لا خلاف أن البغي مصرعه وخيم، والإسراف في العداوات شر ما يقتنى
ويوم أن قال مهلهل ربيعة وهو يقتل
«بجيرا» ابن الحارث بن عباد
«بوء بشسع نعل كليب» أذكى بمقولته الحرب سنين كثيرة، فلما أشرقت شمس الإسلام جعل الشرع لأولياء الدم سلطانا
وكتب الله لهم النصرة قدرا وشرعا، ومع ذلك قال يخاطب ولي الدم:
«فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ»، والنبي صلى الله عليه وسلم يذكر صفات المنافقين محذرا ثم يقول: «وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»
فما أحوج الناس اليوم أفرادا وجماعات ودولا إلى الاعتدال والإنصاف، «اِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى».
الخصومات تختلف طرائقها وتتباين بواعثها، ومُحال أن تجمعها جادة واحدة، لكن من الناس من إذا خاصم بغى قولا وفعلا، فأنكر المسلّمات ووأد البيّنات
وجحد نعمة من أحسن إليه ولو كانت آثارها بادية على عنقه، وأمثال هؤلاء يحتاجون إلى من يدلّهم على طرائق الإنصاف، ويذكرهم كيف يتعامل شرعا مع مَواطن الخلاف
ولا بأس حينا أن يؤدب من تجاوز في عبارته، وتمادى في ألفاظه وإشارته، بل ربما كان ذلك حتما لازما، فليس الكل تكفيه الإشارة.
وحال الأمة اليوم يجعل القلوب تقطر دما، وما ذاك إلا أن بعض سدة الاعلام وطنها من هو ليس أهلا لها، لا في دينه ولا في مروءته
وأعظم البلاء أن يرقى المنابر المنتفعون الأُجراء، فيعمدون إلى أمثالهم من الوضعاء، وإن كانوا قلة وندرة، فيجعلون منهم أصحاب قضية ودعاة حق، وما هم إلا كما قال الأخطل:
تنقّ بلا شيء شيوخ مجاشع وما خلتها كانت تريش ولا تبري ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت فدلّ عليها صوتها حية البحر وهنا يكمن حزم الأريب وحكمة اللبيب في التعامل مع مثل هذه القضايا، يعنف حتى لا تكرر، ويعفو حتى لا تبقى، وبينهما يتوقف حتى لا يعرف من حوله ماذا سيصنع.