قال تعالى: ﴿وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ (النساء: من الآية 142).
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "يقول الله عز وجل يوم القيامة للمرائين إذا جازي العباد: أذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا: هل تجدون عندهم الجزاء" (رواه ابن ماجه، كتاب الزهد، باب: الرياء والسمعة).
عزيزي القارئ..
هل أحسست يومًا في أداء عملك: بنشاط وهمة، حينما يراك أحد، وتكاسل وضعف، حينما يراك أحد، وهل أديت يومًا عملك بإتقان وإجادة في حضور الآخرين، ولم تقم بهذا الإتقان، أو تجد هذه الإجادة، حينما تكون بمفردك؟
لو كان هذا أو شيء منه قد حدث، وشعرت بخزي داخلي، وتأنيب من ضمير!!
إذا كان هذا قد حدث!!
فأنت مريض.
فهل تريد أن تعرف وتتعرف على هذا المرض؟
لا تخجل..
قل: نعم، مرضاة لله تعالى!!
وهل إن عرفت، وتأكدت- لا قدر الله- أنك مريض: عندك الاستعداد للعلاج من هذا المرض، عن طريق (طب القلوب)؟
لا تخجل...
قل: نعم، مرضاة لله تعالى!!
حب الرجل أو المرأة أن يعرف الناس ما يقوم به ويفعله من الأعمال الصالحة، أو الأقوال الطيبة وذلك طمعًا في دنياهم أو فيما بأيديهم، أو طلبًا للمكانة والمنزلة عندهم.
وسواء أكانت هذه الأفعال الصالحة التي يقوم بها المرء، تقع أمام الناس، ويرونها بأعينهم، أو لا يرونها، ولكنها تقع بعيدًا عنهم، ثم يحدثهم بها رغبة في ثنائهم عليه أو حديثهم عنه (د. سيد نوح، آفات على الطريق1/171، 184، 180، 178، 179، 176)، وكذلك قد تكون هذه الأفعال أو الأقوال (الإمام الغزالي، إحياء علوم الدين3/367 وما بعدها (بتصرف)):
أ) في البدن: بإظهار النحول والصفار؛ ليوهم بذلك شدة الاجتهاد في الدين، والعمل للآخرة.
ب) في الزي والهيئة: بإبقاء أثر السجود على وجهه، وغلظ الثوب، وتقصيره؛ لتنصرف الأعين إليه.
ج) في القول: بالوعظ والتذكير، والنطق بالحكمة، لإظهار غزارة العلم.
د) في العمل: بطول القيام في الصلاة وإظهار الخشوع للفت النظر إلى صلاحه.
ه) في الأصحاب والزوار: بطلبه زيارة الكبار والصالحين له؛ ليبين للناس كثرة رواه، ومكانته عند القوم.
والمرائي: يكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل ويضاعف الجهد إذا كان ثناء، ويضعف عنه ويقل فيه إذا لم يكن هناك ثناء، أو كان عيبًا أو ذمًا.
ومخاطر الرياء تحل أوزارها بصاحبه في الدنيا والآخرة، على النحو التالي:
مخاطر في الدنيا:
1- عدم الإتقان في العمل:
ففي الحديث: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" (رواه البيهقي في شعب الإيمان، عن عائشة (أنظر جمع الجوامع للسيوطي1/184).
ومن المعلوم أن من يراقب الله تعالى، ويحاول دائمًا مرضاته، ويخلص له في السر والعلن وسيجتهد- قدر طاقته- في إتقان العمل الذي يقوم به، سواء كان هذا العمل دنيويًّا أو أخرويًّا.
ولأن المرائي لا يهتم بذلك، فليس عنده ضرورة لإتقان ما يقوم به، إلا بالقدر الذي يحقق له غايته عند الناس أو مقصده منهم، يقول تعالى عن المنافقين: ﴿وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ (النساء: من الآية 142).
