بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدرس الثالث
قاعدة العبرة فى العقود بالمقاصد والمعاني
(س1)إذا ضعفت النية هل يلزم منها بطلانها؟
(ج1) لا يلزم منها بطلانها بل قد تكون ضعيفة وإن كانت صحيحة وربما تضعف ضعفاً شديداً حتى تكون فاسدة ولهذا بقدر ما يقوم فى القلب من الإخلاص فى الباطن مع الموافقة فى الظاهر يكون مقام العمل عند الله عز وجل وعمل الإنسان يضاعف عند الله أضعافا كثيرة بحسب ما قام فى قلبه
ولهذا لا أجمع ولا أتم ولا أكمل من قولة (صلى الله علية وسلم) " إنما
الأعمال بالنيات "
(س2) ما معنى قولة صلى الله علية وسلم " أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصاراً ؟(ج2) جوامع الكلم هي المعاني الكثيرة فى الكلمات اليسيرة القليلة التي
أوتيها صلى الله علية وسلم
(س3) ما هي اللقطة ؟ وما هو الواجب على المكلف إذا التقطها ؟(ج3) اللقطة هي الشئ الساقط من صاحبه سواء كان مال أو متاع أو ما أشبة ذلك والواجب على المكلف حفظ مال أخيه فالواجب إذا وجدنا لقطة أن نلتقطها بنية أخذها وحفظها لصاحبها وأن نلتقطها بنية التعريف فإذا إلتقطها
بهذه النية فهو أمين والأمين لاضمان علية إذا لم يفرط منها فى خلال الحول أمانه عنده مع تعريفها فإذا تلفت أو ضاعت بلا تفريط فلا ضمان عليها فإذا جاء صاحبها ووصفها وثبت عندنا أنه صاحب اللقطة وقيل له أن اللقطة تلفت نقول أنك أمين والأمين لا يضمن إلا بالتفريط
(س4) ماذا لو ادعى صاحب اللقطة أن الملتقط مفرط ؟(ج4) القول قول الملتقط بيمينه يعنى أنه يحلف أنه لم يفرط لأنه أمين وقد أخذها بنية الحفظ وهذا من محاسن الشريعة لأنه لو ألزمنا الملتقط بالضمان لتحامى الناس اللقط ولضاعت الأموال وتلفت
(س5) إذا عرف الملتقط اللقطة حولاً كاملاً فهل ملكة لها بعد الحمل ملك مستقر وملك مراعى ؟
(ج5) الجمهور على أنه ملك مراعى بمعنى أنه لو جاء صاحبها ولو بعد الحول يعطيه إياها وقال البخاري وجماعة أنها تثبت له (أي ملك مستقر )
(س6) ماذا لو أخذا الملتقط اللقطة بنية تملكها لا بنية التعريف ؟
(ج6) لو اخذ الملتقط اللقطة بنية تملكها يكون غاصبا ولا يملكها ولو أنه عرفها حولا فإن يده يد غصب لأنه يد عادية وليست يد أمانه ولذلك إذا تلفت فإنه يضمنها وهذا قول الجمهور والقول الثاني انه يعرفها وتكون يده يد أمانه مع التوبة وهذا فى الحقيقة قد يكون أقرب وأولى المقاصد
الشرعية أيضا للتسهيل على الناس لان اللقطة فى الغالب يلتقطها الصغير والكبير والرجل والمرأة والعادل والفاسق فكوننا نشترط الامانه والديانة فى الملتقط وأن يستحضر نية الحفظ هذا يصعب وقد يشق والشارع أطلق اللقطة ولم يشترط مثل هذا الشرط فإذا تاب الذي أخذ اللقطة بنية التملك نقول عرفها الآن وابتدئ فى التعريف وإذا تم الحول فأنة تكون يده يد أمانه وإذا جاء صاحبها ووصفها فأنة يعطيه إيها فمدار الأمر كما تقدم على مسألة النية وهذا وجه ارتباط هذه المسألة بالقاعدة وأن الحكم يختلف بحسب نية الملتقط
(س7) هل من لانية له يصح عقداً أو عمل ؟
(ج7) محل اتفاق أنة مالا نية له فلا يصح منه عقد ولأعمل ولا عبادة من ذلك المجنون لأنه لانية له لأنه لا تكليف علية كذلك فى حكم المجنون المعتوه وهو نقص العقل الذي لا يحسن التصرف
(س8) هل حكم من ولد لا عقل له حكم أهل الإسلام ؟
(ج8) نعم لو ولد إنسان لا عقل له من أول ولادته حكمة حكم أهل الإسلام فإذا كان بين أبوين مسلمين هو من أهل الجنة ولكن الحكم يختلف فيما إذا كان قد شب ونمى عقلة وأصبح مكلفاً ثم جن بعد البلوغ ومات على الكفر فإنه يبعث كافراً
