اخر المواضيع

اضف اهداء

 

العودة   منتديات الرائدية > المنتديات العامة > المنتدى الإسلامي
 

 
مشاهدة الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-07-2006, 03:10 PM   رقم المشاركة : 1
راضـــي
رائدي ذهبي
 
الصورة الرمزية راضـــي
الملف الشخصي






 
الحالة
راضـــي غير متواجد حالياً

 


 

Thumbs up الإعلام_ بتوضيح_نواقض_الإسلام

الإعـلام


بتوضيح نواقض الإسلام
لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب



تأليف
عبدالعزيز بن مرزوق الطّريفي


المقدمة
الحمد لله أحمده حقّ حمده، وأصلي وأسلم على نبيه وعبده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فألزم الله سلوك شريعته واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الصراط التي لا تميل به الآراء، وهي ضياء البصائر من عماها، ولذّة النفوس، وحياة القلوب، من تمسك بها نجى، ومن زاغ عنها هلك.
وقد حُرم المُعارضون لها استنارة البصائر وحياة القلوب، فتمسكوا بأعجاز لا صدور لها، وقنعوا بآراء إذا زال أصحابها فهي من جملة الأموات، وزهدوا في نصوص الشريعة الباقية ما بقيت الأرض والسموات.
وبعد : فأصل هذا الكتاب دروس أمليتها في شرح نواقض الإسلام للإمام محمد بن عبد الوهاب، فرغب بعض الإخوان في نشرها رجاء النفع والفائدة، فقُدِّم فيها وأُخِّر، وزيد فيها ونُقص، لتتميم الفائدة.
وهذه الأصول التي تضمنها هذا الكتاب هي أساس الدين والملة، ولبيانها بعث الله الرسل إلى الثقلين، وأنزل الوحيين، وقسّم الناس إلى فريقين، وأمر الله بإقامتها باللسان والسنان، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *} قال ابن عباس رضي الله عنهما: «إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً» رواه ابن جرير في «تفسيره».
وفي زمننا هذا سعى كثير ممن لا خلاق له في الدارين، في هدم هذه الأصول، تصريحاً وتلميحاً، في فتن تموج يرقق بعضها بعضاً، صاحبها إحجام كثير ممن ينتسب إلى العلم عن بيان الحق طلباً للسلامة، حتى لُبِّس على العامة دينهم، ففي المحن والشدائد يطلب الكثير منهج السلامة، بينما يطلب الصفوة سلامة المنهج، وبهذه الصفوة يُحفظ الدين وتُنصر الملة.
وشريعة الله ظاهرة، ودينه محفوظ، فمن سخّر جاهه وملكه لحفظ دينه، حفظ الله له جاهه وملكه، وبقي له دينه، ومن سخّر دينه لحفظ ملكه وجاهه، ضيع الله عليه ملكه وجاهة، وما بقي له دينه، وهذا مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك» والجزاء من جنس العمل.
والله المؤيد والمسدد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

