بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه آجمعين
أما بعد :
فقد أصبح من الطبيعي-والله المستعان- أن ترى ممن يقبع على الكتب والقصاصات
تعالماً (1)واضحاً وأن يظن نفسه شيخاً يجب أن يبجل و تفتح له المجالات
بل لا تستغرب إن رأيته على أئمة العلم والدين بل على كل أحد يستدرك ويتعقب !!!
والويل لك إن خالفته أو أصبت في شيء أمامه وهو فيه قد أخطأ !
فذاك يومك الأسود !
قال الإمام الفقيه ابن عثيمين :بعض الناس يريد أن يجاري العلماء، ويماري السفهاء، ويجعل لنفسه منصباً،وكما يقول العوام: (خالف تذكر) وهذه مشكلة، هذا عمله حابط(2)
يا ويح من اتخذ التعالم سلماً ***لمآرب مشبوهة ومغانم
ترك الهدى وانبرى بضلاله ***يغوي ويفتن كل غر حالم
بالجهل والتضليل بات محدثاً***وكأنه أستاذ هذا العالم
لكن
العجيب أن ترى من لم يقرأ كتاباً (كصاحبنا السابق) بل تجده متلبس بمعاصي واضحات كحلق لحية وتدخين وطول إزار...إلخ
وزد على ذلك لا يحسن الوضوء ولا الصلاة
وفوق ذلك كله يتعالم ويفتي ويحلل ويحرم ويطلق ويقيد ويعمم ويخصص ولا يتورع عن مسألة واحدة !!!
وهذا الصنف وإن لم يكن خطره -من حيث الاغترار به- أكبر ممن أشرنا إليه (أعني أبا شبر(3))
فذاك (أبو شبر) شكله ولوكه بلسانه كلمات كقال الفقهاء وأجمع العلماء وهذا فيه نظر والمرسلُ أشبه ! وهذا راجح وذاك مرجوح !!
ساعده ذلك وغيره
على أن تلوى له أعناق كثير من الجهلاء وقد يظن فيه خيراً بعض الفضلاء
(وبعد قليل ينكشف الغطاء)
قال الشيخ بكر أبو زيد :(فهؤلاء -النازلون في ساحة العلم وليس لهم من عدّة سوى القلم والدواة والصحيفة المتعالمون من كلِّ من يدعي العلم وليس بعالم- شخصيّة مؤذية تتعاقب الشكوى منهم على ندى العصور، وتوالي النذر سلفاً وخلفاً..فهذا القطيع حقاً هم غول العلم، بل دودة لزجة متلبدة أسرابها في سماء العلم، قاصرةٌ عن سمو أهله، وامتداد ظلّه، معثرةٌ دواليب حركته حتى ينطوي الحق ويمتد ظل الباطل وضلاله فما هو إلا فجر كاذب وسهمٌ كاذب حسير)(4)
وقال الإمام الأوزاعي :(كان هذا العلم كريماً بملاقاة الرجال فلما صار في الكتب ، صرت تجده عند العبد والأعرابي)(5)
قلت :هذا الكلام قيل فيمن لامست أصابعه أوراق الكتب وحفظ أماكنها على الأرفف ! لكنه تعجل الشيء قبل أوانه ... فما بالك بالعامي ؟!
فهو (أي العامي) لا يتورع عن الكذب وقد يحلف وهو ينسب أقوالاً لبعض العلماء وهو لا شغل لديه إلا الجلوس للكلام والكلام والكلام ومن مجلس إلى أخر تراه يتنقل
ويخوض في مسائل يتوقف فيها كبار العلماء بل حتى أبا شبر متوقف فيها
أما هذا العامي فلا حاجز يمنعه ! ولا شيء يردعه
ويعارض برأيه "المحض" وذوقه الأدلة الشرعية ويدفع بصدورها دون حجة ولا برهان !
فينتج عما يفعل :
أناس قام دينهم على
[ يقولون ]
فكم من مرة نسأل بعضهم عن بعض الأخطاء التي يحسبونها ديناً من قال لكم ذلك ؟
الجواب: يقولون ! أو سمعت الناس قالوا !
فتكثر البدع والخرافات .
و لا حل لمنع هذا الجاهل جهلاً مركباً(والحل مناسب لأبي شبر أيضاً) إلا بتخويفه من الله وأن يتقيه
قال الإمام الفقيه ابن عثيمين :
فما أرى حلاً لهذا(أي التعالم) إلا تقوى الله عز وجل، ويعلم الإنسان أن
أي كلمة تصدر منه فهي مكتوبة، وأي كلمة يكون بها ضرر الناس فهو مسئول عنها وعليه إثمها وإثم من اتبعها(6).
___________________
1- وأعني من استقل بفهمه واستغنى بقراءته عن الأخذ عن العلماء والمشايخ ،قال العلامة الفوزان:فالتعالم معناه ادعاء العلم نتيجة للاقتصار على مطالعة الكتب ومثل هذا يقال له الجاهل المركب وهو الذي يجهل ولا يدري أنه جاهل بل يظن أنه هو العالم.
2-من سلسلة لقاءات الباب المفتوح.
3-فقد قيل : العلم ثلاثة أشبار من دخل في الشبر الأول تكبر ومن دخل في الشبر الثاني تواضع ومن دخل في الشبر الثالث علم أنه ما علم .
4-من كتاب التعالم للشيخ بكر رحمه الله .
5-سير أعلام النبلاء (7-114).
6- المصدر رقم 2.