(س9) هل المغمى علية يلحق بالمجنون أو بالنائم ؟
(ج9) خلاف بين أهل العلم منهم من ألحقه بالمجنون وقال لا نية له ولا قصد ومن لا قصد له ولا نية فلا تكليف علية وهذا قول مالك والشافعي وقالوا لأنه لو نبه لا ينتبه بخلاف النائم إذا نبه ينتبه أما المغمى علية فلا ومنهم من الحق المغمى علية بالنائم وقالوا أن الإغماء فى الغالب لا يطول كالنوم بخلاف الجنون وقالوا إن الإغماء يجرى على الأنبياء فليس وصف نقص بخلاف الجنون فحكمة حكم النائم وبالجملة مدار الأمر على القصد والتكليف وعلى هذا لو أغمى على إنسان قبل زوال الشمس ولم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس قالوا لا قضاء عليه
ولكن نقول أن هذه المسائل العمل فيها يكون بالاحتياط والاحوط فإذا أمكن الاحتياط وهو العمل بكلا القولين كان أتم فلو أغمى على إنسان قبل زوال الشمس إلى ما بعد غروب الشمس فإنه لا يقضى أما إذا أفاق من قبل الغروب فأنة يقضى العصر أو الظهر والعصر على الخلاف ولكن فى هذه المسائل الا فضل الاحتياط ويفرع عن قاعدة الأمور بمقاصدها قاعدة العبرة فى العقود للمقاصد والمعاني الألفاظ و المباني .
(س10) ما معنى هذه القاعدة ؟(ج10) أولاً العقود جمع عقد والمراد أن سائر العقود العبرة والعمل لمعانيها المقصود منها وتبادل الألفاظ لا يصرفها عن المقاصد التي وضعت لها بالوضع الشرعي .
(س11) هل هذه القاعدة متفق عليها ؟(ج11) لا هذه القاعد غير متفق عليها فالمشهور من مذهب أحمد والشافعي أنهم لايعتبرون المقاصد والمعاني فى كثير من المسائل بل يعتبرون الألفاظ مع أنهم أعتبرو المقاصد والمعاني فبعض الألفاظ ومذهب مالك وأبى حنيفة اعتبار المقصود والمعاني عندهم هو الأصل مع أن جميع المذاهب فى الغالب أن المقاصد معتبرة من حيث الجملة والصحيح أن العبرة فى المقصود والمعاني لا الألفاظ لمباني لان الألفاظ قوالب للمعاني وحوامل لها وظروف لها والمعاني محمولة مظروفه فإذا أخذت المعاني من الظرف ومن هذه القوالب بقيت لاقيمة لها فى العبر للمظروف ولهذه المعاني الموجودة فى القوالب فإذا فرغت من معانيها كانت كالقشر
(س12) وعلى هذا نقول أن ألفاظ المتكلمين مع مقاصدهم لاتخلو من ثلاث أحوال
الحالة الاولي أن يكون القصد مطابقاً للفظ تمام المطابقة ولا يخالفه وهذا فى عامة ألفاظ الشارع الحكيم وهو ألفاظه مطابقة للمقاصد التي جاء بها
الثاني هو أن نعلم أن المتكلم لم يقصد المعنى البتة مثل كلام السكران المخمور يتكلم بما لايعقل ومثل كلام المجنون الذي لايعقل ومثل كلام النائم فلو أن إنساناً نومه فى طلق زوجته أو حرمها أو ظاهر منها مثلا فإنه لايعتبر كلاماً لأننا نقطع بأنه لم يقصد اللفظ أصلاً لم يقصد المعنى الذي لفظ به فهي ألفاظ مهدرة لاقيمة لها
الثالث : أن يكون اللفظ مع مقصد المتكلم ظاهراً وليس قطعاً ومحتمل أنة يريد هذا ومحتمل أنه يريد هذا
أن يكون اللفظ ظاهراً فى المعنى الذي تكلم به لكن ليس عندنا دليل يدل على أنه أراده وقصد إلية قطعاً ماعندنا دليل أنه أراد المعنى أو لم يرده اللفظ دال على هذا المعنى لكن ماعندنا دليل أنه أراد هذا اللفظ نستدل بالقراءة ولامانع من ذلك ولهذا نستفيد من التورية فإنها تجوز عند الحاجة إليها .
إذا نقول أن المقصود والمعاني معتبرة فى باب الألفاظ ولهذا تأتى أشياء كثيرة فالقصد يحول الشئ من عقد بحسب النية وعلى هذا فمن جرى على ظاهر الألفاظ ولم ينظر إلى المقصود والمعاني ربما أحل من المحرمات وربما صحح بعض العقود الباطلة وعقود الربا التي يكون ظاهرها بيعاً صحيحاً وهى فى الباطن عقود باطلة محرمة .