قال المصنف رحمه الله :
( بسم الله الرحمن الرحيم: اعلم أن نواقض الإسلام عشرة نواقض ) :
ابتداءُ المؤلف بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز، وبما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، من التسمية في كثير من أحواله كالمكاتبات وغيرها، وقد جاء عنه الأمر بالتسمية إلا أنه لا يثبت، فقد رواه الخطيب في «جامعه» من حديث مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً: (كل أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع).
وهو خبر منكر، أعله الحفاظ، والصحيح فيه الإرسال وبغير لفظ البسملة وهو منكر أيضاً، وهم فيه مبشر بن إسماعيل فرواه بلفظ البسملة وقد رواه جماعة كالوليد بن مسلم وبقية وخارجة بن مصعب وشعيب بن إسحاق ومحمد بن كثير والمعافى بن عمران وعبد القدوس وغيرهم عن الأوزاعي بلفظ : (كل أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ بالحمد لله ..) ووهم من عزاه بلفظ البسملة للسنن كالزيلعي والعراقي والسيوطي وغيرهم، وتساهل بعض المتأخرين فحسنه.
إذاً فالأمر بالبسملة في الخبر السابق لا يثبت، إلا أنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المكاتبات وغيرها، فقد أخرج الشيخان البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن عباس عن أبي سفيان عليهما رضوان الله تعالى أنه قال : كتب النبي إلى هرقل : (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ..)
والنواقض جمع ناقض وهو المبطل والمفسد، متى طرأ على الشيء أبطله، وأفسده، قال تعالى : {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} أي أفسدته وأبطلته، وذلك كنواقض الوضوء التي من فعلها بطل وضوءه ولزمه إعادته، ومثله نواقض الإسلام إذا فعلها العبد فسد وبطل إسلامه، وهي ما جمعها المصنِّف في هذا الكتاب.
ونواقض الإسلام التي ذكرها المؤلف عشرة نواقض، والنواقض أكثر من ذلك، فقد ذكر العلماء في أبواب الردة وحكم المرتد أنواعاً كثيرة مما قد يرتد به المسلم عن دينه ويحل دمه وماله، وقد ذكر المؤلف أخطرها وأعظمها وأكثرها وقوعاً، وما اتفق العلماء عليه.
فالعلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة يبوِّبون في كتب الفقه باباً يسمونه باب حكم المرتد، ويذكرون فيه من صور الكفر وأنواعه الاعتقادية والقولية والفعلية، التي يكفر متلبِّسها بعد إسلامه، فينبغي للمُستزيد النظر فيها، ومن أوسع من كتب فيه، وأطنب في ذكر الصور والأنواع من الأئمة هم الحنفية فقد ذكروا في هذا الباب صوراً كثيرة.
وما يجب معرفته هنا أنه إذا دل الدليل على شيء أنه ناقض، فلا مدخل للاستحلال في لزومه، وإلا لقيل ذلك في فعل الزنا، وشرب الخمر، والسرقة، وقتل النفس بغير الحق، وغيرها، لأن لها حالين: أن يستحل فيكفر، وأن لا يستحل فلا يكفر .
ولأن استحلال هذه الأمور كفر ولو لم يرتكبها، وارتكاب النواقض كفر ولو لم يستحلها، فلا معنى لتسمية هذه الأمور نواقض، بل الناقض استحلالها، كسائر المحرمات .
وهذا مقيَّد بانتفاء الجهل وقيام الحجة في ضوابط وقيود ليس هذا محلها. الناقض الأول
(الشرك في عبادة الله قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر) :
والشرك هو : جعل شريك لله تعالى في ربوبيته وإلهيته، والذي يغلب الإشراك فيه الألوهية.
والشرك أعظم ذنب عُصي به الله تعالى وهو أشد نواقض الإسلام جُرماً، وقد أخذ الله على نفسه أن لا يغفر للمشرك شركه إلا أن يتوب، فلا يكفِّر الشرك شيء من أنواع المكفرات المعروفة إلا أن يتوب المشرك من شركه، ولذا قال سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
وهو الظلم العظيم، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَْمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ *}.
روى أحمد والبخاري ومسلم عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال لما نزلت هذه الآية {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
روى الإمام أحمد والشيخان من حديث منصور عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك. قلت: إن ذلك لعظيم، .. الحديث
