لاتغضب انتظر دقيقة
بسم الله الرحمن الرحيم
يغضب الإنسان في حالات عديدة , ومواقف مختلفة ,
بعضها يستوجب الغضب , وبعضها عكس ذلك .
إذا رجعنا بذاكرتنا إلى الوراء ,
واستعرضنا المواقف التي أثارت مشاعرنا ,
واجتاح الغضب فيها أجوائنا , وجلسنا جلسة صدقٍ مع أنفسنا , لوجدنا أنّنا فقدنا الكثير من سموِّ ذاتنا ,
ويبدأ تأنيب الضمير على حقارة ما أقدمنا عليه ,
وذلك من خلال النتائج التي حصدناها بسبب اللجوء إلى تحكيم عواطفنا في مواقف هي بأشدّ الحاجة إلى تحكيم العقل .
حالات ومواقف كثيرة نمرّ بها , تجعلنا نفقد السيطرة على أعصابنا ,
ولكن ردّة الفعل تتفاوت بدرجة قوّة الموقف أو ضعفها , وقد نتخلّص من شحنة الغضب في حينها ,
وعادة هذه المواقف قد تتكرر يوميّاً , وفي أماكن مختلفة , فقد تكون في العمل ,
أو أثناء السير بالسيارة , أو في الأسواق , وفي مختلف التعاملات مع الآخرين .
والإنسان يستطيع اختزال كل هذه المواقف التي أغضبته , ويحفظها في اللاشعور لديه , لتنفجر في لحظة معيّنة ,
دون الخوف من أدنى ردّة فعل من ضحايا هذه اللحظة , فمن هم هؤلاء الضحايا ؟
إنهم أطفالنا , وكم من القصص المحزنة والمؤثرة التي سمعنا وقرأّنا عنها , وحُدّثنا بها ,
عن ضحايا غضب الأبّ , ذلك الغضب الواهي , الذي أعجزه عن مواجهة أسبابه الحقيقيّة ,
ويجعل تصرفات أطفاله البريئة هي السبب الرئيسي لغضبه .
وليت الأمر يقف عند هذا الحدّ , وإنّما هناك الإعصار الآخر القادم من جهة الأمّ ,
والتي قد تُعذر أحياناً , فإنّ همجيّة غضب الأبّ , يُختزل في اللاشعورٍ لديها.
كم تقطّع قلبي أسىً على أطفالٍ ضربوا ووبّخوا أمام مرأى من الناس , بعضهم يجهش بالبكاء خوفاً وذعراً ,
وشعوراً بالإهانة , وبعضهم يتقلّب ألواناً خجلاً وتحطيماً ,
وبعضهم يصمت وهو يموت داخليّاً , فما هو الذّنب الذي اقترفوه ؟.
لو جلسنا جلسة صدقٍ مع أنفسنا كما ذكرت ,
فهل سيكون حالنا أفضل ؟ , ويعمّ الأمان لدى أطفالنا ؟ .
إننا في حاجة ماسةٌ جدّاً للجلوس مع أنفسنا ,
ونعترف أمامها بضعفنا في مواجهة المواقف المختلفة التي تجتاح حياتنا يوميّاً ,
ونبدأ بالبحث عن سبل الوقاية والعلاج , وأن نُرجع الأسباب لمصدرها الحقيقي ,
ولا نختفي هرباً وخوفاً من ردّة الأفعال المختلفة , ونتأسّى بسنّة المصطفى صلّ الله عليه وسلم ,
وأن نُعوّد أنفسنا على الصبّر والتأني والهدوء .
ردّة فعل الغضب هي لحظات لا تتعدى في وقتها الثواني , ولكنّ ما يترتّب عليها نتائجه مخيفة ,
ويكفي أنّ ما تخلفه ردّة الفعل هذه في غالب الأمر , الحسرة والندامة ,
من مناظر لا يمكن للعين أن تنساها ولا للعقل أن يُنكرها , ولا للقلب أن يتجاهلها .
أطفالنا لن يبقوا أطفالاً , سيكبرون , فإمّا ثقّة وأمانٌ نزرعه في نفوسهم ,
وإمّا خوفاً ورعباً , فأين القلوب الرحيمة ؟
[أنّ رجلا قال للنبي صلّ الله عليه وسلم : أوصني ،
قال :
( لا تغضب ) . فردد مراراً ، قال : ( لا تغضب )] , فأين نحن من هذا ؟