بسم الله الرحمن الرحيم
وقاحة
كنت مسافرا بالقطار فوقفت على شباك التذاكر ، وأخذت دوري ، ولما وصلت إلى الشباك كنت قد عانيت الأمرين ،من رائحة عـرق المسافـرين
وأخذت تذكـرتي ’ ونظـرت حولي ألتمس كـرسيا أجلس عليه ’ ريثمـا يصل القطـا ر ’ فرأيت لوحة كتب عليها ( صــالة الانتظـا ر)
دلفت إليها وجلست على أحـد الكـراسي ’ وحمدت الله أنني تخلصت ’من ذلك الطـابور المزعـج ’ ومـا إن جلست ووضعت حقيبتي أمـامي ’ حتى جـاءني أحـد الركاب فتوسمت به خيرا ’
فأزحت حقيبتي ووسعت له بجانبي ’ وقلت له تفضل اجلس بجواري ’ فجلس وأخذت أقرأ في كتـاب كان بحوزتي لأقتل به فراغ الانتظـار
ومشقة السفر ’ ولكن ذلك الرجل أحذ يركل حقيبتي بقدمـه ’ بركلات متواصلة ’ وكأن به حالة نفسية ’ ويجدّ بدقات قدمه على حقيبتي وكأنه يستمع لرنّة موسيقية من نوع خاص قد أعجبته ’
فقلت في نفسي لعله يهدأ أو ينتهي .
ولكنّه أخذ يتمادى ’ وطـرقات قدمه تقوى وتقوى على حقيبتي ’ فقلت له عفوا إن بهـا أغـراضا قابلة للكسر ’ فردّ علي بوقاحة متناهية ولماذا تحملها معك في السفر ؟
فقلت: لأنّها تخصني ولي بهـا حاجة ’ فركلهـا مرّة أخ
رى ليعرف ما بدا خلها ’ فسحبت حقيبتي بعيدا عن مدار قدمه ’ فقال:
دعها . دعها . أردت معرفة مـا بداخلها . فلم أرد عليه ’ حتى لا يتجرأ معي في الكلام وأخذت أنظر في كتابي فقال : لماذا تقرأ في صالة الانتظار ؟
فلم أعره سمعي فقال : أنا أتكلّـم معـك . ووكـزني لأتنبه ’ فقلت في نفسي يقول : أنا ومن يحسب نفسه؟ ما هو إلا عـابر سبيل ’فلم أجب على سؤاله .
وأخذت أقرأ في كتابي ’ فأنزله من يدي ونظـر فيه فعرفت أنّه لا يحسن القراءة وقال : أي شيئ في هذا الكتاب ؟
فسحبته من يده وقلت الثقلاء ’ فقال البخلاء فقلت بل الثقلاء ’ ثمّ تركته وأ حذت مجلسا آخر ’ في صالة الانتظار لأبتعد عنه
فلحق بي وجلس بجانبي ’ وكأنه من أقاربي ، وقال : لي إذا صعدنا القطار ، نجلس أنا وأنت على أريكة واحــدة ، لتحدثني عن الثقلاء ، أظن كتابك مفيدا ، وأحـذ بكتفي يهـزني وهو يضحك ، وتضحك معه كل عضلات وجهـه بقهقهة سـوقية مـزعجة ، فا لتفت الناس إلينا وزووا وجوههم ، استنكارا عليه وعلي ، فشعرت بالخجل وتصببت عرقا ،
فقلت يا هذا أتعرفني ؟ قال : لا .. قلت .. ألم تلاحظ جحوض عيني واصفرار وجهي وارتعاش أصابعي ، وأحذت أرتعش وأتصنّع المرض فقال : نعم . قلت إنّ بي مرضا خطيرا ومعديا .. واستخرجت ورقة من جيبي ، كتب عليها باللغة الإنجليزية ،
وقلت : انظر الطبيب نصحني بعدم الجلوس بجوار الآخرين ، حتى لايصيبهم مرضي . فأوجس في نفسه خيفة ،ونظر إليّ منزعجا وجمع أغراضه وولّى مبتعدا خوفا من العدوى .
فقلت : الحمد لله الذي كشف عنّي البلاء ، وواصلت سفري ولم ألاحظـه في عربات القطار البتـة .......
قصة قصيرة بقلم : أ.محمد علي العبدلي