[align=center]
ابنة الخطيئة
قال الله تعالى "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي" الفجر:27-30 صدق الله العظيم
نعم ، كلما أقرأ هذه الآية تذكرتها ، و كلما تذكرتها تذكرت الآية ، نعم هي أمي ، اللهم أسكنها مع النبيين و الصديقين و الشهداء ، هي أمي ليست كأي أم ، ماتت بعد أن إختارت لي الزوج الذي يتقي الله في ، و قبل زفافي بعدة أيام أوصتني بعدم تأجيل الزفاف إذا وافتها المنية ، و فعلاً تزوجت بعد وفاتها بخمسة أيام ، فزوجي قبل الزواج كان يسكن مع عائلته بجوارنا ، و يعرف كل شيء عني منذ طفولتي ، و كانت أمي رحمة الله عليها محبوبة لدى الجميع ، فقد كانت أمرأة ذات حنان فياض ، لا تعرف للكره طريق ، و كانت ذات دين و خلق .
و تبدأ حكايتي عندما نشأت وجدت نفسي مع والدين كأي طفلة ، و كانت أمي منذ طفولتي تأخذني مرة كل شهر لدار أيتام لنجلس مع الأطفال نلعب و نلهو نحو ساعتين أو ثلاث ، و كانت تشتري لي الهدايا لكي أقدمها لهم و هي تقول لي "هم أخوتك ، أنتِ ليس لك أخواتك" و كانت أمي تعمل كل مرة بعض الحلويات و تأخذها لتعطيها لأخواتي في الدار و تأكلهم بيدها ، لقد علمتني أمي أن نعمل كل شيء أمرنا به الله و رسوله و أن نبتعد عن كل ما نهانا الله و رسوله عنه ، فنشأت أحب الخير و أسعى فيه ، و كان أبي رجل طيب يحب كل شيء تفعله أمي ، فكانت أمي وأبي رحمهم الله كأنهم شخص واحد ، و عندما بلغت سن الثانية عشر مات أبي رحمة الله عليه ، و بعدها بعدة أيام و أمي تحتضني قالت لي
هل كنتِ ستحزني هكذا إذا عرفتي أن أباكِ هذا ليس أبوكِ و لكنه زوجي فقط ؟
فضحكت ضحكة بلا طعم وقلت لا افهم يا امي ماذا تريدين عموما حتى لو كان هكذا فـهو أبي واحبه وسأظل ما عشت احبه ، هو الذي رباني و أنا لا أعرف إلا هو، لو كان ما تقولين حقيقة ،إذاً فأين أبي ؟
قالت : أنا لا أعرف مكانه و لا أعرف حتى هو حي أم مات"
فـقلت: الحمد لله أنه وهبني بدلاً منه أب حنون" و سألتها "هل يعد أبي كافل يتيم ؟
قالت : نعم، و إن شاء الله يكون كما قال المصطفى عليه الصلاة و السلام (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) وأشار إلى السبابة والوسطى" رواه أحمد و الترمزي
قلت و أنا أمزح" ربما يتضح أن تكوني أنتِ أيضاً لستِ أمي فـضحكت و ضمتني ضمة لن أنساها أبداً
و قالت "لا، أنا أمك يا حبيبتي ، فالأم هي التي تربي و ليست التي تلد
فمكثت قليلاً ثم قلت "ماذا ؟ قولي لي مرة أخرى ، صحيح ما قلتي ؟ قولى يا أماه الكلمة لا تستطيع ان تدخل اذني
فضمتني أكثر و أكثر واحسست برعشت صوتها
و قالت : نعم يا حبيبتي ، أنتي أبنتي التي لم ألدها
قلت : إذاً أين أمي ؟ أين أبي ؟ أين عائلتي ؟ أماه الله يكرمك رغم اني واثقة من صدقك لأنك لا تكذبي ابدا .. وللكني ..
