بين زواج الأمس وزواج اليوم فوارق كثيرة، أبرزها في أهمية المظاهر. فبينما كان شباب الأمس يفضلون المرأة القوية العاملة في الزراعة، يميل شباب اليوم إلى البنت «النعنوعة».
على وقع كلمات «جينا وجينا وجينا / جبنا العروس وجينا» ودقات طبل محمد وألحان زمر جمول، زُفت جميلة قبل 40 عاماً وسط أهالي قريتها بسيّن الصغيرة الواقعة في أعالي جبال الساحل السوري. يومها كان الزواج يتم ببساطة أو على الحصيرة على حد تعبير جميلة: «كنا نعزم أهالي الضيعة صغيرهم وكبيرهم إلى العرس ونطبخ لهم جعيلة برغل (الجعيلة قدر كبير من النحاس كان يُستخدم للطبخ) وأخرى مرق بلحم الماعز».
اليوم أصبح الزواج، كما يبدو، أصعب وتكاليفه تكسر ظهر الفقير، بحسب منيرة التي تزوجت من دون ذهب ومال. مهرها كان «كيس قمح حملته أخت زوجي على كتفيها يوم الخطبة»، تقول منيرة وتوضح: «أما ابني فلم يستطع الزواج من دون شقة وفرش وعشرة أساور ذهب وحفلة فندق وتعهدات مالية لم اسمع بها في حياتي». وتضيف: «وعندما سمعت أنه أخذ قرضاً من المصرف لتأمين ذلك، سألت خطيبته يومها لماذا كل هذا. قالت لي ببساطة «هيك الموضة». وعندما قلت لها المهم الحب بينكما فأجابت: «الحب شيء والتأمين على مستقبلي شيء تاني». إزاء ذلك لم يبق لي إلا أن أقول لها «الله يوفق».
«نمضي يوماً كاملاً في تكسير الصخور لتسوية متر واحد من الأرض من أجل زراعته قمحاً»، يقول العجوز حبيب. ويضيف: «كان على الإنسان يومها التمتع بقوة عضلية جبارة كي يواجه قسوة الطبيعة. وعلى هذا الأساس، كان الرجل يبحث عن شريكة حياته من دون أن يعطي الأولوية لمظهرها. وقبل أن يطلب يدها كان يراقبها في الحقل كي يرى مدى قدرتها على الوفاء بمتطلبات الحياة في الضيعة».
«اليوم، تغير كل شيء»، يقول عبد الله، ويتــــــابع: «معظم شبابنــــــا ينساقون وراء المظـــــاهر ويركضون وراء البنـــــت «النعنوعة» أو «الدّلوعة» التي لا تعـــــرف «قلـــــي البيضـــــة» بينما تقضــــي يومها في قراءة مجلات الموضة وإضاعة الوقــــت في أشياء لا طعم لهـــــا». وتقاطعــــه زوجته: «ليس كل البنـــات هكذا، هناك أيضاً بنات جيـــدات يشاركن أزواجهن السراء والضراء». وتضيف: «انظر إلى جارتنا أم سمير ما شاء الله، فهي موظفة على رغم أن لديها ثلاثة أولاد، ماذا كان سيحل بزوجها لولا وظيفتها؟».
لكنّها تعترف بأن مطالب بنت اليوم ازدادت. وتقول:» لولا ذلك، لما كان هناك مثل هذا العدد من البنات والشباب العانسين. هنا في ضيعتنا الصغيرة أكثر من 20 شابة و20 شاباً لم يتزوجوا لأن الكثير من بنات اليوم يفضلن العنوسة على الزواج من شباب فقير الحال حتى لو كن هن أنفسهن من عائلات فقيرة».
حنين إلى الماضي
«أشعر بحنين إلى الماضي»، يقول أحمد. ويرد عليه حفيده فادي بالقول: «يا ريت ترجع أيام زمان وأستطيع الزواج على شاكلة آبائي وأجدادي، لكن ذلك مجرد رغبة لأن أيامنا اختلفت».
وتضع سكينة من جهتها اللوم على شباب هذه الأيام «لأنهم لا يرضون بالمعقول» كنقطة بداية لحياتهم الزوجية: «تزوجت ولم يكن لدى زوجي شيء يملكه سوى حبنا لبعضنا بعضاً. وبفضل عمله ومساعدتي بنينا منزلاً وربيّنا أولادنا وعلّمناهم». وتضيف: «اتعجّب لماذا شبان وشابات هذه الأيام لا يحتذون بمثل هذه الخطى لأن الإنسان يستطيع تحقيق ما يطمح إليه بالعمل والصبر».
فادي يقول إن العمل والصبر شعار جميل... «لكن ما فائدته إذا كان العمل قليل والوظيفة غير متوافرة. ويضيف: «تخرجت في الجامعة قبل أربع سنوات، ولم أجد سوى بعض الأعمال الموسمية حتى الآن. أنا خاطب منـذ ثلاث سنوات ولم أستطع حتى الآن توفير نفقات عرسي».
كثر الأفراد أمثال فادي في منطقة الساحل السوري التي ترتفع فيها نسبة المتعلمين والعاطلين عن العمل والعانسين مقارنة بمناطق سورية الأخرى. ولا يخفف من وطأة ذلك كثيراً «توجه قسم متزايد من الشباب الى الزواج من البنت الموظفة من دون إعطاء المظهر الأولوية»، كما يقول سليمان الذي تزوج من عاملة في إحدى المؤسسات الصناعية.
لكن أخاه إسماعيل الذي يبحث عن عـــــروس، يتقاســــم وإياهــــا أعبــــاء الحياة يقول إن المشكلــــة تتمثل في ضعف نسبة الموظفات بسبب ندرة فرص العمل.
إضافة إلى هذا التوجه الجديد، هناك مبادرات تخفـــف عن بعض الشباب متطلبات الزواج الكثيــــرة. وتتمثل في تنازل بعض أهالي الفتيــــات عن مصــــاريف متفق عليها مسبقاً من أجل تسهيل زواج بناتهم. غير أنها لا تزال محدودة بحسب سمير الذي تصر عروسه سهام وأهلها على عرس طنّان رنان في أحد المطاعم المعروفة عى رغم أنه موظف متواضع الحال.
وعندما تسأل سهام عن سبب تمسكها بحفلة الفندق، تجيب: «سمير وعدني بذلك على أساس أنه قادر». إزاء ذلك، لا يبق أمامه سوى الوفاء بوعده وتحمل تبعات ذلك.