[frame="8 10"]التوبة مقام عظيم ، يجب على كل مؤمن كريم أن يجعل له نصيباً فيه طالما كان في العمر بقية ، ولا يوجد واحد من المقربين أو من الواصلين أو من العارفين يترك مقام التوبة طرفة عين ولا اقل ، بل إن التوبة تلازم جميع المقامات ، لكن كما قلت بحسب المقام الذي أنا فيه تكون التوبة ، وحتى ينال الإنسان بالتوبة حب الله شرطها ، أن تتغير أحوال التائب من الأحوال التي كان عليها إلى الأحوال التي يحبها الله ، ولكن يقول إني تبت وهو على ما هو عليه لا ينفع
والدكتور عبدالحليم محمود رحمة الله عليه كان له تعليق لطيف في هذا الموضوع قال فيه : بدأ الإمام القشيري تراجمه {وتراجم يعني سير الصالحين} بسيرة إبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وغيرهم ممن كانوا في أوحال الذنوب حتى يفتح الباب للمريدين ويبسط المقام للمحبين ليعلموا أن الله إذا شاء يبدل السوء بحسنات
وكان إبراهيم بن أدهم ابن ملك خوارزم في بلاد فارس ، وخرج يوماً للصيد وبينما هو يركب فرسه ويجري وراء أرنب بري لصيده إذا بالسرج ينطق ويقول: يا إبراهيم ألهذا خلقت؟ أم بهذا أمرت؟ وذلك حتى نعلم أن التوبة تأتي من الله وإذا أراد الله فلا مرد لقضاء الله فنزل من على الفرس وقد وجد حارساً يعمل عند أبيه فأعطاه بزته أي بدلة الأمراء وملابسه وسلاحه ولبس حلته وهاجر إلى أرض الشام وبدأ توبته إلى الله وله من الأحوال الخارقة والكلمات الصادقة ما تتحير فيه العقول ولا وقت لسرد ذلك الآن
لكن حبذا لو اطلعتم على سير هؤلاء الرجال فقد قال الإمام الجنيد رضي الله عنه : حكايات الصالحين جند من جنود الله تسوق المريدين إلى حضرة الله ، وقد استنبط ذلك من كتاب الله ، فلماذا قص الله قصص الأنبياء والمرسلين؟ {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} يوسف111
وكذلك الفضيل بن عياض رضي الله عنه هو الرجل الذي ذهب إليه هارون الرشيد في مكة ليستأذنه في زيارته فرفض ، ماذا كانت بداية أمره؟ كان قاطع طريق وله عصابة يرأسها وفي يوم ذهبوا للسطو على منزل ووقف على سطح المنزل يوجههم فسمع قارئاً يقرأ قول الله تعالى {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} الحديد16
فخارت قواه وجلس في مكانه وقال: "آن يا رب" وخرج تائباً وذهب إلى مكة وظل حتى استأذن الرشيد عليه ليزوره فلم يأذن له
[/frame]