بسم الله الرحمن الرحيم
حينما ضاقت قريش بمحمد ذرعاً، كما تضيق كل القوى الغاشمة دائماً بكلمة الحق، لا تملك لها دفعاً، ولا تطيق عليها صبراً، فإنها تأتمر به وبأهله، وتسعى للخلاص منه بشتى الوسائل؛ وحينما تعجز، وتحس بالهزيمة، تلجأ إلى السب والتشويه والتطاول...
وبين الحين والآخر.. يطلع علينا معتوه من المنافقين المنتسبين إلى الإسلام، أو حاقد من أتباع الملل الأخرى، يريد أن ينال من الإسلام ومن نبي الإسلام، لعله يتمكن من التنفيس عن حقده، وإفراغ مرارته وعجزه.. تارة بمقالة ساقطة، وتارة برسوم هابطة، وأخرى بفلم رخيص ينتجه حاقد موتور، أو داعر مأجور...
هذه المرة.. جاء الصراخ من أمريكا، وكان (أبو رغال) قبطي تافه حاقد من أقباط مصر المهاجرين، أجلب خيله ورجله، واستعان بأسياده من أعداء وطنه، وبمن هم على شاكلته، فجمع التبرعات، ولملم الساقطين والساقطات، ليطلع علينا بفلم منحط كصاحبه، يريد أن ينال به من أعظم وأشرف وأكرم بشر، وأن يستفز مشاعر المسلمين الذين بلغ بهم الهوان مبلغة.. ولولا ذلك لما جرؤ على التطاول، ولما وجد من تلك الدولة الرعاية والحماية والتساهل...
لم ينل أحد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولن ينال أحد منه، وأنى لهم ذلك؟ إنما النيل كل النيل من أمة الإسلام، وولاة أمرها، ولو علم الأعداء منهم صدق العزم، ولمسوا عمق الترابط بين أبناء الأمة وقادتها، ووحدة مشاعرهم، لكان الحال غير الحال..
إن الإدانة والشجب لا تكفي، ولا بد من الضغط -وما أكثر وسائله- لينال كل متطاول جزاءه.. و..((إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ))[التوبة:40].
ماذا كانت العاقبة؟
كان النصر المؤزر من عند الله.. وكانت الهزيمة والذل والصغار للذين كفروا: ((وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا))[التوبة:40]، وظلت كلمة الله في مكانها العالي.. منتصرة قوية نافذة..
ذلك مثل على نصرة الله لرسوله ولكلمته؛ والله قادر على أن يعيده على أيدي قوم آخرين.. غير الذين يتثاقلون ويتباطئون. وهو مثل من الواقع إن كانوا في حاجة بعد قول الله إلى دليل!
((إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا))[التوبة:39].. العذاب الذي يتهددهم به ليس عذاب الآخرة وحده، فهو كذلك عذاب الدنيا، عذاب الذلة، والغلبة للأعداء، والحرمان من الخيرات؛ وهم مع ذلك كله يخسرون من النفوس والأموال أضعاف ما يخسرون.. إن هم خنعوا واستكانوا؛ ويقدمون على مذبح الذل أضعاف ما تتطلبه منهم الكرامة..
وما من أمة تخلت عن مقدساتها، إلا ضرب الله عليها الذل والصغار، واستبدلها بآخرين يقومون على العقيدة، ويؤدون ثمن العزة، ويستعلون على أعداء الله..
فهلا تحمل كلٌّ مسئوليته.. وأدى ما عليه.. فإن الله سينصر دينه لا محالة، شاء من شاء وأبى من أبى: ((وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا))[التوبة:39].. ولا يقام لكم وزن، ولا تقدمون أو تؤخرون في الحساب!
ومن جانب آخر: هي بشارة على هزيمة أعداء الإسلام، وشعورهم بالعجز والضعف والمهانة، وهم يرون أنوار الإسلام وهي تبدد ظلماتهم، وتأتي على بنيانهم من القواعد، وتقف سداً منيعاً أمام مكرهم ومخططاتهم...
فيا أيها المسلمون.. يا أحباب محمد السائرين على منهجه.. المتمسكين بشرعه وسنته! ليكن موقفكم حازماً قوياً، وليكن إنكاركم رفيعاً يعكس ما يليق بكم كمسلمين..
ليكن الرد عملياً.. عبر المزيد من الحب.. والولاء.. والإتباع.. والتمسك بهدي الحبيب عليه الصلاة والسلام، وإظهار قيم الإسلام الحنيف.. والدعوة إليه في عقر دار أعدائه .
((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا))[البقرة:143]...
فأنتم الأمة الوسط التي تشهد على الناس جميعاً، فتقيم بينهم العدل والقسط؛ وتضع لهم الموازين والقيم؛ تشهد على الناس؛ وتزن قيمهم وتصوراتهم وتقاليدهم وشعاراتهم، الأمة الوسط بكل معاني الوسط، سواء بمعنى الحسن والفضل، أو بمعنى الاعتدال والقصد .. ((وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ))[الحج:40]...