جلس يفكر في حاله ويتعجب!!
هل أنا في دولة غنية؟! لا أكاد أصدق! فالسكن بالإيجار وراتبي لا يكاد يفي بمتطلبات الحياة اليومية والمعيشة أصبحت غالية والأسعار أصابها السعار والفواتير أثقلت كاهلي، فالهواتف الثابتة والنقالة كلها مفصولة، والكهرباء على وشك، وصاحب الشقة أعطاني إنذاراً أخيراً.
التفت حوله فلم يجد إلا بطاقة الأحوال، فهي الوحيدة التي وصلته من الدولة بدون رسوم، على أن إضافة الفخذ كلّفه الكثير من الوقت والمال والسفر لمراجعة الدوائر الحكومية!
وضع البطاقة أمامه كمتحدث رسمي للدولة، ودار بينهما هذا الحوار:
البطاقة: لماذا أنت متضجر؟ فالدولة لم تقصّر!
المواطن: أنا لم استلم من الدولة إلى الآن أي منحة أرض، ولي أكثر من 15سنة ولم يصل دوري في الصندوق العقاري، ولم أستلم في حياتي من الدولة أي شرهة لا سنوية ولا قرنية، فأنا اقتربت من التقاعد ولا أملك بيتاً!
البطاقة: ولماذا لا تعتمد على نفسك؟
المواطن: حاولت كما حاول غيري، وفي آخر لحظة، كانت الدولة سببا في خسارتي وخسارة الآلاف، فشركات الاستثمار تم إيقافها وسجن أصحابها فتعلق الكثيرين!
البطاقة: الدولة فعلت ذلك حرصاً على المواطن، وحماية له مـ...
المواطن: أين الدولة من هؤلاء حين بدأوا مشاريعهم؟ فإما أن يوقفوهم من البداية ويمنعوهم من أخذ شيء من الناس أو يتركون الناس معهم وكأن الجميع في غابة لترى الدولة من سينتصر! ومع ذلك فقد تكررت المأساة في سوق الأسهم!
البطاقة: وما ذنب الدولة في ذلك؟
المواطن: لقد سكتت الدولة عن القروض التي منحتها البنوك للناس، وسكتت عن التسهيلات التي سهلتها البنوك للتجار لمضاعفة أرصدتهم حتى تورط الجميع وتضخم السوق ثم انفجر البالون وتناثر الناس كلٌ متأثر بجراحه!
البطاقة: هذه الحركة وراءها الهوامير وليست الدولة!
المواطن: لو كنت مكان الهوامير لفعلت ما فعلوه وأكثر، فالأسهم ارتفعت ولا بد من جني الأرباح، لكن الدولة هي المسئولة بسكوتها منذ البداية عن ضخ السيولة وتورط الناس، فلم تقم بإيقاف ذلك أو على الأقل ضبطه بمنع البنوك من توريط الناس بالقروض.
البطاقة: الدولة هي التي أوقفت هذا النزيف وإلا لغرق السوق ولأصبحت ترى أسعار الأسهم تحت الصفر بالناقص(-)!
المواطن: أنا مهموم ولا أستطيع الضحك، وهل هناك من سيصدق أن يكون السوق بالناقص؟!
البطاقة: مثلما صدّقتم أن السهم الذي قيمته 50 ريال في خلال أيام قلائل أصبح سعره بالآلاف، يجب أن تصدقوا أن هناك سوق سيكون في يومٍ من الأيام بالناقص، ثم هل من المعقول أن تصبحوا كلكم أثرياء بين عشية وضحاها؟! من سيبقى ليستفيد من صندوق الفقر الذي أُنشئ؟!
المواطن: الدولة لا تريد أن تعطينا بالسوية ولا تريدنا أن ننمي أموالنا بالطرق النظامية، فماذا تريدنا أن نفعل؟! أنسرق؟! لقد رأينا الفقر حقاً بعد إنشاء هذا الصندوق، ولم يفلحوا حتى في اختيار الاسم، ولو كانوا متفائلين لسمّوه صندوق اليُسر، أو صندوق البشائر مثلاً!
البطاقة: إنك بهذا الكلام تتنكر للدولة وتنسى ما تقدمه للمواطن، بل وتتعامى عن هذه الإنجازات والتقدم الذي تشهده البلاد في شتى المجالات؟
المواطن: أنا إذا نظرت إلى حال الناس تذكرت العمرين (عمر بن عبد العزيز رحمه الله) و(عمر بن الخطاب رضي الله عنه)!
البطاقة: وما وجه المقارنة؟
المواطن: عمر بن عبد العزيز حكم بالعدل سنتين فقط، ولم يجد بعدها من يقبل الزكاة لأن الناس قد استغنوا، ووجه الشبه أنّ لنا الآن سنة وإذا استمر الحال سنة أخرى فلن تجد من يخرج الزكاة، لأنها لن تكون واجبة عليهم حينئذٍ، إذ لا مال لديهم!
البطاقة: وما وجه المقارنة بعمر بن الخطاب رضي الله عنه؟
المواطن: عمر بن الخطاب كان يقول (لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يُسأل عنها عمر) والدولة لا تبالي بالمواطن، وهي ستُسأل حتماً عن آلاف الناس الذين يموتون سنوياً بسبب سوء الطرق والحوادث الناتجة عن التهور وكذلك بسبب هذا الوباء (الدخان) الذي تسمح ببيعه وشرائه واستخدامه!
البطاقة: الناس متهورون ولا يمكن مراقبة الناس كلهم، وأما الدخان فلو منعته الدولة لأدخله المهربين، وسيكلفنا مراقبة هؤلاء ومتابعتهم الكثير من الرجال والأموال!
المواطن: عذر أقبح من ذنب، أجل لنسمح بالخمور بحجة أنها ستهرّب ونسمح بالمخدرات كذلك ووو إلخ، أعود وأقول: حتى لو تمّ تهريب الدخان، كم ستصبح نسبة المدخنين؟! وهل سيجاهر به الناس؟! لقد ضربت حكومة طالبان للناس أروع الأمثلة في منع المخدر ومحاربته خلال 4 سنوات، حتى أصبحت أفغانستان خالية تماماً منه وذلك بشهادة ألد أعدائها (هيئة الأمم المتحدة)، إننا بمنعه سنوفر قيمة هذه البرامج والعيادات والمستشفيات التي يتردد عليها المدخنون وسنمنع زيادة عدد المدخنين بل سنكون عوناً لمن يريد تركه، ونوفر هذه الأموال التي يحرق الناس بها صحتهم، وسنغلق تلك البوابة التي تركتها الدولة مفتوحة إلى عالم المخدرات، وأما الطرق فإن الدولة تستطيع أن تعمل لها صيانة دورية وأن تراقب الطرق عبر الأجهزة الحديثة وتعاقب المخالفين بكل حزم وعدل.
البطاقة: على كل حال، نحن لا زلنا بخير ونحن أحسن بكثير من غيرنا، والميزانية تحمل في طياتها الخير والنماء للمواطن والمقيم، وها هي الدولة تدعم الدول المتضررة كما حدث مؤخراً للبنان!
المواطن: سنكون مسرورين إذا وصل هذا المليار لإخواننا أهل السنّة في لبنان، وسنسر أكثر لو وصل مثله لإخواننا في العراق وأفغانستان والشيشان، فالطوائف الأخرى عندها من يرعاها ويدافع عنها، أما إخواننا في كل مكان فلا بواكي لهم، وسيبقي في ميزانيتنا الكثير، لكن عسى أن نجد فيها ما نُأمّل أو على الأقل أن تعاملنا الدولة كلبنانيين.
.....................................