ظلك ولا ظل غيرك !
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم
أيها الإخوة الكرام ، الموضوع عن الأخلاق المذمومة انطلاقاً من قول سيدنا حذيفة رضي الله عنه حينما قال : ((كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ أقع فيه )) .
[ متفق عليه ]
من الأخلاق المذمومة : الإمّعة :
لذلك الخلق المذموم اليوم أن يكون الإنسان إمعة ، وإمعة مصطلح نبوي ، وسوف نمضي في الحديث عن هذا الخلق المذموم .
1 – تعريف الإمعة :
تعريف هذا الخلق الاصطلاحي : الإمعة الذي لا رأي له ، مع كل الناس ، ومع كل الاتجاهات ، أي أنه منافق ، ومصلحته فوق كل شيء ، يجامل الناس جميعاً ، لا ينطوي على مبدأ ولا على قيمة ، مع الناس ، ، بل مع مصلحته ، يتلون كالحرباء ، إن جلس مع أهل الإيمان قال آمنت معكم :
وذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً .
قيمة الإنسان بمبدئه .
2 – الإمعة شخص يُشترَى ويباع :
إخواننا الكرام ، بالتعبير المتداول الإمعة يشترَى بأبخس الأثمان ، لكن صاحب المبدأ لا يشترى و لا يباع ، لا تؤثر فيه سبائك الذهب اللامعة و لا سياط الجلادين اللاذعة ، أحد أحدٌ ،
لذلك من الصعب جداً أن تشتري إنساناً صاحب مبدأ ، لا يلين ، و لا يقبل بأنصاف الحلول ، و لا يباع ، و لا يشترى ، رجل مبدأ ، رجل المبدأ إنسان عظيم ، و رجل المصلحة إنسان تافه يعبد مصلحته من دون الله ، مع هؤلاء و مع هؤلاء ، مذبذب لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء ، هو مع مصلحته الحقيقية ، لذلك من أشد هذه الأخلاق انحطاطاً أن يكون الإنسان إمعة .
هل تصدقون أن شاعراً يدخل السجن ببيت قاله في إنسان ، وعدّه العرب في الجاهلية أهجا بيت قالته العرب ، ولا أبالغ إذا قلت لكم : إن هذا البيت هو اليوم شعار كل إنسان ، البيت :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها و اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
مادام معك مال فدعك من الناس ، و لا يعنيك أمرهم ، و لا تأسف على ما حلّ بهم ، المهم أن تعيش أنت في بحبوحة :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها و اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
و من أخطر الأمراض النفسية أن يشيع النفاق في المجتمع ، و أن يشيع في المجتمع عبادة الذات ، يعبد ذاته ، إذاً هو مع القوي ، و لو تبدل الأقوياء مع القوي الحالي ، و مع القوي القادم ، لأنه يعبد ذاته من دون الله هذا هو الإمعة .
3 – الإمعة شخص ليس له استقلالية الرأي :
الإمعة هو الذي لا رأي له ، فهو يتابع كل أحد على رأيه ، يجلس مع منكري الدين معكم الحق الدين خرافة ، الدين أفيون الشعوب ، الدين ضبابيات ، الدين حلم لا معنى له ، يجلس مع أهل الإيمان الإنسان بلا إيمان لا قيمة له ، هو نفسه يقول هذا ، و يقول هذا ، سمِّه منافقاً ، سمِّه متلوناً ، سمِّه وصولياً ، سمِّه منحرفاً ، سمِّه يعبد ذاته ، سمِّه إنسان مصلحة ، إنسان شهوة ، إنسان بلا مبدأ ، و من أخطر الأمراض التي تصيب الأمة أن يكون الناس هكذا .
البحتري شاعر تروي سيرته أنه مدح عشرات الخلفاء ، و ذمهم جميعاً ، يأتي فيمدحه ، وينصرف يذمه ، هذا شأن الإمعة ، شأن الذي لا رأي له
إذاً : الإمعة هو الذي لا رأي له ، فهو يتابع كل أحد على رأيه ، و قيل : هو الذي يقول لكل الناس : أنا معك .
تروى طرفة : أن إنساناً صار قاضياً ، فجاءه متخاصمان ، تكلم الأول كلاماً مقنعاً ، قال له : و الله معك حق ، فلما تكلم الثاني أيضاً قنع بكلامه ، وقال له : أنت أيضاً معك حق ، وكانت زوجته وراء الستار ، فقالت له : ما هذا الحكم ؟ قال لها : والله أنت أيضاً معك حق ، هذا هو الإمعة لا رأي له .