كيف لا يكون أعظم الذنب وأظلم الظلم وأكبر الكبائر، وهو تشبيه للخالق بالمخلوق، وذنب لا يُغفر، وتنقص نزَّه الله جل شأنه نفسه عنه، فمن أشرك مع الله غيره فقد حادّ وعاند وشاقّ الله وأثبت له ما نزه نفسه عنه، قال تعالى عن حال المشركين مع معبوديهم يوم القيامة: {تاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ *إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ *}.
وصاحب الشرك محرم عليه الجنة : {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.
ومحبط جميع عمله: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}.
والعمل في الآية يشمل جميع عمل العبد، ولا يحبط جميع العمل الصالح ذنب سوى الشرك الأكبر.
والمشرك حلال الدم والمال إلا ما استثناه الشرع كأهل الذمة والعهد: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}. والشرك بالله ينقسم إلى نوعين :
1- الشرك الأكبر
2- الشرك الأصغر.
فالنوع الأول : الشرك الأكبر : مخرج من الملة، مخلد صاحبه في النار، إن لقي الله غير تائب من شركه، وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الخالق سبحانه وتعالى، كالذبح لغير الله، لأهل القبور من الأولياء والصالحين أو الجن والشياطين، رغبة إليهم أو رهبة منهم، والخوف من أهل القبور والجن والشياطين أن يؤذوه ويضروه، ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من كشف الضر، وجلب النفع، وهذا ما يفعله كثير من الناس عند قبور الصالحين في هذا الوقت.
قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَْرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *}.
وهذا تسوية للمخلوق بالخالق قال تعالى عنهم في النار إذ يختصمون : {تاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ *إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ *} فهو تسوية للمخلوق بالخالق في التعظيم، والمحبة التي هي روح العبادة. وللشرك الأكبر أقسام أربعة :
الأول : شرك الدعوة - أي الدعاء - :
وهو أن يدعو العبد غير الله كدعاء الله عبادة ومسألةً، فمن دعا غير الله كدعاء الله فقد أشرك بالله، قال تعالى عن هذا النوع من الشرك {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ *} يشركون في الدعاء.
فمن كان مراده بالدعاء طلب نفع أو دفع ضر فهذا دعاء المسألة.
ومن كان مراده الخضوع والانكسار والذل بين يدي الله جل شأنه فهذا دعاء عبادة .
والدعاء بنوعيه دعاء المسألة ودعاء العبادة لا يجوز التوجه به لغير الله، فالدعاء من أعظم العبادات وأفضل القربات وأجل الطاعات قال تعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} وقال آمراً بدعائه وسؤاله : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ *} و {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}.
وروى الإمام أحمد وأهل السنن عن ذر عن يُسَيْعٍ عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدعاء هو العبادة» ثم قرأ : {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي}
ولهذا فمن دعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا هو كان مشركاً قال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلـهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ *}.
الثاني : شرك النية والإرادة والقصد :
وهو أن يقصد ويُريد وينوي بعمله أصلاً غير الله جل شأنه، قال تعالى في هذا النوع من الشرك : {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ *أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآْخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} فالأصل عند ورود إحباط العمل في القرآن أن سببه الشرك والكفر.
فمن قصد بعمله الدنيا لا غير، عجل الله له ما أراده، وأعطاه من الدنيا مقصده، لكن عمله عند الله حابط، وليس له في الآخرة إلا النار.
وأما ورود بعض النيات السيئة على نية العبد وقصده في شيء من أعماله، فهذا داخل في باب الشرك الأصغر الذي لا يخرج صاحبه من الملة، لكنه يقلّل ثوابه، وينقص أجره، وربما أفسد عمل العبد الذي دخل عليه من غير أن يخرجه من ملة الإسلام.
الثالث : شرك الطاعة :
وهو مساواة غير الله بالله في التشريع والحكم، فالتشريع والحكم حق جعله الله لنفسه قال تعالى : {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ}.