كما أن الخلق مهما كانت طاقتهم وإمكاناتهم، عاجزون عن المتابعة في كل بيئة وفي كل وقت، وفي كل ظرف أو ملابسة؛ لذا فإن عجزهم هذا ينتهي بالمرائي أو بالمسمع إلى إتقان العمل، الأمر الذي يفقده ثقة الناس، ويكون بذلك قد ضيع نفسه من حيث أراد مصلحتها أو منفعتها، وصدق الحق تبارك وتعالي إذ يقول: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ (فاطر: من الآية 43).
2- بطلان العمل:
ذلك أن الحق سبحانه مضت سنته في خلقه ألا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا له، وابتغي به وجهه: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ (الكهف: من الآية 110).
والمرائي جعل لنفسه وللناس حظًّا من عمله، وأني لذلك أن يقبل الله منه عملاً، أو أن يثيبه عليه؟ وصدق الله: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)﴾ (طه).
﴿وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ﴾ ( الحج: من الآية 18).
وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازي العباد بأعمالها: أذهبوا إلى الذي كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا: هل تجدون عندهم الجزاء" (رواه ابن ماجه ك/ الزهد باب الرياء والسمعة، وأحمد في المسند 5/428).
3- قسوة القلب:
ذلك أن الرياء عقد صاحبه عن الإخلاص لله في قوله وعمله، ويبعده عن التعرض لهداية الله- سبحانه وتعالى، ويفرط بالتالي في الشهوات ويجعله عبدًا لأهوائه، كما أنه يورثه كسلاً، وتراخيًا إن لم يكن امتناعًا، عن فعل الخير نهائيًّا.
وبالتالي يصاب بظلمة القلب وقوته على من لا يرائيهم بأفعاله وأقواله؛ ولذلك رأى عمر رضي الله عنه، رجلاً يطاطئ، فقال له: يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرقاب، إنما الخشوع في القلوب (الإمام الغزالي، إحياء علوم الدين 3/367 وما بعيدها (بتصرف)).
ومن هنا إذا خلت القلوب من الخشية سكنتها القسوة.
4- نزع الهيبة من قلوب الناس
ذلك أن الله وحده هو الذي يملك غرس هذه الهيبة في قلوب من يشاء من عباده، بيد أن ذلك مرهون بتقديم الإخلاص بين يدي كل سلوك أو تصرف، والمرائي أو المسمع أضاع هذه الرهينة، فضيع الله عليه الهيبة، ونزعها من قلوب الناس، فصار هينًا عليهم: ﴿وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ﴾ ( الحج: من الآية 18).
ولقد وعى السلف ذلك، فكانوا أحرص الناس على خلاص العمل لله، حتى تبقى هيبتهم ومكانتهم مستقرة في الصدور أو في القلوب، والأخبار الواردة عنهم في ذلك أكثر من أن تحصي، وحسبنا منها ما أوصى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا موسى الأشعري؛ إذ قال له: "من خلصت نيته، كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس".
وما أثر عن الحسن البصري من كثرة مجاهدته لنفسه بالليل، والناس نيام ثم محاولة إخفاء ذلك عنهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، حتى هابه ذو السلطان والجاه.
فقد ناله من الحجاج- ذات مرة- لظلمه وطغيانه، فوجه الحجاج بعض شرطه، وأمرهم أن يأتوه به ليقتله وما هو إلى قليل وجاء الحسن، فشخصت نحوه الأبصار ووجفت عليه القلوب وأقبل على الحجاج وعليه جلال المؤمن، وعزة المسلم، ووقار الداعية، فلما رآه الحجاج على حالته هذه هابه أشد الهيبة وقال له: ها هنا يا أبا سعيد، ها هنا، ثم ما زال يوسع له ويقول: ها هنا والناس ينظرون إليه في دهشةٍ واستغراب، حتى أجلسه الحجاج، وجعل يسأله عن بعض أمور الدين، والحسن يجيبه كل مسألة بجنان ثابت وبيان ساحر، وعلم واسع، فقال له الحجاج، أنت سيد التابعين يا أبا سعيد ثم أذن له بالعودة إلى بيته معززًا مكرمًا (د. عبد الرحمن الباشا، صور من حياة التابعين ص 17-27 (باختصار)).