الحديث الشريف عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( لا تكونوا إمعة ، تقولون : إن أحسن الناس أحسنا ، و إن ظلموا ظلمنا ، و لكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، و إن أساؤوا فلا تظلموا )) .
[ الترمذي ]
فطر الإنسان على حب العدل .
((لا تكونوا إمعة ، تقولون : إن أحسن الناس أحسنّا ، و إن ظلموا ظلمنا ، و لكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، و إن أساؤوا فلا تظلموا )) .
شيوع الإمعة في هذا الزمان :
أيها الإخوة الكرام ، أرجو ألا أبالغ ، لكن هذا النمط أصبح شائعاً ، تقول له : لم تفعل هذا ؟ يقول لك : هكذا الناس ، لم تعطي هذا الأجر القليل ؟هكذا يعطي الباقون هذا الأجر ، أليس بإمكانك أن ترفع هذا الأجر فتكون قدوة لمن يعطون من معهم أبخس المبالغ ؟ ممكن ، لماذا تحتج بالخطأ ، و لا يُحتج بك على صواب ؟ لماذا تحتج أنت بالخطأ ، و لا تتمنى أن يحتج الناس بك إذا كنت على صواب ؟ ل :ذلك عن مرداس الأسلمي رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم
(( يذهب الصالحون الأول فالأول ، و يبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر ، لا يباليهم الله بالة )) .
[ البخاري ، أحمد ، الدارمي]
إنسان شهواني ، كاذب ، منافق ، مصلحته فوق كل شيء ، يتلون مئات الألوان ، يساير كل الناس ، محسنهم و مسيئهم ، يشايع كل الناس ، مثل هذا الإنسان هو الإمعة الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم :
(( يذهب الصالحون الأول فالأول ، و يبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر ، لا يباليهم الله بالة )) .
مليار و خمسمئة مليون يتربعون على ثروات الأرض ، و يحتلون أخطر موقع في العالم ، و لا وزن لهم في العالم ، و أمرهم ليس بيدهم ، لأنهم اتبعوا أهواءهم :
و قد لقي المسلمون ذلك الغي .
من أقوال العلماء الواردة في ذم الإمعة :
القول الأول :
روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : << كنا في الجاهلية نعد الإمعة الذي يتبع الناس إلى الطعام من غير أن يدعى ، و إن الإمعة فيكم اليوم المحقب الناس دينه >> .
الذي يقلد في دينه كل أحد ، شخص ادعى أن الربا ليس منهياً عنه إلا بأضعافه المضاعفة قال له : معك حق ، الآخر قال له : ورد معي أنه لا يوجد للخمر آية تحرمه ، يوجد إرشاد فاجتنبوه ، قال له : و الله معك حق ، هذا لم يخطر ببالي ، جزاك الله خيراً ، فهو يساير الناس جميعاً .
القول الثاني :
وعن مقاتل بن حيان قال : << أهل هذه الأهواء آفة أمة محمد صلى الله عليه و سلم أنهم يذكرون النبي صلى الله عليه وسلم و أهل بيته فيتصيدون بهذا الذكر الحسن الجهال من الناس ، فيقذفون بهم في المهالك >> .
أي يتاجرون بالدين ، و قد قال الإمام الشافعي : " لأن أرتزق بالرقص أفضل من أن أرتزق بالدين " .
هؤلاء الذين يرتزقون بالدين اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً ، الإمعة أحياناً يحب أن يكون الناس حوله ، لذلك يجاملهم ، فلو فرضنا إنسانا إمعة له طموح أن يكون الناس حوله ، فإذا أراد أن يرفع الناس إلى مستوى دعوته يتقاعسون ، فاختار طريقاً آخر أن ينزل هو إليهم ، يتحلقون حوله زرافات و وحدانا ، فإما أن ترفع الناس إلى مستوى الشريعة ، و إما أن تهبط إليهم تعطيهم الفتاوى الرخيصة ، و تيسر أمورهم ، و تبسط بعض الأحكام الدقيقة التي هي ضمان لسلامتهم .
القول الثالث :
لذلك عن الفضيل بن عياض رحمه الله قال : << اتبع طريق الهدى و لا يضرك قلة السالكين ، و إياك و طرق الضلالة و لا تغتر بكثرة الهالكين >> .