وقال سبحانه في هذا النوع من الشرك : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}.
فمن ادعى أن لأحدٍ من الناس سواءً - علماء أو حكاماً أو غيرهم - حق التشريع من دون الله أو مع الله فقد أشرك مع الله إلهاً آخر في حق الله وحده، وكفر بما أنزل من عند الله قال تعالى : {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلـهًا وَاحِدًا لاَ إِلـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ *}.
ويروى في معنى وتفسير هذا ما أخرجه الترمذي وابن جرير والطبراني وغيرهم من حديث عبد السلام بن حرب عن غطيف بن أعين عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وسمعته يقرأ في سورة براءة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}. قال: «أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه».
وهو حديث ضعيف ضعفه الدارقطني وغيره، وغطيف قال الترمذي: ليس بمعروف بالحديث.
وروى ابن جرير في «تفسيره» من طريق أبي البختري عن حذيفة في قوله تعالى : {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} قال: لم يعبدوهم ولكنهم أطاعوهم في المعاصي.
ومن هذا الطريق قال: كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه.
وأبو البختري سعيد بن فيروز لم يسمع من حذيفة.
قال تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا *} فسمى الله جل شأنه من يحكم بغير ما أنزل الله على نبيه طاغوتاً.
والتابع والطائع لمن أحل ما حرم الله وحرم ما أحل الله لا يخلو من حالين :
الحالة الأولى : أن يطيعوهم في ذلك مع علمهم بتبديلهم لحكم الله ومخالفتهم للرسل، فيعتقدون مع ذلك تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله اتباعاً لرؤوسهم، فهذه الحالة كفر مخرج عن الملة.
الحالة الثانية : أن يطيعوهم في ذلك مع اعتقادهم تحريم ما حرم الله وتحليل ما أحل الله، ولكن طاعتهم كانت عن هوى وعصيان كما يصنعه كثير من أهل الفسق حينما يؤذن لهم بشرب الخمر فلا يعاقبون عليه، وحينما يؤذن لهم بأكل الربا أضعافاً مضاعفة كذلك، فيشربون الخمر رغبة في المتعة، ويأكلون الربا طمعاً في المال مع اعترافهم بذنوبهم كما هو حال كثير من المسلمين في هذا الوقت، فهؤلاء حكمهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب والمعاصي.
وهذا القسم من الشرك ـ شرك الطاعة ـ ربما يقع من العالم الذي لم ينفعه علمه، فيتبع هواه، فيطيع غيره من حاكمٍ أو والٍ أو صاحب جاه في تحليل ما حرّم الله أو تحريم ما أحل الله طمعاً في جاهٍ أو متاعٍ أو سلطان ورئاسةٍ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «المجموع»: (35 / 372، 373):
(ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتداً كافراً يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة قال تعالى: {المص *كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ *اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ *}.
ولو ضرب وحبس وأوذي بأنواع الأذى ليدع ما علمه من شرع الله ورسوله الذي يجب اتباعه واتبع حكم غيره كان مستحقاً لعذاب الله بل عليه أن يصبر وإن أوذي في الله فهذه سنة الله في الأنبياء وأتباعهم، قال تعالى : {الم *أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ *وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ *} .. الخ) انتهى.
الرابع: شرك المحبة :
وهو أن يحب مع الله غيره كمحبته لله أو أشد من ذلك، قال تعالى مبيناً حال المشركين في هذا الباب : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}.
فسماهم أنداداً من دون الله.
ومن أهل الشرك من يجعل لله تعالى مساوياً ومثيلاً يحبه كمحبته لله، وربما يزيد على ذلك، ويختلف المشركون في قدر محبتهم لمعبودهم من دون الله، ولكن المؤمنون يحبون الله أشد من محبة أهل الشرك لله ولما يعبدونه من دون الله.
فإذا كان من أحب غير الله فوق محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه صلى الله عليه وسلم كما في «المسند» و«الصحيحين» من حديث أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» .
فنفى عنه الإيمان، فكيف بمن أحب غير الله فوق محبة الله.
