كُنْ غَبْيَاً لـِ تَنجْو مِن حَقيقَة !!
:
القلوب الساهية :
التغابي برأيي :
هو فن التحايل على المعرفة والهروب من أزمة الواقع إلى غياهب الجهل !!
:
أستدرك في كثير من الأمور أنني لو تغابيت ( أي أدعيت الغباء ) ولم أفتش عن الحقيقة والمعرفة المجهولة لكنت حتماً أكثر راحة من حالة المعرفة التي تسكنني لتلك الأمور .. فعلمنا بأكثر مما يجب أن نعرفه في اعتقادي حالة مزرية تفضي بنا إلى احتمالات الجنون .. وهنا أريد أن أصادق على قول من يقول أن المجانين قد جنوا لأنهم عرفوا أكثر مما يجب أن يعرفوا في قوانين هذه الحياة أو في غيبيات أمور كانت تجهلهم بكل عذابها وأخطائها وصوابها لولا أنها قد نبشوا قبور المعرفة بحثاً عن أسرار أرادوا بها راحة فإذ بها تفضي بهم إلى عذاب أو جنون وأحياناً موت !!
امرأة .. طرقت باب الماضي لزوج حنون يحبها بجنون .. لكنها أرادت أن تعرف كل التفاصيل الدقيقة لحياته قبل أن يتزوجها ..! لا لشيء أكثر من رغبة تحرضها على الغوص في تفاصيل تجهلها بزعم أن ذلك يزيدها قرباً منه على الرغم من أنه لم يكن يوماً ما مقصراً فاكتشفت !!علاقة كانت تربطه بفتاة قبل أن يتزوجها ولم تتم الأمور ولم تشأ الأقدار أن يتزوجها !! هي الآن تدرك أن زوجها قد تناسى موضوع قد مر عليه سنوات وقد دفنته الحياة إلى الأبد .. بل أن لديها يقيناً بأن زوجها ما عاد يفكر بغيرها أبداً ولكن لأنها نبشت ظل هاجس الشك وغيرة الماضي تطاردها حتى أفسد ذلك الشك حياتها .. هذا لأنها حاولت أن تعرف أكثر من حدود ما هو متاح أمامها .. وهذا مثل بسيط تستطيع عزيزي القارئ أن تقيس عليه ما شئت من أمور أخرى تقود لذات المشكلة !!
كم يلزمنا من الغباء أحياناً ؟
كم يلزمنا من الجهل لنعيش الحياة برداً وسلاماً دون أن تعذبنا الحياة بإدراك يسندنا إلى جدار متهدم ؟!
الجهل بشيء ما نعمة أحياناً !!
أتذكر في هذا السياق رواية الكاتبة أحلام مستغانمي ذاكرة الجسد حين تحدثت عن بطل الرواية وشخصت المشكلة لديه بأنه كان يعرف أكثر مما يجب أن يعرف مما تسبب له في الكثير من الحزن والكثير من المشاكل .. وهذا تأكيد على أن خفايا الأمور أحياناً نعمة ليس إلا .. ويجب علينا أن لا نسترسل في البحث عن مفتاح أسرارها حتى لا تعيينا الحقيقة وتمنحنا صدمة ربما لا نتداوى منها ولو قضينا ردحاً من الزمن في التداوي بكافة الأشكال العلاجية !!
دائماً خلف المجهول ما لا يسرنا معرفته .. فلماذا نعيي أنفسنا في البحث عن حقائق ربما كان في اختبائها عن عقولنا نعمة لنا وخير من معرفتها ..؟ لماذا لا نعيش في رغد الجهل بالشيء بأن نقضي الوقت مع كافة أمورنا في حدود ما هو متاح للمعرفة فقط فلا نجتهد سوى في الحالات الضرورية والتي تحتاج أن نحسم فيها جدلاً ونعرف الحقيقة .. ألن يكون في ذلك راحة لذلك العقل المسكين الذي يفتش عن معرفة ما يلبث أن يجن بها ؟!
لا أدعو هنا إلى الجهل ..! ولكني أدعو إلى البقاء بسلام .. دون الحاجة لطرق أبواب تستر حقائق كان من الأفضل لها ولنا أن تبقى ردحاً من الزمن مختبئة حتى تنطفئ ..! وأن لا نحاول قراءة ما بين السطور وما كتب بالحبر السري .. إنها فلسفة جديدة ربما اكتسبتها حين عرفت في بضع أحيان أكثر مما يجب أن أعرف ..!
أيضاً تقول الكاتبة أحلام مستغانمي : ( إن كاتب يشرح روايته كأن تهدي هدية وتنسى السعر ملصقاً فوق العلبة )!! وهذا مثال يقاس عليه أن تعرف أكثر مما يجب أن تعرف .. فهدية تهدى إليك بلا شك سوف تسعدك وتساهم في ألمك إن نسى المهدي إليك سعر الهدية فوق تلك الهدية وذلك لأن هذا سيشعرك بأنه أراد بذلك المنة عليك بهذه الهدية حين يكون سعرها باهظ الثمن أو أن يقلل من حجمك حين يكون سعرها بخساً .. هذا على الرغم من إدراكنا أن الهدايا بقيمتها المعنوية طبعاً ولو أردت اقتباس عبارة أحلام مستغانمي هنا لتناسب هذا السياق من الحديث تماماً فسوف أقول : ( أن تهدى إليك هدية فهذا جميل جداً .. ولكن لا تبحث عن سعرها في المحال التجارية ! ) ..
حقاً .. أن المرتاح .. هو ذلك الذي يجهل صيغة الحقيقة حين تأتيه الأمور في قالب حياتّي جميل ..! ولكن أيضاً هذا لا يعني أن نقبل بوعاء الحياة المُهدى إلينا دون أن نفتح الوعاء لنعرف ما يحمله ذلك الوعاء المغطى !!
:
نافذة السهو :
لابد للضباب أن ينقشع وتتضح الرؤية .. فلماذا تستعجل خيبتك !!
لماذا تستعجل خيبتك .. هي أيضاً عبارة لأحلام مستغانمي ..!!
:
القَديرْ / ..نآي الحرف
......