التحذيـــــر من شر الحـــــرص

[عطاالله العتيبي]

بسم الله الرحمن الرحيم

عن كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه " قال الترمذي حسن صحيح .

وفي لفظ آخر عن جابر رضي الله عنه : " ما ذئبان ضاريان باتا في غنم غاب رعاؤها بأفسد للناس من حب الشرف والمال لدين المؤمن " .

مثل عظيم جدا ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لفساد دين المسلم بالحرص على المال والشرف في الدنيا وأن فساد الدين بذلك ليس دون فساد الغنم بذئبين جائعين ضاريين باتا في الغنم قد غاب عنها رعاؤها ليلا فهما يأكلان في الغنم ويفترسان فيها ومعلوم أنه لا ينجو من الغنم من فساد الذئبين المذكورين والحالة هذه إلا قليل .

فوائد الحديث /

1- لا يسلم دين المسلم في حال حرصه على المال والمنصب إلا قليل .
2- مثل عظيم يتضمن التحذير من شر الحرص على المال والمنصب الدنيوي .
3- الحرص نوعان : شدة محبة المال و من ثم شدة طلبه من وجوهه المباحة مع الجهد والمشقة ولو لم يكن في شدة حرصه على المال إلا تضييع العمر الشريف الذي لا قيمه له لكفى وقد كان يمكن لصاحبه اكتساب الدرجات العلى والنعيم المقيم فضاع بالحرص في طلب رزق مضمون .

4- ما جمعه الحريص على المال والذي لا يأتيه إلا ما قدر الله له قد لا ينتفع به بل يرتحل عنه فيبقى حسابه عليه ونفعه لغيره فيجمع لمن لا يحمده ويقدم على من لا يعذره .

ومن ينفق الأيام في جمع ماله .. .. مخافة فقر فالذي فعل الفقر

5- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " اليقين ألا ترضي الناس بسخط الله ولا تحسد أحدا على رزق الله ولا تلوم أحدا على مالم يؤتك الله فإن الرزق لا يسوفه حرص حريص ولا يرده كراهة كاره فإن الله بقسطه جعل الروح والفرح في اليقين والرضى وجعل الهم والحزن في الشك والسخط "

6- الحرص نوعان : حرص نافع و حرص فاجع .. الحرص النافع الحرص على طاعة الله والحرص الفاجع حرص المرء على الدنيا فإذا كان حرصه على الدنيا يمنع الحقوق الواجبة و يطلبه من الوجوه المحرمة فهذا هو الشح المذموم قال تعالى : " ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " وقال صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن عمر : " اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم " رواه أبو داود .

7- حرص المرء على المناصب فيه هلاك للنفس وهو أشد هلاكا من حرصها على المال فإن طلب شرف الدنيا والرفعة فيها والرئاسة على الناس والعلو في الأرض أضر من طلب المال .

8- طلب الرئاسة والعلو في الغالب يمنع خير الآخرة وشرفها وعزتها قال تعالى " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين "

9- غالبا أن من طلب الرئاسة و المكانة الدنيوية بنفسه لا يوفق بل يوكل إلى نفسه كما قال صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة " لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها "

10- من الثمرات السيئة على الحرص على المكانة الدنيوية الكبر و الظلم قال صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى : " الكبرياء ردائي والعظمة إزاري من نازعني فيهما عذبته "

11- و من الحرص النافع السعي في طلب الرزق من وجوهه المباحة والاستعانة به على طاعة الله ومرضاته وعدم الاشتغال به عن ذكر الله لقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (9) سورة المنافقون

وفي الحديث " نعم المال الصالح للرجل الصالح "

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين