[align=center]الوظيفة.. بين اللياقة واللباقة[/align]
[align=justify]يطلب أهل الإدارة من أهل الطب الإفادة -من خلال تقرير طبي- عمَّن يرغبون في تعيينه إن كان لائقاً صحياً أو غير لائق، ويخلص التقرير –غالباً– إلى العبارة «لائق» لأن الفحوصات شكلية، ونادراً ما تأتي عبارة «غير لائق»!
وكلمة: «لائق» شائعة الاستخدام واضحة الدلالة، ومن معانيها: مناسب، وموافق، وملائم، وهي اسم فاعل من «لاقَ» ومنها اللياقة، ومفعولها مليقٌ به.
أما «لَبِقَ» فهي تعني لين الأخلاق واللطف والظرف، والرجل اللَّبِق هو الحاذق الماهر في كل عمل، والمرأة «لَبِقَة» يناسبها كل لباس وكل طيب، وتأتي بمعنى «يليق»، وهي كلمة يستخدمها إخواننا السوريون عجَّل الله فرجهم، وللكاتبة الجزائرية «أحلام مستغانمي» رواية مشهورة اسمها: «الأسودُ يليقُ بك».
ولأن الإنسان اجتماعي بطبعه –كما قال ابن خلدون إن لم تخُني ذاكرتي– فإن حاد وُصف بأنه غير اجتماعي، وكذا يكون الحكم على الموظفين تبعاً لتعاملهم اليومي وما يصدر عنهم من مواقف وتصرفات، فيوصف موظف بأنه لبق بينما يوصف آخر بأنه فظ تبعاً لتعاملاته المتكررة، وتفاعله مع زملائه أو العملاء أو رؤسائه، وقد تكون مقرونة بمهارة عملية عالية لدى هذا الموظف أو ذلك.
فالموظف غير اللبق «الفظ» هو صريح دون مجاملة، وعندما يكون صادقاً فإنه يفيض بعبارات المحبة والإعجاب، وقد يحاول المجاملة، ولكن إمارات الخداع قد تظهر على وجهه، فهو –في الغالب- خائف من ارتكاب الأخطاء، وقلق من سخرية الآخرين منه، أو أنه لا يأبه لما يعتقدونه، وليس مستغرباً أن يكون منبوذاً نوعاً ما.
إن تعديل السلوك من أشق المهام وأصعبها، فتحويل «موظف» من شخص غير اجتماعي إلى الحالة الإيجابية المبتغاة أمر عسير ومهمة بالغة التعقيد، ولكن يجب ذلك حتى لا يكون ذريعة ليصاب المديرون باليأس إذا ما كان بين مرؤوسيهم شخص أو أكثر من هؤلاء، حيث يؤكد عدد من الخبراء أنه من الممكن تعليم هؤلاء الموظفين أن يقللوا من طباعهم الجافة أو الفظة من خلال الشروع في عمل التغييرات المرغوبة -وفق خطة عملية واضحة الأهداف- وعدم التعامل مع الأمر من منطق شخصي، ومن الممكن التعرف على هذا النوع من الأشخاص أثناء تقدمهم للوظيفة وقياس مدى لياقتهم لها، وتجنب تعيين من تكون حالته معقدة في الوظائف ذات العلاقة بالجمهور؛ لأن تعليم الشخص الاجتماعي «اللبق» كيفية إنجاز مهام العمل أكثر يسراً وسهولة من تعليم الشخص «غير اللبق».
إن مثل هؤلاء غير اللائقين أو اللبقين يعانون أمراضاً نفسية –دون شك– ولكن الطب النفسي -وهو علم كغيره من العلوم- لا يزال غير مفعل بالشكل المناسب، ولا تزال كثير من المستشفيات خالية من هذا التخصص المهم، وإن وُجدت له عيادة فإن المرضى وذويهم يجدون حرجاً شديداً في مراجعتها؛ بسبب الخلفية الثقافية السلبية للمجتمع تجاهه!
لقد حثنا ديننا على التفكر والبحث والتجريب، وتوصل العلم الحديث إلى ما أشار إليه القرآن الكريم من أسرار وإعجاز، وعلم النفس علم مهم له نظرياته وقواعده، وتقوم عليه كثير من الدراسات والتجارب، وتعتمد عليه كثير من الدول حتى في أمورها السياسية والمصيرية، وتستخدمه الشركات العالمية في مجالات ونشاطات مختلفة.
وهو علم متعلق بعلم الإدارة تعلقاً شديداً، وله إسهاماته الكبيرة والمؤثرة في جوانبها المختلفة، فعليه قامت كثير من النظريات الإدارية، كتحفيز الموظفين، ومعالجة جوانب القصور لديهم، والتأثير فيهم، وربطهم ببيئة العمل، وتطوير علاقتهم برؤسائهم وزملائهم، والمستفيدين من الخدمات التي يقدمونها، ويسبق ذلك كله تعلق علم النفس بمراحل النمو، ونظريات التعلم المختلفة.
يخضع طالب الالتحاق بوظيفة حكومية أو في بعض شركات القطاع الخاص إلى الفحص الطبي -وهو إجراء لا يخلو من الشكلية- لاقتصاره على فحص ظاهري لبعض الحواس والكشف عن بعض الأمراض الجسمية أو العيوب الظاهرة، وهي في حقيقتها لا تكفي؛ لإغفالها الجانب النفسي -وهو الأهم عند أي شخص يوكل إليه عمل إداري أو فني- ويتعرض لمقابلة الجمهور لقضاء مصالحهم، وتقديم الخدمات لهم.
إن خضوع الإنسان لاختبار نفسي لا يعيبه أو ينقص من قدره للتأكد من لياقته ولباقته؛ لأن مسألة التوازن النفسي مطلب أساس في تقلد أي مسؤولية إدارية أو فنية، فكم من الموظفين الذين تمنوا عرض مديرهم على الطب النفسي؟
وكم من المديرين عانوا من موظفين ليسوا أصحاء نفسياً فأعيوهم بتقلبات أمزجتهم، وسببوا لهم المتاعب في بيئة العمل.
همسة: هل ستفرض وزارة الخدمة المدنية تحويل طالبي الوظائف للطب النفسي؟ وهل سيتم عرض من يتقلد منصباً إدارياً –كذلك- قبل تسليمه المسؤولية؟![/align]
لقراءة المقال من مصدره أو التعليق عليه في الموقع أو قراءة التعليقات من خلال الرابط التالي:
http://www.alsharq.net.sa/2013/06/20/872501
لقراءة المقالات السابقة - التي لم يتم نشر بعضها في الرائدية - من خلال الرابط التالي:
http://www.alsharq.net.sa/author/abdallahmahdi