و جعل يرصد من يخرج منه إلى أنْ تناصف الليل فنام و رأسه على ركبة العبد فبينما هو نائم و إذا بالعبد ميمون يوقظه، فقال : ما الخبر؛ فقال : ياسيدي إني أسمع حساً داخل المغارة و رأى ضوءاً قليلا فقام و نظر إلى الضوء فخرج هو و العبد و أتى إلى مغارة أخرى بعيداً عنها و قال لعبده إجلس حتى أرى ما الخبر، ثم غاب ساعةً و قصد المغارة التي كان بها و دخل إلى أقصاها فوجد دهليزاً فهبط إليه فإذا فيه ضوء يخرج من بعض الثقب فوضع عينه في ثقبه و نظر فإذا هو بتلك البنت و معها ما يقرب من مئة بكرٍ في قصرٍ عجيبٍ في ذلك الجبل، و فيه أنواع الفرش المذهبة على أشكال شتى و هنّ يأْكلن و يشربن و يتنادمن، فقال للعبد ميمون : آتني بأخي في اللّه أبا الهيلوج، فركب العبد و سار اللّيل كلّه، و كان أبوالهيلوج من أقرب أصحابه و أعزّهم عليه، و هو إبن الوزير، و كان أبو الهيلوج و أبو الهيجاء و العبد ميمون لم يكن في زمانهم أقوى منهم و أشجع، و كانوا من الطغاة الذين لا طاقة لأحد عليهم في الحرب، فلما وصل العبد ميمون أخبره بما وقع، فقال : إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، ثم ركب جواده و أخذ معه أعز عبيده و سار إلى ان وصل المغاره فدخل و سلّم، فأخبره بما وقع له من حب الزاهره و أخبره بما وقع في قعر المغاره، فتعجب أبو الهيلوج من ذلك و أخبره أيضاً أنه أراد الهجوم على قصرها فوجده نافذاً إلى هذه المغاره تحت الأرض، فلما جنّ الليل سمع لغط و كثرة الضحك و الحديث فقال له أدخل و أنظر لكي تعذر أخاك، فدخل و نظر فافتتن من حسنها و جمالها، فقال له : من الزاهره من هذه البنات الأبكار ؟، فقال : هي صاحبةُ القد البهي و المبسم الشهي، صاحبة الخد الأحمر و التاج المجوهر و الجبين الأزهر و الحلّة المذهبّه و الكرسي المرصع الذي ترصيعه كثير و مساميره من فضّه و أحلاقه من ذهب، ألتي يدها على ثغرها؛ فقال : إني رأيتها بينهن كالعلم، و لكن يا أخي أخبرك بشئ أنت عنه غافل !! قال : ماهو ؟، قال : يا أخي لا شك أنّ هذا القصر عندهنّ للخلاعة لأنّهنّ يدْخلن فيه من اللّيل إلى اللّيل، و هو محل خلوه و أكل و شرب و خلاعة، و إنْ حدثتْك نفسك أن تصل إليها من غير هذا المكان فإنك لا تقدر على شئ لأنها مولعة بحب البنات، فلذلك لا تلتفت إليك و لا إلى صحبتك؛ فقال : يا أبا الهيلوج، ما عرفتك إلاّ عارفاً ناصحاً و لهذا بعثت لك، لأني لم أستغن عن رأيك و مشورتك؛ فقال له : يا أخي لولا أن اللّه منّ عليك المكان لما كنت تتصل بها أبداً، و لكن من هنا يكون الدخول لهذا القصر إنْ شاء اللّه، فلما أضاء الصباح أمر العبيد بحفر ذلك المكان، فهدموا منه قدر الحاجه ثم أنهم غيّبوا خيولهم في مغارةٍ و زربوا عليها من الوحوش و اللصوص ثم رجعوا و دخلوا هم و العبيد لتلك المغارة، و بلغوا إلى القصر و كل واحدٍ منهم بسيفه و درقته و ردّوا الثقب كما كان و دخلوا القصر فوجدوه مظلماً، فقدح أبو الهيلوج الزناد و أشعل شمعة كانت هناك، و جعلوا يدورون يميناً و شمالاً فوجدوا فيه عجائب و غرائب و فرش عجيبه و مساند على كل لون و ثريات و موائد و أطعمة و أشربة و فواكه و فرش عظيمة، فتعجبوا من ذلك و جعلوا يدورون فيه و يعدّون منازله، فوجدوا فيه منازل كثيرة، و وجدوا في آخره بابا داخله خوخةً صغيرةً مقفولةً بقفل؛ فقال أبوالهيلوج: أظن هذا هو الباب الذي يدخلن منه، ثم قال : يا أخي تعال نمكث في بعض منازل هذا القصر؛ فمكثوا في منزلٍ عظيمٍ مستورٍ عن الأبصار إلى أن أتى الليل و إذا بجارية فتحت الخوخة و خرجت و بيدها شمعة، فأشعلت تلك الثريات جميعاً و رتبت الفرش و نصبت الموائد و أحضرت تلك الأطعمة و صففت الأقداح و قدمت تلك الزجاجات و بخرته بأنواع الطيب، فلم تكن إلاّ ساعة و اذا بتلك الجواري و الأبكار يدخلن، يتبخترن في مشيتهن على الفرش، و مدت لهن الموائد بالأطعمة و الأشربة، فأكلن و شربن و غنين بأنواع الألحان، فلما إمتلأن خمراً خرج الأربعة من أماكانهم و كل ضارب نقابه على وجهه؛ فقالت الزاهره : من هؤلاء الهاجمين علينا في هذا الليل ؟ أمن الأرض خرجتم أو من السماء نزلتم ؟ و ما الذي تريدون ؟؛ قال : الوصال