علامة إيمانك لو لم يبق في الأرض إلا مؤمن واحد لكنت مع المؤمنين ، وأحياناً الإنسان يؤخذ بالأكثرية ،
الأكثرية ليست دليلا على الحق ، بل ربما كانت دليلا على الباطل :
كيف إذا خرجت الأمور عن حد المعقول ؟
فالبطولة لا أن تكون مع الأكثرية الشاردة التائهة التي تلهث وراء الصرعات
عودة إلى أقوال العلماء في الإمعة :
<< اتبع طريق الهدى ، و لا يضرك قلة السالكين ، و إياك و طرق الضلالة ، و لا تغتر بكثرة الهالكين >> .
قال عليه الصلاة و السلام قال :
(( لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )) .
[ أحمد]
عن ابن مسعود رضي الله عنه يقول : << اغدُ عالماً أو متعلماً ، و لا تغد إمعة فيما بين ذلك >> .
مضارّ الإمعة :
أيها الإخوة الكرام ، من مضار أن يكون الإنسان إمعة :
ـ الإمعة يؤكد ضعف شخصه و عقله و دينه ، .
ـ و الإمعة يعيش ذليلاً ، هو تابع .
ـ و الإمعة منبوذ من الله ، ثم من الناس .
ـ و الإمعة الأتباع بهذه الصفة يصنعون بطلاً من لا شيء :
والإمعه لا يحكم على أمر ما إلا إذا أخذ حكم غيره حتى لو كان خاطئاً
المجتمع الذي فيه صفة الإمعة هذا المجتمع يصنع إنساناً لا قيمة له إطلاقاً .
ـ و الإمعة قد يقع في مهاوي الضلالة .
ـ و الإمعة إنسان يتأذى و يؤذي ، يَضِل و يُضِل ، يَذل و يُذل .
و أرجو من الله سبحانه و تعالى أن يعافينا من هذا الخلق الذميم ، أن يكون الناس إمعة ، و سوف أذكركم ثانية بالحديث الشريف الذي رواه الترمذي ، و قال محقق جامع الأصول : حديث حسن :
((لا تكونوا إمعة ، تقولون : إن أحسن الناس أحسنا ، و إن ظلموا ظلمنا ، و لكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، و إن أساؤوا فلا تظلموا )) .
هذه رسالة من سلسلة لا تحزن للشيخ الدكتور عايض القرني .. أرجو من الكل وأولكم أنا أن نستفيد منها ..ونجعلها نبراسا في طريقنا ....
يقول فيها الدكتور ...
لاتتقمص شخصية غيرك ولاتذب في الاخرين. إن هذا هو العذاب الدائم ، وكثير هم الذين ينسون أنفسهم وأصواتهم وحركاتهم ، وكلامهم ، ومواهبهم ، وظروفهم ، لينصهروا في شخصيات الاخرين ، فإذا التكلف والصلف ، والاحتراق ، والإعدام للكيان وللذات.
من آدم إلى آخر الخليقة لم يتفق اثنان في صورة واحدة ، فلماذا يتفقون في المواهب والأخلاق ؟؟
أنت شيء اخر لم يسبق لك في التاريخ مثال ولن ياتي مثلك في الدنيا شبيه ؟؟ فلماذا تتقمص شخصية لا تناسبك !!!.
أنت مختلف تمامأ عن زيد وعمرو فلا تحشر نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة والذوبان !!.
انطلق على هيئتك وسجيتك { قد علم كل اناس مشربهم }
عش كما خلقت لا تغير صوتك ، لاتبدل نبرتك ، لاتخالف مشيتك ، هذب نفسك بالوحي ، ولكن لا تلغي وجودك وتقتل استقلالك.
أنت لك طعم خاص ولون خاص ونريدك أنت بلونك هذا وطعمك هذا ، لأنك خلقت هكذا .
("لا يكن أحدكم إمعة").
إن الناس في طبائعهم أشبه بعالم الأشجار : حلو وحامض ، وطويل وقصير ، وهكذا فليكونوا. فإن كنت كالموز فلا تتحول إلى سفرجل ، لأن جمالك وقيمتك أن تكون موزأ ، إن اختلاف ألواننا وألسنتنا ومواهبنا وقدراتنا اية من ايات الباري فلا تجحد اياته .
مما لآمس حرصي