قالت "سأحكي لك بالضبط ما حدث ، كنت يوماً سائرة بالطريق و فجأة وجدت شرطي و عدد من الناس و معه طفلة أبنة يوم أو يومين ، و هم يقولون منها لله التي ألقت بهذه الطفلة ، أي أم هذه ؟ حسبنا الله و نعم الوكيل فيها ، فـدنوت من الشرطي و قلت له من فضلك أعطني هذة الطفلة ، و لكنه نهرني ، فـقلت له ربنا يبارك فيك أنا متزوجة و لم أنجب و أمنيتي بأن أجد طفل أربيه و أعطيه حياتي و بكيت فـإذا بالناس الملتفين يقولون له إعطها الطفلة أفضل من أن تودعها في دار أيتام ، هذة السيدة تبدو طيبة و في وجهها سماحة و حنان ، و أخذتك يا بنيتي و قبلتك و حضنتك و أسرعت إلى المنزل أنا أنظر خلفي خوفاً من أن يأخذك مني أحد ، و أصبحتي قرة عين لي و لأبوكِ ، و أستمرت في الحديث و قالت هل أنتِ حزينة أنني أمك ؟
قلت : لا و الله يا أمي لقد منّ الله علي الحمد لله فأنا أسمع لك و كأنك تروي علي حكاية من حكايات ما قبل النوم
فـقالت : ربنا يبارك فيكِ و يهديكِ" و قبلتني في جبيني وهي تقول الحمد لله حل ثقيل كان على قلبي اللهم لك الحمد.
أهملت هذا الموضوع و تركته و لم أفكر فيه مرة أخرى لصغر سني ، و عشنا أنا و أمي في رعاية الله و حصلت على بكالريوس العلوم ، و كنت أحياناً أفكر في والدتي التي رمتني في الطريق ، لا يمكن ان ترمي انثي ضناها إلا إذا كان ... أستغفر الله ، يا ترى هل هي ما زالت كما هي ، أم ماتت أو تابت ، آه لو كنت أعرف طريقك ، لكنت قلت لك يا هنا أبنتك ، ضعي يدك في يدي لنستغفر الله سوياً و نتوب إليه ، آه يا أماه ، هذة أبنتك ، أبنة الخطيئة ، تريد مقابلتك ، لتقول لك توبي لله فأن الله تواب رحيم ، و لأصطحبتك إلى طريق الله فهو خير طريق ، و ظلت هذة الأفكار تراودني و ستظل طيلة حياتي ، دائماً أطلب لها من الله المغفرة.
بعد أن تخرجت جاء أبن الجيران لخطبتي و قلنا له الحقيقة التي كان يعلمها من أهله ، و قال "أنا لا أعرف إلا أمك و أبيك و لا أعرف سواهم ، و أنا آت لخطبتك من أجل سيرتكم الطيبة في المنطقة ، و أختي التي رشحتك لي لأنها صديقتك و فعلاً عقد قراني و كانت أمي سعيدة جداً به و كنت أسعد جداً به عندما يحضر إلى أمي و يستأذنها في أن أذهب معه لمحاضرات و دروس دينية ، و أيضاً نذهب مع أمي لشراء أثاث منزلي ، و حددنا ميعاد الزفاف ، و فجأة و بدون أي إنذار مرضت أمي مرض شديد ، و كانت تشعر أنه مرض الموت ، و تقول لي أمامه لا تؤجلي زفافك إذا أماتني الله هذه وصيتي يا حبيبتي حذاري أن تهمليها .
و قد حدث ذلك و ماتت أمي و الحمد لله و تزوجت بعد خمسة أيام و أنا حزينة و لكنه أمر الله ، و طاعة أمي الحبيبة.
عشت حياة هنيئة مستقرة ، فكنت زوجة مطيعة لربي أولاً و لزوجي ثانياً و كنت أقلد أمي رحمة الله عليها مع الجيران أشاركهم في فرحهم و حزنهم وأنصح أولادهم بطاعة الله و الصلاة فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر و البغي ، فكان زوجي يسعد بي عندما يجدني و قد أجتمعت مع البنات في منزلي لتعلميهن أصول دينهن
و أمر الله لي أن أنهج منهج أمي التي ربتني ولم اقطع ما عودتني عليه رحمة الله عليها فمازلت أذهبت إلى دار الأيتام و أعلم اولادي هذه العادة الطيبة لكي أحظى بصحبة رسول الله في الجنة إن شاء الله
اللهم لك الحمد[/align]