[frame="3 10"] هل الله يبتلي أعز أحبابه وأفضل مخلوقاته وهم أنبياء الله ورسله؟ نعم ولو رجعنا لكتاب الله وإلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نجدهما يفيضان بالأحاديث الجمة عما تعرض له أنبياء الله ورسل الله من أنواع البلاء التي صبها عليهم الله ومنها ما أشار إليه الرحمن عن سيدنا إبراهيم عليه السلام إذ يقول عز وجل {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} البقرة124
فليس بلاءا واحداً لأنه عبر بكلمات وكلمات يعني أنواع من البلاء ، وما النتيجة؟ فأتمهن، أي أتمهن كما يحب مولاه وكما يرضى الله فكانت النتيجة {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} البقرة124
أي أن الله اختاره للإمامة ، والإمامة في هذا المقام هي النبوة والرسالة ، فكأنه لا عطاء إلا بعد بلاء وكما قال الإمام أبو العزائم : "لا منحة إلا بعد محنة ولا عطية إلا بعد بلية"ومن أراد العطاء بغير بلاء فقد رام المحال لأن الله لم يرضى ذلك لأنبيائه ورسله وهم أعز الخلق عنده بل إن الحَبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم أشار إلى القاعدة الإلهية الشاملة لجميع البرية في هذا المقام وهي التي يدور حديثنا عنها اليوم فقال صلوات ربي وتسليماته عليه {إذا أحب الله عبداً ابتلاه – لماذا؟ - فإذا رضي اصطفاه وإذا صبر اجتباه}[1]
مقامان لا ثالث لهما في تقبل بلاء الله ، فمن يتقبل هذا البلاء بالرضا عن الله تكون النتيجة أن الله يصطفيه ويجعله من المُصطفين الأخيار ويدخل في قول الله {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} الحج75
والرضا يعني أن يرى هذا الفعل من ربه فيسلم لأمر ربه ولا تنازع نفسه فيما قضى به ربه ، فلا يتقبل البلاء على مضض ولا حرج ولا ضيق ولا زهق بما قضى الله ، وليس معنى ذلك أن يترك البلاء بدون مدافعة ، لكن يدفع البلاء قدر طاقته وإذا وجد في النهاية أنه عاجز عن دفعه بكل طاقته يعلم أنها إرادة الله فيرضى بما قضى الله ويسلم الأمر لله ويعمل بقول الله لحَبيبه ومُصطفاه فيمن أراد الله أن يحبوهم بمقام الاصطفاء {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} النساء65
فيسلم بما قضى به الله فإن في ذلك الخير كل الخير ، لأن الله يجتبيه ويصطفيه كما أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم وإذا لم يستطع أن يكسب نفسه مقام الرضا عليه أن يصبر والصبر أن يتقبل الأمر على مضض ، لكنه لا يجزع ولا يهلع ولا يقول ولا يفعل شيئاً يغضب الله ، وهذا مقام الصبر الجميل "وإذا صبر اجتباه" وهناك فارق كبير بين المصطفين الأخيار وبين المجتبين الأطهار لأن هؤلاء أهل مقام وهؤلاء بعدهم بآلاف الدرجات في الرفعة والمقام عند رفيع الدرجات ذو العرش المجيد عز وجل
{1} شعب الإيمان للبيهقى عن ابن مسعود
[/frame]