5- أعراض الناس عنه وعدم التأثر به:
ذلك أن القلب هو محل التأثر من الإنسان، والقلوب بيد الرحمن يقبلها كيف يشاء ومن رأى أو سمع بعمله، فقد قطع ما بينه وبين الله، وأنى لذلك أن يمنحه الله إقبالاً من الناس أو تأثيرًا فيهم، لذا تراه إذا تكلم لا يسمع وإذا عمل لا يحرك، والحوار التالي يكشف لنا عن حقيقة ذلك بجلاء ووضوح (د. سيد نوح، آفات على الطريق 1/171، 184، 180، 178، 179، 173، 176).
كان عمر بن هبيرة الفزاري واليًا على (الكوفة والبصرة) في عهد الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك، وكان يزيد يرسل إليه بالكتاب تلو الكتاب، ويأمره بإنفاذ ما في هذه الكتب، ولو كان مجافيًا للحق أحيانًا فدعا ابن هبيرة كلاًّ من الحسن البصري وعامر بن شراحبيل المعروف بالشعبي، يستفتيهما في ذلك، وهل له من مخرج في دين الله؟ فأجابه الشعبي جوابًا فيه ملاطفة للخليفة، ومسايرة للوالي، والحسن ساكت، فالتفت عمر بن هبيرة إلى الحسن، وقال: ما تقول أنت يا أبا سعيد، فقال: يا ابن هبيرة، خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، وأعلم أن الله عز وجل يمنعك من يزيد، وأن يزيد لا يمنعك من الله يا ابن هبيرة: إنه يوشك أن ينزل بك ملك غليظ شديد لا يعصي الله ما أمره، فيزيلك عن سريرك هذا، وينقلك من سعة قصرك، إلى ضيق قبرك حيث لا تجد هناك يزيد، وإنما تجد عملك الذي خالفت فيه رب يزيد، يا ابن هبيرة إنك إن تك مع الله تعالى، وفي طاعته، يكفيك بائقة يزيد بن عبد الملك في الدنيا والآخرة، وإن تلك مع يزيد بن عبد الملك في معصية الله تعالى، فإن الله يكلك إلى يزيد، وأعلم يا ابن هبيرة أنه لا طاعة للمخلوق كائنًا من كان في معصية الخالق عز وجل، فبكي عمر بن هبيرة حتى بللت دموعه لحيته.
ومال عن الشعبي إلي الحسن، وبالغ في إعظامه وإكرامه.
فلما خرجا من عنده توجها إلى المسجد، فاجتمع عليهما الناس، وجعلوا يسألونهما عن خبرهما مع أمير العراقيين، فالتفت الشعبي إليهم وقال: أيا الناس من استطاع منكم أن يؤثر الله عز وجل على خلقه في كل مقام فليفعل فوالذي بيده ما قال الحسن لعمر بن هبيرة قولاً أجهله ولكني أردت فما قاله وجه الله، فأقصاني الله من ابن هبيرة وأدناه منه، وحببه إليه (د. عبد الرحمن الباشا، صورة من حياة التابعين ص 17-27 (باختصار)).
6- حرمان المرائي من الهداية:
ذلك أن الله عز وجل هو وحده الذي يملك الهداية والتوفيق (د. سيد نوح، آفات على الطريق 1/171، 184، 180، 178، 179، 173، 176)، وهو وحده الذي يمن بهما على من يشاء، ويمنعهما ممن يشاء، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، وقد مضت سنته، وجرى قضاؤه أنه لا يمنحها إلا لمن علم منه الإخلاص، وصدق التوجه إليه: ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾ (الرعد: من الآية 27)، ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ (الشورى: من الآية 13).