وحقيقة المحبة أن يُحَب الشيء وما يحبه ويكره ما يكرهه، فالمشرك يُحب آلهته من صنمٍ ووثنٍ أو قبرٍ وضريحٍ، فيغضب إذا امتهنت وأُهينت أشد من غضبه لله، ويُسر لها أشد من سروره لله، وذلك لأنه يُحب غير الله أشد من حبه لله.
والمحبة تقتضي عدم مخالفة المحبوب، فبقدر ورود المخالفة للمحبوب يكون نقص المحبة له، قال الله تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.
قال ابن القيم رحمه الله في أقسام المحبة كما في «الجواب الكافي»: (1/134).
(هنا أربعة أنواع من الحب، يجب التفريق بينها، وإنما ضل من ضل بعدم التمييز بينها :
أحدها : محبة الله، ولا تكفي وحدها في النجاة من عذابه والفوز بثوابه فإن المشركين وعباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.
الثاني : محبة ما يحبه الله، وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدهم فيها.
الثالث : الحب لله وفيه، وهي من لوازم محبة ما يحب الله ولا يستقيم محبة ما يحب الله إلا بالحب فيه وله.
الرابع : المحبة مع الله، وهى المحبة الشركية وكل من أحب شيئا مع الله لا لله ولا من أجله ولا فيه فقد اتخذه نداً من دون الله وهذه محبة المشركين) انتهى كلامه.
وقال رحمه الله تعالى في «كتاب الروح»: (1/254) :
(والفرق بين الحب في الله والحب مع الله وهذا من أهم الفروق وكل أحد محتاج بل مضطر إلى الفرق بين هذا وهذا فالحب في الله هو من كمال الإيمان والحب مع الله هو عين الشرك) انتهى كلامه.
ومن صور الشرك الأكبر التي ذكرها المصنِّف الذبح لغير الله : والذبح والنحر من أعظم العبادات والقربات، فوجب أن لا تُصرف إلا لله خالصة له من غير شركٍ، قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ *}، وقال جل شأنه : {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}.
ومن صرفها لغير الله فقد صرف عبادة لغير الله وأشرك مع الله غيره ولم يكن من المسلمين.
فمن ذبح لغير الله تعالى كمن ذبح للصنم أو للجن أو للقبر أو للكعبة أو لشجرٍ أو حجرٍ أو مكانٍ، فهذا شرك وكفر بالله العظيم، وذبيحته حرام لا تحل سواء كان الذابح مسلماً أو يهودياًً أو نصرانياً، وإن كان الذابح مسلماً قبل ذلك صار بالذبح مرتداً عن الإسلام، لأنه صرف عبادةً من أعظم العبادات لغير الله كمن سجد لغير الله.
وصور الشرك الأكبر كثيرة، كالاستعانة والاستغاثة بغير الله تعالى مما لا يقدر عليه إلا الله، فمن استغاث واستعان بغير الله كالأموات من الصالحين وغيرهم، وسألهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات فقد كفر بالله، وكالنذر لغير الله، وما يصنعه كثير ممن ينتسب للإسلام في كثير من البلدان الإسلامية من النذر لغير الله كمن نذر لوليٍ صالحٍ أو شجرٍ أو حجرٍ فقد أشرك بالله وانسلخ من الإسلام، حتى وإن زعم فاعله أنه على الإسلام، فقد وقع فيما وقع فيه كفّار قريش قال تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}.
وأما سؤال الناس ما يستطيعونه فليس من هذا الباب، قال شيخ الاسلام ابن تيميه:
(وأما ما يقدر عليه في حياته فهذا جائز سواء سُمي استغاثة أو استعاذة أو غير ذلك) انتهى .
النوع الثاني : الشرك الأصغر :
وهو ما ورد في الشرع أنه شرك ولم يصل الشرك الأكبر، ولا يخرج مرتكبه من الإسلام لكنه ينقص توحيده وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر.
وعَدّه ابن القيم في «إعلام الموقعين» فوق رتبة الكبائر جُرماً وتعظيماً.
وهو داخل على الصحيح في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} لعموم الآية.
قال ابن تيمية :
(وقد يقال : الشرك لا يغفر منه شيء لا أكبر ولا أصغر على مقتضى القرآن، وإن كان صاحب الشرك ـ يعني الأصغر - يموت مسلماً، لكن شركه لا يغفر له، بل يعاقب عليه، وإن دخل بعد ذلك الجنة) انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في بعض «رسائله» في قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} :


يتبع







آخر تعديل راضـــي يوم 10-07-2006 في 03:16 PM.

رد مع اقتباس
 
 

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



الساعة الآن 06:30 AM.

كل ما يكتب فى  منتديات الرائدية  يعبر عن رأى صاحبه ،،ولا يعبر بالضرورة عن رأى المنتدى .
سفن ستارز لخدمات تصميم وتطوير واستضافة مواقع الأنترنت