هناك في الأفق الساكت البعيد، تتوسم أن تخلق مساحات جديدة للحياة!
هناك تتخيل أنك قادر على صنع طاقة جديدة، تتجاوز امكانات كل ما هو متوفر، أو حلمت أن يتوفر ذات يوم!
في الأفق الصامت يتراءى لك أنك تتسلق كل الجهات الأربع، وتطبع عليها ذاكرة أيامك القادمة!
هناك لك أن تحتد إن شعرت أنك لم تمارس الحياة ، ولم تستطعم ايقاعاتها الملونة!
ولن تتفجر لحظاتك تأملاً مسكوناً بك!
يقول أحدهم بما معناه إن الجمال ينبت دائماً على أطراف الأسئلة، وليس على أطراف ومداخل الأجوبة مهما كانت مفرداتها، وعبق كلماتها!
وهناك تفيض ملامح المكان بالأسئلة، بعضها يبدو أخضر وكأنه انعكاس لظلال تمتد بلا نهاية!
وبعضها يثير نفورك وتمردك، وينزع من ذاكرتك تلك الصورة التي اعتددت على الابقاء عليها!
وبعضها يزيد ألمك ويدفعك للوقوف على ذلك الجسر المفتوح والذي لا تقترب من نهايته مهما حاولت، ومهما تقدمت!
ميزة الأفق الصامت والممتد، أنه لا يُرى جيداً.
وأنه إدانة لمن يحاولون النظر تحت أقدامهم!
وإدانة لهؤلاء الذين اعتادوا أن يفتشوا عن أنفسهم لدى الآخرين وكأنهم المعنيون بهم!
عبثاً تحاول وأنت مسكون بهذه اللحظة الفارقة أن تغيب عنها، أو تغيبها، لكن مساحة المدى تحاصرك وتفتح أطياف ذلك الزمن الممتد بأفقه البعيد!
بلا أحلام هم كذلك.
تأكدوا أن الحياة ليس بها عالم أفضل، وليس بها سوى أفق مغلق!
بلا أحلام يستقبلون الأيام وقبلها الليالي ويودعونها!
مدنهم لا يمتلكونها، بل هي كما يشعرون مدن الآخرين!
ألوانهم غارقة في صور تزول كلما أُفرغت من إحساس أنهم من دون الآخر هم لا شيء!
بلا أحلام.. تجتذبه أحياناً ليتأمل الأفق البعيد، ويستقبله، ويحتضن جماله.. ولكن يؤكد لك أنه لا يرى شيئاً كما تراه، ولا يلمح أمامه إلا أفقاً مسطحاً خالياً من الملامح، ومشحوناً باللاشيء!
تبذّر وقتك لتتحدث معه عن عمق جمال الأفق الصامت، وإلهام بُعده وفتنة متابعته.
ينسل من الحديث الذي تطرحه ليقول لك إن ما تراه لا يراه، وإنك تسخر منه، أو تتفرغ لضياع وقته!
لا أفق مُشاهد! ولا ضوء يلمع، أو سيلمع فيراه،
ولا تاريخ سيكتب على أبواب هذا الأفق الذي تنفرد بمتابعته وحدك!
لا أمل ولا أحلام، بل شكاوى عديدة من هذا الطريق الممتد، ومن هذا الظلام الذي يعُم رغم شدة الضوء!
يتحول الحديث بينكما إلى هُلام!
لا ترتوي ولا تستعذب ما يقول!
ولا يتفهم، أو يذوب في قناعاتك!
يعود حيثما كان يمارس رتابة الحياة المعتادة، ويتداخل مع الأفق المغلق الذي أمامه وسيظل!
وتعود أنت مديناً لأفقك الصامت بلحظة الحياة المستطابة وبأحاسيس لا يمكن حصرها أو التصريح بها أو مناقشتها مع الآخر الذي يصر أن الأفق دائماً مغلق، ومسدود، وأن رداءة المناخ العام تحجب كل حلم، وطاقة، وأمل!