غيرة الاطفال
بعد عمر الثلاث سنوات يكون الطفل اكتسب الأسس اللازمة كلّها ولا يعود يحتاج الى تطويرها . اكتسب العاطفة والضحك والذكاء والخيال . تدوم عملية التطوير هذه مدة طويلة ، قد تمتد إلى ما بعد المراهقة . وشيئاً فشيئاً يصبح الطفل أكبر وأقوى وأذكى وأكثر وعياً . وتتسع رقعة معلوماته .
في المجالات الفكرية والجسدية ، يجري التطوّر بأشكال متفاوتة السرعة ، ولكن دائماً الى الأمام . أما في المجالات الأخرى ، الاجتماعية والعاطفة ، فهناك تفاوت كبير . قد يكون التقدم سريعاً وقد يحصل تقهقر . هناك فترات من الراحة الطويلة وفترات أخرى عصيبة في حياة الطفل . السبب هو كونه يبدأ يتعوّد مشاركة الآخرين إيّاه ، وانصهاره في المجتمع المحيط به ، فلا يعود يعتبر نفسه محور العالم والعائلة .
بين عمر الثلاث والخمس سنوات هناك معبر صعب على الطفل أن يجتازه . تضطرب حياته العاطفية ذات يوم ويصبح حزيناً وعنيفاً . إنه يكتشف ، ولأول مرة ، طعم الغيرة .
طفلك سعيد . أنت تشكلين محور حياته وهو كذلك بالنسبة إليك . هذا ما يشعر به . تخصصين وقتك لإطعامه و غسله وأخذه إلى نزهة ولا تتركينه أبداً . إنها سعادته القصوى ، والتي يكتفي بها .
فجأةً يكتشف الطفل وجود إنسانٍ آخر يحبه ويعجب به هو والده . علاقته به مختلفة عن العلاقة بالأم . هذا شيء طبيعي ، الأب يلبّي حاجات الطفل كما تفعل أمه لكنه أيضاً يشكل مصدراً للسعادة بالنسبة للطفل ، والذي يكتفي بهذه العاطفة المزدوجة .
بعد فترة يلاحظ الطفل أن أمه تخفّف من إهتمامها به . هو لا يدري أن سبب ذلك كونه تجاوز عمر العناية الخاصة والأطعمة المميزة ، وأنه بلغ مستوى إدراك وتفسير ما يراه وما يحيط به . ينتبه إلى أن أمه تعتني بشخص آخر هو « أبوه » ، التي اعتبرها تحبه وحده ، اكتشف أنها تحبّ سواه . كأنّنا نسمعه يردّد الجمل التالية : « إنها تأخذ بيده كما تمسك يدي تخصّص له وقتاً كان بإمكانها أن تقضيه معي ، تأخذني إلى الفراش باكراً وتغادرني مسرعة لأنه ينتظرها ليخرجا معاً إلى أمكنة مجهولة ... » . عندما يكونان معاً يتكلمان ويتصرفان كانّني غير موجود . إنهما يتجنّبانني . الاكتشاف الكبير هو : « أبي يحب أمي التي تقدم له عاطفتها ويبدو أن هناك رابطاً يربطهما من الصعب إدراك نوعيته وكأنهما يخفيان سرّاً كبيراً » .
هذا الاكتشاف يقلب حياة طفلك رأساً على عقب خصوصاً إذا كان عاطفياً جداً وحساساً ، وإذا كانت علاقته بوالديه وطيدة جداً .
هذه الألم التي أحبّها كثيراً ليست له وحده . يجب أن يتقاسمها مع غيره . صعوبة جديدة تعترضه لأنه لا يعرف بعد معنى كلمة مشاركة .
في هذه السن نلاحظ أيضاً أن الطفل الذكر ينجذب أكثر نحو أمه بينما الطفلة تنجذب نحو أبيها ، مما يعقّد الأمور ويخلط بين الرغبة والغيرة . تتحوّل العلاقة المنفصلة بين الأم وطلفها من جهة والأب والطفل من جهة أخرى ، إلى مثلث متناسق الأطراف : الأب ، الأم ، والطفل .
هذا الاكتشاف كما ذكرنا سابقاً يحوّل طباع الطفل من هادئة إلى عنيفة . ولبعض الوقت سوف يفضل أحد الوالدين على الآخر ، وسوف يطلب منه المزيد من العاطفة . في هذه المرحلة من عمره يصاب الطفل بالكوابيس و يطرأ ضعف على قدرته التعبيرية بالكلام أو يبالغ في التدلّل لمجرد لفت الأنظار إليه . بعد مدة قد تقصر أو تطول يستعيد الطفل الروابط الطبيعية مع أهله وتنتهي أزمته كما ابتدأت .
قد تمرّ هذه النوبة ولا تلفت الإنتباه أو قد يمرّ الطفل بمراحل صعبة جداً . في كل حال عقدة أوديب هي عتبة لا بدّ من أن يجتازها الطفل باتجاه إقامة العلاقات الطبيعية مع عائلته ومع زملائه .
يتعلّم الطفل في هذه المرحلة المضطربة أموراً ثلاثة مهمة :
ـ المشاركة التي سوف تقوده من مرحلة الغرور إلى مرحلة العلاقة الطبيعية .
ـ أساس العائلة شخصان متحابان .
ـ وأخيراً إنه لا يستطيع أن يستغني عن أحد والديه . سوف يعمل جاهداً للتشبه بأحدهما وغالباً ما تتشبّه البنت بأمّها والصبي بوالده .
هذا المثال يساعد الطفل على إيجاد هويته وعلى أن ينمو بشكل طبيعي .
ملطوووش
اخوكم : مـــــحــــمــــد