أشرف إحسان فقيه
موظف "أرامكو" لا يحتاج الزيادة!
أشرف إحسان فقيه
أعرف أن مقالي هذه المرة سيثير ضجيجاً قد أكون في غنى عنه. لكن تجيير الاحترافية التي طالما اتسم بها موظفو (أرامكو السعودية) لصالح زيادة محدودة في رواتبهم هو أمر يستدعي وقفة لوضع النقاط على الحروف بمنظور يتجاوز المصلحة الشخصية ويتعداها للصالح العام.
الزيادة الأخيرة في أجور موظفي الدولة أطلقت ردات فعل تباينت بتباين المصالح. في غالب مناطق المملكة تمايلت الرؤوس في رضا وامتنان. لكن هنا في الشرقية.. وفي الظهران تحديداً، كان الكثيرون يتلقون الأخبار في ترقب وفي أسى. موظفو (أرامكو السعودية)، كبرى شركات النفط في العالم، تأثروا كثيراً لأنهم أُبلغوا أخيراً بعدم شمولهم في الـ 15 بالمائة السحرية.
لكن الزيادة في رواتب منسوبي القطاع العام والتي بدت كـ (عيدية) طال انتظارها، كانت في الواقع استجابة طبيعية، ومتأخرة، لعَرَض اقتصادي معروف اسمه التضخم. والراتب الذي رفض أن ينمو طيلة أكثر من عقدين صمد طويلاً في وجه هبّات ارتفاع أسعار الوقود والعقار وسعر العملة. تلك الـ 15 بالمائة جاءت لترحم كثيراً من البائسين الذين شكلت لهم الوظيفة الحكومية المريحة بمدخولها المضمون مفارقة مأزقية.
بعد الإعلان عن الزيادة الأخيرة ارتفعت الأصوات هنا وهناك تطالب بمعاملة منسوبي الشركات الكبرى التي نمت في حضن الدولة بالمثل. وكان موظفو (أرامكو) ضمن الحشد محتجين ومذكّرين بأن شركتهم لم تزل حكومية مائة بالمائة.. الدعوة التي لاقت صدى إيجابياً عند كتاب آخرين.. فلماذا يشذ هذا المقال ويدعو لحرمان (الأرامكاويين) من زيادة هي أقل ما يستحقونه على "انضباطهم الاستثنائي" كما تروج الدعايات؟!
في البدء ينبغي التذكير بأن نظام (أرامكو) ليس خاضعاً أصلاً لمواد الخدمة المدنية، وهو ما يدق المسمار الأول في نعش المطالبة بزيادتها. وبالرغم من أن التعديلات تتوالى على سلّم رواتب هذه الشركة بأسرع مما يجيد موظفو الحكومة حساب قيمة رواتبهم الجديدة، إلا أنها تعديلات جاءت، في نظر الكثيرين، لصالح السلّم وليس لصالح الموظف بمعنى أنها أثرت في النظام ولم تؤثر في من يُطبق عليهم. ولذا فهي تعتبر عند هؤلاء تعديلات غير ذات جدوى.
لكن مطالبة منسوبي (أرامكو) بمساواتهم مع موظفي القطاعات الحكومية الأخرى تقتضي إعادة النظر فيما يتمتعون هم به من ميزات. صحيح أن (أرامكو) تحفل بأمثلة للانضباط لو تم تعميمها في سائر دوائرنا الحكومية لأزحنا (النرويج) عن قائمة أكثر الدول رفاهاً.. لكن موظف (أرامكو) في الآن ذاته ليس كائناً خرافياً قادماً من كوكب آخر. إنه منّا وفينا، وهو الصديق والقريب الذي نعرف تماماً كيف يعيش وما هي مفردات نظام حياته. وبقدر ما تتواتر الأساطير عن (الأرامكاوي) المطحون الذي يقضي من يومه 11 ساعة تحت شمس لاهبة في دوام يحرمه من النوم ومجالسة أطفاله، تنتشر كذلك أخبار محترفي لعب (السوليتير) وقاطني غرف الدردشة ومديري المحافظ الاستثمارية بين نفس الموظفين.
الواقعيون من منسوبي الشركة ذاتها يقرون بأن (أرامكو) لم تعد بانضباطها السابق. هم يشيدون بوجود فئة منضبطة، وبقانون عمل صارم يطبقه عدد لابأس به من الموظفين الذين يكفلون استمرار النشاط الحيوي للشركة ومنتجها المتحكم بقلب العالم.
