هو عنترة بن شداد العبسي من قيس عيلان من مضر و قيل : شداد جده غلب على اسم أبيه ، و إنما هو عنترة بن عمرو بن شداد ، و اشتقاق اسم عنترة من ضرب من الذباب يقال له العنتر و إن كانت النون فيه زائدة فهو من العَتْرِ و العَتْرُ الذبح و العنترة أيضاً هو السلوك في الشدائد و الشجاعة في الحرب . و إن كان الأقدمون بأيهما كان يدعى : بعنتر أم بعنترة فقد اختلفوا أيضاً في كونه اسماً له أو لقباً . كان عنترة يلقب بالفلحاء ـ لفلح ـ أي شق في شفته السفلى و كان يكنى بأبي المعايش و أبي أوفى و أبي المغلس لجرأته في الغلس أو لسواده الذي هو كالغلس ، و قد ورث ذاك السواد من أمه زبيبة ، إذ كانت أمه حبشية و بسبب هذا السواد عدة القدماء من أغربة العرب . و شاءت الفروسية و الشعر والخلق السمح أن تجتمع في عنترة ، فإذا بالهجين ماجد كريم ، و إذا بالعبد سيد حر . و مما يروى أن بعض أحياء العرب أغاروا على قوم من بني عبس فأصابوا منهم ، فتبعهم العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم عما معهم و عنترة فيهم فقال له أبوه : كر يا عنترة ، فقال عنترة : العبد لا يحسن الكر إنما يحسن الحلاب و الصر ، فقال كر و أنت حر ، فكر و أبلى بلاء حسناً يومئذ فادعاه أبوه بعد ذلك و ألحق به نسبه ، و قد بلغ الأمر بهذا الفارس الذي نال حريته بشجاعته أنه دوخ أعداء عبس في حرب داحس و الغبراء الأمر الذي دعا الأصمعي إلى القول بأن عنترة قد أخذ الحرب كلها في شعره و بأنه من أشعر الفرسان . أما النهاية التي لقيها فارسنا الشاعر فالقول فيها مختلف فئة تقول بأن إعصاراً عصف به و هو شيخ هم ( فان ) فمات به و فئة تقول بأنه أغار يوماً على قوم فجرح فمات متأثراً بجراحه و لعل القول الثاني هو الأقرب إلى الصحة . بدأ عنترة حياته الأدبية شاعراً مقلاً حتى سابه رجل من بني عبس فذكر سواده و سواد أمه و أخوته و عيره بذلك و بأنه لا يقول الشعر ، فرد عنترة المذمة عن نفسه و ابتدر ينشر المعلقة ثم صار بعدها من الشعراء و مما لا شك فيه أن حبه لعبلة قد أذكى شاعريته فصار من الفرسان الشعراء.
عنتر بن شداد العبسي اشهر فرسان العرب واشعرهم وشاعر المعلقات والمعروف بشعره الجميل وغزله العفيف بعبله.
ومن ابيات غزله :-
هَلْ غَادَرَ الْشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ &&& أمْ هَل عَرَفْتَ الْدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ
يَا دارَ عَبْلَةَ بِالَجِوَاءِ تَكَلَّمِي &&& وَعِمِي صَبَاحاً دارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمِي
وايضا :-
ولقد ذكرتك والرماح نواهل &&& مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوودت تقبيل السيوف لانها &&& لمعت كبارق ثغرك المبتســـــــم
وايضا قصيدته الجميله بعد ما اعترف ابوه بنسبه :
لا يحمل الحقد من تعــلو به الرتـب &&& ولا ينال العلى من طبعة الغضب
ومــن يكن عبد قــوم لا يـخالـفهــم &&& إذا جفوه ويسترضي إذا عتبوا
قد كنت فيما مضى أرعى جمالهم &&& واليوم أحمي حماهم كلما نكبوا
لـلـه در بـنـي عـبـس لـقـد نســلوا &&& من الاكارم ما قد تنسل العرب
لئن يعيبوا سـوادي فهـو لي نسـب &&& يوم النزال اذا ما فاتني النسب
إن كنت تـعـلـم يا نـعـمــان ان يدي &&& قصيرة عنك فالايام تنقلب
الـيـوم تـعـلم يــا نـعـمـان اي فـتـى &&& يلقى أخاك الذي قد غرة العصب
إن الافـاعي وإن لانـت مـلا مـسهـا &&& عند التقلب في انيابها العطب
فتى يخوض غمار الحرب مبتســـما &&& وينثني وسنان الرمح مختضب
إن سل صارمة سالت مضــــــــاربة &&& وأشرق الجو وانشقت له الحجب
والخيل تشهد لي أني أكفكــفـــها &&& والطعن مثل شرار النار يلتهب
إذا التقيت الأعادي يوم مــــعــركــة &&& تركت جمعهم المغرور ينتهب
لي النفوس وللطير اللحــــوم ولـلــو &&& حش العظام وللخيالة السلب
لا أبعد الله عن عيني غطـــــارفـــة &&& إنسا إذا نزلو جنا اذا ركبوا
أسود غاب ولكن لا نيــــوب لـــهــم &&& إلا الأسنة و الهندية القضب
تعدو بهم أعوجيات مضــــمــــــــرة &&& مثل السراحين في أعناقها القبب
قبر الفارس عنترة بن شداد
ظل كثير من الناس قروناً عديدة يعتقدون بوجود قبر عنترة بن شداد في ذلك المرتفع الذي يعلو قرية النعي تسعين ك/م شرقي مدينة حائل في حين لم تؤكد أو تنفي أي من الدراسات التي أجريت صحة ذلك المعتقد من عدمه بعد إلا أن أهالي محافظة الشنان والنعي أنفسهم لا يزالون يسلمون بشكل لا يدع مجالاً للمناقشة بأن قبر عنترة هو ذلك القبر الذي يتمدد بطول ثلاثة أمتار على ربوة تتوسط بين قرية النعي القديمة ومخططها الجديد استشهاداً بما تناقله الآباء والأجداد من أحاديث وأساطير حول هذا الموضوع إلى أن بقي هذا العلم رمزاً مهماً في دائرة اهتمام أبناء المحافظة جميعاً حتى أن أهالي القرية قد قاموا بتحديد معالم القبر وصب طبقة سميكة من الخرسانة فوقه للحفاظ عليه من التصدع الأرضي الذي ظهر على سفوح القرية مؤخراً وشطرها إلى نصفين بطريقة بثت الرعب في قلوب الأهالي وأبجرتهم على النزوح عن القرية باتجاه المخططات السكنية البديلة التي وفرتها الدولة لضمان سلاتهم من هذا الخطر
الداهم .
