تربنا بعد طول سفر ومعاناة .. والمسافات المستحيلة طويت بفعل الزمن .. والحواس تشتكي من جور ذاك السفر .. فأي حال أستبقى وأي حال أستهلكه الدهر .. وما بقيت من الأجساد إلا تلك الذكريات .. وأرواح تتوق وتشتاق ثم تأبى أن ترتحل إلى برزخ دون اللقاءات .. عبرت مسافات الأعمار بطولها وعرضها ثم شارفت للنهايات .. مشوار تداخلت فيه أنوار الأثير لتدور وتدور في حلقات .. ثم تلاحقت الأيام والشهور والسنون متتاليات .. ليكون الغد هو اليوم ويكون اليوم هو الأمس ويكون الأمس هو ذاك الماضي في السنوات .. وبعد طول سفر في الأزمان يجمع الله الكواكب في مدار الصفات .. ثم أخيراَ تلتقي تلك الأرواح في محراب الصلوات .. محبة خالصة في الله تدخل في مسار العبادات .. ولقاء فوق شبهات الرغبة حيث لا حواس للشهوات .. إنما تعانق أرواح تفقد المادة وتفقد الأثقال لتبقى قريبة من السموات .. حيث هنالك عوالم النقاء والصفاء والباقيات الصالحات .. فأين ذاك الذي يثقل جناحيه بأحمال الموبقات .. أحمال تسقط بالتوبة والاستغفار وخالص النيات .. وحتى إذا تجردت تلك الأحمال وفقدت أوزانها أبقت أرواحاَ نقية خالصة ترفض البقاء والإذعان في دنيا المعاصي والمهلكات .. ثم تلتقي تلك الأرواح في محبة عفيفة سامية هي فوق محبة ليلى والأخوات .. فيا روعة عالم يفقد الغل والحسد ومنابع النزوات .. هنالك اللقاء حيث الروحانيات والنورانيات والنفحات .. رفعة في المقامات ونزاهة في النيات وإجلال في العبادات .. ومن أجل ذلك فليعمل العاملون والعاملات .. عالم يفقده أكثر الخلق وهم في زمرة الغافلين والغافلات .. إلا من اصطفاهم الله وأراد لهم الهداية والتقرب من المؤمنين والمؤمنات .. فيدخلون في معية أهل الأفضال الذين هم في ركب المقربين وأصحاب اليمين وهم أصحاب الجنات .. وآخرون يؤثرون الحياة الدنيا وهم أصحاب الشمال ينالون الجحيم بالكفر والشرك وكثرة السيئات .. أولئك هم الذين أبت أن ترتقي أرواحهم وتمسكت بالأرض وفقدت مزية التوحيد والنزاهة والعبادة لتكون ضمن المسقطات