مع ذلك كله.. فإن أولئك الذين تمتد استراحات غذائهم للساعات الثلاث لا يجدر أن يشكلوا حُجّة لحرمان "الأغلبية المنضبطة" من علاوة يراها الكل مُستحقة، حتى مع الإقرار بتدهور مستوى الالتزام الوظيفي الذي يظل غير قابل للمقارنة بمعدل فاعلية الموظف السعودي والتي قدرتها دراسة دولية بربع ساعة في اليوم!
لكن موظف (أرامكو) ليس على كل ذاك القدر من البؤس في الواقع. والدعوة لإشراك هذا الموظف في ميزة الإضافة الأخيرة تذكرنا أيضاً بقائمة الميزات التي يتفوق بها (الأرامكاوي) على كل من سواه. هي تذكرنا بسهولة تحصله على منحة في مساحات شاسعة تستأثر بها شركته دون باقي سكان المنطقة بأسرها، وبأقساط بناء لا يمانع غيره في أن يقايضها بالـ15 بالمائة العتيدة. نحن نتكلم هنا عن شركة متكاملة تتيح لمنسوبيها وذويهم بدائل النقل الجوي المجاني، والتأمين الطبي الشامل في واحدة من أفضل مستشفيات المنطقة. ناهيك عن خيارات التدريب والترقية والابتعاث والسكن وما خلف الأسوار من المسطحات الخضراء وملاعب الغولف وغيرها وحوافز تبدأ بـ (بدل ضربة الشمس) وتنتهي بـ (شبتر 8). كل تلك المقارانات معقودة على فرض تساوي (الأرامكاوي) مع سواه في سلم الرواتب الأساسي.. فكيف بالحال والميزان المالي مائل في الأساس بشدة لصالح موظف شركة النفط العالمية؟!
المسألة إذاً ليست سباقا في كنز المال.. والزيادة لفئة مخصوصة من موظفي الدولة من شأنها أن تعيد التوازن المفقود بين فئاتهم. في الظهران أيضاً قبل سنوات تسلمت أول راتب أساسي لي كمعيد في الجامعة وكان مقداره 5335 ريالاً، أي ما يقل عن ثلثي راتب زميلي الذي اختار العمل في (التاور بلدنغ). عدد خانات هذا الرقم هي كما هي لم تتغير حتى بعد سنوات من الخدمة وترقية بدرجة كاملة وبعد شهادة ماجيستير من أمريكا.. بل وبعد زيادة الـ 15 بالمائة كذلك! صحيح أن الجامعة توفر لنا ميزات كثيرة لا يجدها غيرنا. لكن بالنظر لضغط العمل الذي يلقاه (الجادون) من أعضاء هيئة التدريس، وبالمقارنة مع أقراننا سناً وتأهيلاً، من دون إغفال عامل البهرج الاجتماعي الذي يفرضه الصيت الأكاديمي.. هل أستحق سخريتكم لو كشفت بأن (شائعة) زيادة الرواتب في حينها دفعت بعضنا ليتوقع مضاعفة سلّم منسوبي الجامعات بنسبة 100 بالمائة وفقاً لذلك كله؟!
الآن وفيما السوق تتفاعل مع الزيادة الأخيرة، فإن أي إعلان عن رفع رواتب (أرامكو) سيحيل الحياة الاقتصادية في الشرقية إلى جحيم يشعل أسعار كل شيء هنا بدءاً من حفاظات الاطفال إلى متر الأرض القفر! ومع تداعيات انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية و(التطورات) التي ستشهدها القطاعات الخدماتية الأخرى والتي كان (البريد) بمثابة رائدها، فإن لنا أن نتوقع مزيداً من الانتهاك لراتب الموظف الحكومي قد لا تكفي الزيادة الكريمة الأخيرة لتوقفه ولتجسر الفجوة بينه وبين ما يجده (الأرامكاوي) الكادح الذي ينصفه نظام متكامل يوفيه كامل حقوقه في مقابل بيروقراطية حكومية مترهلة ينقصها ومنسوبيها ما هو أكثر من 15 بالمائة.
*****************
تعليق......................
تقولون ليش مايجينا مطر وخير
شوفوا ها النوعيه من الناس فيها حقد وحسد اعوذ بالله منهم
على طاري الفقيه يقولون كرتون الدجاج الرتفع صحيح