والمرائي أو المسمع، بدد هذا الإخلاص، وضيع ذلك الصد، فأنى له الهداية والتوفيق؟ وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (الصف: من الآية 5).
7- يصاب المرائي بالضيق والاضطراب النفسي:
ذلك أن المرائي أو المسمع (1)، إنما يفعل ما يفعل طلبًا لمرضاة الناس، وطمعًا فيما بأيديهم، وقد يحول قضاء الله وقدره دون تحقيق ذلك، نظرًا لأن الأمور عنده سبحانه تجري بالمقادير: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ (الرعد: من الآية 8).
وحينئذ يعتريه الضيق والاضطراب النفسي، فلا هو الذي حظي برضى الله عز وجل، ولا هو بالذي حصل ما كان يؤمله ويرجوه من الناس: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ (طه: من الآية 124). ﴿وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ (الجن: من الآية 17).
8- تهديد المولى عز وجل للمرائين:
يقول تعالي ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ (6)﴾ (الماعون).
ويقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ﴾ (البقرة: من الآية 264).
ويقول سبحانه: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)﴾ (الأنفال).
ويقول صلى الله عليه وسلم: "من سمع، سمع الله به، ومن يراء يراء الله به" (متفق عليه).
وأما مخاطرة في الآخرة فهي على النحو التالي:
9- الفضيحة في الدنيا وعلى رءوس الأشهاد يوم القيامة.
ذلك أن المرائي أو المسمع إنما يقصد بعمله هذا خداع غيره؛ ليعطيه هذا الغير زمامه وليسلم إليه قيادة، ويأبى الله عز وجل ذلك نظرًا لما يمكن أن يصنعه هذا المرائي أو هذا المسمع في إفساد في الأرض، وإهلاك للحرث والنسل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)﴾ (البقرة).
لذا فإنه يفضحه في الدنيا ولو بعد حين حتى يحذره الناس، ولا يغتروا به، أما في الآخرة فإن الفضيحة تكون مزيدًا من الانتقام والعذاب.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سمع، سمع الله به" (رواه البخاري، ك: الزقاق، باب: الرياء والسمعة ومسلم، ك: الزهد، باب: من أشرك في عمله).
كما جاء التصريح به في قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص، وقد سأله عن الجهاد والغزو، "يا عبد الله بن عمرو، إن قاتلت صابرًا محتسبًا، وإن قاتلت مرائيًا مكاثرًا، بعثك الله مرائيًا مكاثرًا، يا عبد الله بن عمرو، على أي حال قاتلت أو قتلت بعثك الله على تلك الحال" (رواه أبو داود، ك الجهاد، باب: من قائل لتكون كلمة الله هي العليا).
وأخيرًا، فإن من حبط عمله على النحو الذي قدمنا، ليس له من جزاء إلى العذاب الشديد في الآخرة، ولذلك العذاب صور أبرزها صورتان:
الأولى: أنه أول من تسعر بهم النار، فإن وقودها كما قال الله في كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ (التحريم: من الآية 6).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمته فعرفها، فقال ما علمت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم، وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم، وعلمته، وقرأت فيك القرآن قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال إنك عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي به في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به، فعرفه نعمته فعرفها، قال: فما علمت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال: هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي به في النار" (رواه مسلم ك: الإمارة باب من قائل الرياء والسمعة، والنسائي، ك: الجهاد، باب: من قال ليقال.. إلخ).
الأخرى: الإلقاء في النار بحيث تخلع مفاصله، وتفكك أوصاله، وتسقط أمعاؤه، ويدور بها على مشهد ومرأى من أهل النار جميعًا.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤتي بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهل النار، فيقولون يا فلان، مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت أمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيته" (رواه مسلم، ك: الزهد، باب: عقوبة مَن يأمر بالمعروف ولا يفعله..).
أولهم: المنافقون:
حيث إنهم يظهرون خلاف ما يبطنون ﴿يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ (النساء: من الآية 142).
ويقول تعالي: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (143)﴾ (النساء).
