساء.. صرخت .. كانت ممزقة الأشلاء.. وجهها احترقت عليه الابتسامة.. نظرات أخيها الغريبة لم يبق منها سوى (عينان جامدتان) تحلقان في الطائرات القاتلة. أجري إلى مدرستي.. طالها الجحيم أيضا.. ماذا تبقى؟.. سلاحي ما زال بيدي.. ودفتر اليوميات.. أين أنا؟! لا أعرف.. لا أشعر بجسدي.. هل أموت؟.. هل مت فعلا؟.. هل ما زلت حية؟.. لا أعرف.. شيء واحد فقط أعرفه.. معنى الحرب.
منقووووووووووووول عبر الايميل
تحياتي