وحول قناعات الأهالي بصحة المعلومات التي تفيد بوجود رفات عنترة في هذا القبر تحديداً يقول خلف مرزم الجروان إنه يعتقد بذلك استناداً إلى أقاويل وأحاديث الآباء والأجداد المتواترة منذ قديم الزمان أما عن الجزم بذلك فيرى الجروان أنه يصعب في الوقت الراهن حتى تثبت الدراسات صحة ذلك من عدمه مشيراً إلى أن ذلك من اختصاص الباحثين والمؤرخين الذين هم وحدهم يملكون الحقيقة، أما عن التصدع الأرضي الذي ظهر في القرية فيؤكد فيحان مشرف الكتفاء أن جميع أبناء القرية قد أصيبوا بالقلق الشديد إزاء تطورات الوضع في هذا المكان مما حدا بهم إلى الانتقال من القرية برمتها إلى المخططات البديلة التي وفرتها الدولة بهدف تأمين الناس من خطر هذا التصدع الذي قد يبتلع من يقترب منه، مشيراً في هذا السياق إلى أن التصدع الذي بدأ في الاتساع بات يشكل تهديداً على موقع قبر عنترة الذي قد يطاله الأذى في أية لحظة بفعل ازدياد رقعة التصدعات المصاحبة وظهور تصدعات أخرى في مواقع مختلفة.
ولفت المواطن محمد فيحان الشمري أن هناك عين ماء عذبة تقع على مقربة من القبر اسماها الأهالي عين عنتر تتدفق منها المياه بشكل دائم صيفاً وشتاء ويستخدمها الأهالي في عمليات السقيا إثر إنشاء خزان مياه في نفس الموقع والقيام بمد أنابيب تنقل المياه من العين باتجاه الخزان على مدار الساعة . وفي تعليق له حول موضوع القبر قال مدير وحدة الآثار بمنطقة حائل الباحث الأثري سعد بن عبدالرحمن الرويسان لـ «الرياض » إن تحديد مكان قبر عنترة بن شداد ونسبة هذا القبر الموجود في قرية النعي يتفق عليه أهالي المنطقة مضيفاً أن ما يدعم هذا الاتفاق ويجعله أقرب للحقيقة تلك الرواية التي وردت في بعض المصادر التي تذكر أن عنترة قد قتل في أرض الجبلين بعد أن تقدم به السن ودفن فيها وإن كان هناك رواية أخرى - والحديث للرويسان - تقول : إنه قتل في أرض العلم السعيد ( جبل العلم حالياً الواقع شرق قرية الحليفة ) وأنه نقل فيما بعد ودفن في أرض الجبلين لكن تظل هذه الرواية أبعد عن الحقيقة أولاً : لبعد أرض الجبلين عن أرض العلم السعيد فضلاً عن أن أرض الجبلين ليست أرضاً لبني عبس قوم عنترة بل أرض لطي . وتساءل الرويسان كيف يتم نقله ليدفن فيها ما لم يكن قد قتل فيها أصلاً كما ورد في الرواية الأولى والتي هي الأقرب إلى الحقيقة .
الخزان الذي تتجمع فيه مياه عين عنترة :
ويشير الرويسان في هذا السياق قائلاً : يظل نسب هذا القبر لعنترة وتأكيد ذلك علمياً مفقود ما لم يتم إخضاع هذه المنطقة لدراسة علمية دقيقة لا سيما أن هناك في قرية النعي أكثر من مكان ينسبها الأهالي لعنترة ككهف وعين عنترة . وفي المقابل أكد وادي مفرح الشمري أن هذا بالتحديد هو قبر عنترة استناداً لما يملكه من وثائق تاريخية أبرزها قصيدة عنترة « المعلقة » التي جاء فيها : « عبلا في الجواء تكلمي » وكذلك الكتب التي تتحدث عن نشأته وعن المعارك التي دارت رحاها في هذه المنطقة إلى جانب وجود ثمانين قبراً يقول وادي : إن عنترة قد قتلهم لوحده في تلك الحروب مبيناً أن وجود مربط الحصان وعين عنترة هي فيه شاهد على ذلك . بقي أن نشير إلى أن النعي التي تمتاز بتكوينات صخرية نادرة وتنوع مذهل للتضاريس الجغرافية في أماكن محصورة بحيث يمكن مشاهدة أكثر من بيئة في منطقة لا تتجاوز خمسة كيلو مترات مربعة. وتلون مدهش للطبقات والحواف الصخرية يجعل من عمليات البحث والتنقيب أمراً بالغ الأهمية في ظل وجود علامات وشواهد بيئية وحضارية تضرب بجذورها في عمق التاريخ . تحقيق أحمد القطب