وما ذلك إلا أنهم ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ (16)﴾ (البقرة).
ثانيهم: الحريصون على الدنيا ومكاسبها.
عن وهب بن منبه، قال: نصب رجل من بني إسرائيل فخًّا فجاءت عصفورة، فنزلت عليه، ثم قالت: ما لي أراك منحنيًا؟
قال: لكثرة صلاتي أنحنيت، قالت: فما لي أراك بادية عظامك؟
قال: لكثرة صيامي بدت عظامي.
قالت: فما لي أرى هذا الصوف عليك.
قال: لزهدي في الدنيا لبست الصوف.
قالت: فما هذه العصا عندك.
قال: أتوكأ عليها، وأقضي بها حوائجي.
قالت: فما هي الحبة في يدك؟
قال: قربان، إن مر بي مسكين تصدقت به عليه.
قالت: فإني مسكينة.
قال: فخذيها.
فدنت فقبضت على الحبة، فإذا الفخ في عنقها.
فصارت تقول: لا يغرني ناسك مراء بعدك أبدًا.
كما يحكي أن رجلاً من بني إسرائيل صاد قبرة،
فقالت: ما تريد أن تصنع بي؟
قال: أذبحك وآكلك
قالت: والله ما أشفي من قرم ولا أفني من جوع، ولكني أعلمك ثلاث خصال، هي خير لك من أكلي.
أما الواحدة: فأعلمك إياها وأنا في يدك، والثانية: إذا صرت على هذه الشجرة، والثالثة إذا صرت على هذا الجبل.
فقال: هاتِ الأولى
قالت: لا تتلهفن على ما فاتك
فخلى عنها، فلما صارت فوق الشجرة قال: هات الثانية.
قالت: لا تصدقن بما لا يكون أنه يكون.
ثم طارت فصارت على الجبل
فقالت: يا شقي، لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درة- ذهبًا، وزنها عشرون مثقالاً (ألف جرام مثلا)
قال: فعض على شفتيه وتلهف.
ثم قال: هات الثالثة
قالت له: أنت قد نسيت الاثنتين فكيف أعلمك الثالثة.
ألم أقل لك لا تتلهفن على ما فاتك؟
فقد تلهفت على إذ فتك.
الم أقل لك: لا تصدقن بما لا يكون أنه يكون، فصدقت، ونسيت أن عظمي وريشي لا يزن عشرين مثقالاً (ألف جرام مثلاً) فكيف يكون في حوصلتي ما يزنها؟ (ابن عبد ربه، العقد الفريد 3/67).
وهذا شأن الحريص على الدنيا، لا ينال ما يريد، ولا يحافظ على ما يملك.
ثالثهم: المحبون للمديح والثناء
ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول الناس يقضي عليه يوم القيامة رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمته فعرفها، فقال لك ما علمت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم، وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال إنك عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي به في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به، فعرفه نعمته فعرفها قال: فما عملت فيها، قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال كذبت ولكنك فعلت ليقال: هو جواد فقال قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي به في النار" (رواه مسلم).
فنعوذ بالله من الخذلان، ونعوذ به من الضلال والخسران يوم العرض عليه.
ومما جاء على لسان السلف الصالح، ورحمهم مما يذم الرياء، أن أبا أمامة رضي الله عنه أتي على رجل وهو في المسجد، وهو ساجد يبكي ويدعو، فقال: أنت، أنت لو كان هذا في بيتك.
وسأل رجل سعيد بن المسيب، فقال: إن أحدنا يصطنع المعروف يحب أن يحمد ويؤجر، فقال له: أتحب أن تمقت؟، قال: لا، قال: فإذا عملت لله عملاً فأخلصه (الإمام الغزالي، إحياء علوم الدين 3/367 وما بعدها (بتصرف)).
