الشيخ : خالد بن سعد الخشلان
جامع حي بدر ، الرياض
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله ربكم -جل وعلا- وخذوا عبرة من مرور الأيام والليالي، وتعاقب الليل والنهار، وتتابع الفصول والأزمان؛ خذوا من ذلك عبرة وذكرى تذكر بسرعة انقضاء الآجال والأعمال، وقرب الرحيل ومفارقة هذه الدنيا، وتدعو للاستعداد ليوم الرحيل، والتزود بما حسن وطاب من الأعمال والقربات، والاجتهاد في استثمار هذه الأيام والليالي التي هي مراحل نقطعها إلى الدار الآخرة: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ) [الزمر:21].
أيها الإخوة المسلمون: نعيش هذه الأيام موسما من مواسم السنة يتكرر في كل عام، ألا وهو فصل الشتاء، وكم في الشتاء من عبر وعظات لذوي القلوب الحية! كم في الشتاء من فرص للطاعة ومواسم للعبادة لا يفطن لها إلا الحريصون على كسب الحسنات ومضاعفة الدرجات!.
أما كونه موسماً لبعض الطاعات فذلك من حيث كون أدائها سهلاً فيه بالنظر إلى بقية مواسم السنة، أو من حيث شدة الحاجة إلى لون من ألوان العبادة في الشتاء؛ لما أودعه الله في فصل الشتاء من الخصائص والمزايا، حيث اشتداد البرد وما يتطلبه ذلك من حاجة إلى الطعام والكساء، وحيث طول ليله وقصر نهاره؛ ولهذا روي في بعض الآثار: "الشتاء ربيع المؤمن، طال ليله فقامه، وقصر نهاره فصامه".
قال ابن رجب -رحمه الله-: "وإنما كان الشتاء ربيع المؤمن لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه كما ترتع البهائم بمرعى الربيع فتسمن وتصلح أجسادها، فكذلك يصلح دين المسلم في الشتاء بما يسر الله به من الطاعات".
ففي الشتاء -أيها الإخوة المسلمون- يقدر المؤمن على صيام النهار من غير مشقة تلحقه، أو كلفة تحصل له من جوع أو عطش؛ وذلك لقصر نهاره، مع برودة الجو فيه؛ ومن ثم فلا يحس الصائم فيه بمشقة الصيام التي يحسها في أيام الصيف.