وعن بن عيينة قال: بكي ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ المعروف بربيعة الرأي، يومًا فقال: ما يبكيك؟ قال: رياء حاضر، وشهوة خفية، والناس عند علمائهم كصبيان في حجور أمهاتهم، إن أتمروهم ائتمروا، وإن نهوهم انتهوا (نزهة الفضلاء 1/523).
وغير ذلك مما يكثر عنهم- رحمهم الله؛ مما يدل على صفاء قلوبهم ونقاوتها، حسن نياتهم مع خالقهم- جل وعلا (انظر رائد فؤاد، الأمراض القلبية 97).
أسبابه عديدة، ولكن معرفتها مفيدة، نعم مفيدة في العلاج، ومفيدة للوقاية ونتعرف لبيان بعضها على النحو التالي (د. سيد نوح، آفات على الطريق 1/171، 184، 180، 178، 179، 173، 176):
1- النشأة الأولى:
إذا قد ينشأ الولد في أحضان بيت دأبه وديدنه الرياء أو السمعة، فما يكون هناك إلا التقليد والمحاكاة وبمرور الزمن تتأصل هذه الآفة في نفسه، وتصبح وكأنهما هي جزء لا يتجزأ من شخصيته، ولعل هذا هو السر في وصية الإسلام بأن يكون الدين هو أساس اقتران الرجل بالمرأة.
إذ يقول صلى الله عليه وسلم: "فاظفر بذات الدين تربت يدك" (رواه أبو داود، ك: النكاح باب: ما يمربه من تزويج ذات الدين، والترمذي، ك: النكاح ن باب: ما جاء أن المرأة... الخ، وابن ماجة، ك: النكاح، باب: تزويج ذات الدين).
ويقول صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه" (رواه الترمذي ك: النكاح باب ما إذا جاءكم من ترضون دينه، فزوجوه، وقال: هذا حديث حسن غريب).
2- الصحبة أو الرفقة السيئة:
وقد تحتويه صحبة أو رفقة سيئة، لا هم لها إلا الرياء أو السمعة، فيقلدهم ويحاكيهم، لا سيما إذا كان ضعيف الشخصية، شديد التأثر بغيره، وبتوالي الأيام يتمكن هذا الداء من نفسه، ويطبعها بطابعه، وذلك هو سر ما قدمناه فيما مر من آفات، من ضرورة أن تكون الصحبة طيبة تحترم شرع الله وتعمل به.
3- الرغبة في الصدارة أو المنصب.
وقد تدفع الرغبة في الصدارة أو في المنصب إلى الرياء أو السمعة، حتى يثق به من بيدهم هذا الأمر، فيجعلوه في الصدارة أو يبثوه المنصب ولعل ذلك هو السر في تأكيد الإسلام على اختيار أو ابتلاء الناس قبل الوثوق بهم، أو الركون إليهم لا سيما إذا كانوا على حال تدعو إلى ذلك؛ إذ يقول الله عز وجل ﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ (النساء: من الآية 26)، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ﴾ (الممتحنة: من الآية 10).
4- الطمع فيما بين أيدي الناس:
وقد يحمله الطمع فيما بين أيدي الناس، والحرص على الدنيا على الرياء أو السمعة ليثق به الناس، وترق قلوبهم له فيعطنه ما يملا جيبه، ويشبع بطنه، وفي سؤال الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: "والرجل يقاتل للمغنم" (جزء من حديث أخرجه البخاري في صحيحه، ك: الخمس، باب: من قائل للمغنم، الخ، ومسلم، ك: الإمارة، باب: من قائل لتكون كلمة الله هي العليا).
5- إشباع غريزة حب الثناء من الناس:
وقد يدعوه حب المحمدة، أو الثناء من الناس إلى الرياء فتنتفش نفسه، وتنتفخ بذلك والعياذ بالله.
6- إظهار الآخرين إعجابهم به وبما يصدر عنه من أعمال:
وقد يكون إظهار الآخرين إعجابهم به وبما يصدر عنه من أعمال، هو الباعث على الرياء أو السمعة، كي يكون هناك مزيد من هذا الإعجاب، وحتى يحمي الإسلام البشر من هذا الداء، من إبراز هذا الإعجاب، فإن كان ولا بد فليكن معه الاحتراز الحيطة بأن يقول: أحسب فلانًا كذا، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحد (رواه البخاري ك: الأدب، باب ما يكون من النماذج، ومسلم، ك: الزهد باب: النهي عن المدح).
7- الخوف من قالة الناس ولا سيما الأقران:
وقد يكون الخوف من قالة الناس، ولا سيما الأقران، هو الباعث على الرياء أو السمعة، حتى يظهر أمامهم بنفسه أنتهك محارم الله: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)﴾ (النساء).
8- الجهل أو الغفلة عن العواقب أو الآثار الناجمة عن الرياء أو السمعة:
وأخيرًا قد يكون الجهل أو الغفلة عن العواقب أو الآثار الناجمة عن الرياء أو السمعة هي السبب في مراءاة الناس أو تسميعهم؛ فإن من جهل أو غفل عن عاقبة شيء ما، لا سيما إذا كانت هذه العاقبة ضارة، تعطي هذا الشيء ولازمه، حتى يصير خلقًا له.
والطريق لعلاج الرياء أو السمعة تتلخص في (د. سيد نوح، آفات على الطريق 1/ 186- 188):
1- تذكر عواقب الرياء أو السمعة الدنيوية والأخروية، على النحو الذي قدمنا أنفًا، فإن ذلك له أثر كبير في تحريك القلوب، لمن كان له قلب أو القي السمع وهو شهيد، ثم إقلاعها عن تلك الآفة، أو عن هذا الداء الخطير.
2- ترك صحبة المعروفين بالرياء أو السمعة، ثم الارتماء في أحضان المخلصين الصادقين؛ فإن ذلك له دوره في إقلاع النفس عن هذه الآفة، حتى تبرأ منها تمامًا.
3- مجاهدة النفس؛ حتى تهذب من الغرائز التي تملي على الإنسان الرياء أو السمعة، والتي من جملتها الرغبة في الصدارة أو المنصب، وكذلك الطمع فيما في أيدي الناس، وحب الثناء أو المحمدة.
4- الالتزام بآداب الإسلام في المعاملة فلا علو في الاحترام والتقدير ولا إهمال ولا تقصير وإنما هو الأمر الوسط، وخير الأمور أوسطها.
5- الوقوف على أخبار المرائين، ومعرفة عواقبهم فإن ذلك مما يساعد على تجنب هذا الداء، أو هذه الآفة؛ لئلا تكون العاقبة كعاقبة هؤلاء.
6- دوام النظر والسماع للنصوص المرغبة في الإخلاص، والمحذرة من الرياء؛ فإن بداية الإقلاع عن الأخطاء والالتزام بالصواب تكون بوضوح الرؤية، ودقة التصور؛ إذ من جهل شيئًا عاداه، كما قال: عز وجل: ﴿بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه﴾ (يونس: من الآية 39).
7- محاسبة النفس أولاً بأول؛ للوقوف على عيوبها، ثم التخلص من هذه العيوب.
8- اللجوء التام إلى الله، والاستعانة به؛ فإن من لجأ إلى الله واستعان به، وكان صادقًا في ذلك، أيده الله، وأعانه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خبط ذات يوم فقال: "أيها الناس، اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفي من دبيب النمل، فقال له من شاء أن يقول: وكيف نتقيه، وهو أخفي من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم، إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه" (الإمام أحمد في المسند).
9- التذكر بأن كل شيء يجري في هذا الكون بقضاء وقدر: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)﴾ (الحديد)، وأن الخلق مهما كانت قوتهم، ومهما كانت سلطانهم؛ فإنهم عاجزون عن أن يجلبوا لأنفسهم نفعًا، أو يدفعوا عنها ضرًا، فضلا عن أن يملكوا هذا لغيرهم: ﴿إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا﴾ (الجاثية: من الآية 19).
/