مؤلفه ينطلق من التفسير المادي للفكر ويجرد الدين من حقائقه وأبعاده الإلهية
الأزهر يوصي بمصادرة كتاب "تقديس الشهوة" لاعتباره الإسلام امتداداً للأساطير
القاهرة: حازم عبده
أوصى مجمع البحوث الإسلامي التابع للأزهر الشريف بمصادرة كتاب "تقديس الشهوة: الرموز الفلكية في النص القرآني" للكاتب السوري إبراهيم محمود والذي يعتبر الإسلام امتداداً لأساطير الأولين والقرآن ليس تنزيلاً سماوياً.
وقال تقرير المجمع الذي أعده عضو المجمع المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة حول الكتاب وتنفرد "الوطن" بنشره: إن مؤلفه ماركسي سوري من غلاة العلمانيين، وهو مهتم بنقد الفكر الديني عموماً والإسلامي منه على وجه الخصوص، وهو ينطلق من التفسير المادي للفكر وللتاريخ ويرى أن الدين الإسلامي امتداد لأساطير الأولين ولثقافة العصر الذي ظهر فيه ومن ثم يجرده من حقائقه وأبعاده الإلهية والسماوية التنزيلية والإعجازية والموضوعية. والمؤلف في سبيل ذلك لا يقف موقف الإنكار الصريح والفج بقدر ما يسلك سبيل التأويل الذي يحول كل الحقائق إلى مجازات ورموز وخيالات ويحول كل التصورات العقدية عن الله والكون إلى رؤى أسطورية تعكس ذهنية الإنسان الذي عاصر ظهورها أو قرأها أو فسرها فلا وجود لحقيقة موضوعية في هذه النصوص الدينية والتصورات العقدية.
وأشار التقرير إلى أن التأويل عند المؤلف منفلت من أي ضوابط لغوية أو دينية وإنما هو ثمرة لقراءة جموحة ولفهم ذاتي، والمؤلف في هذا التأويل يتفوق على التأويل الباطني القديم الذي جعل لكل ظاهر باطناً ولكل تنزيل تأويلاً - في أن التأويل الباطني كان مفرقاً ومغالياً في الروحانية بينما هذا التأويل - الوضعي المادي الذي يتبناه المؤلف، نقلاً عن الوضعية الغربية - يفرغ الدين من الروحانية ويجعله فكراً إنسانياً يعتمد الرموز والمجازات للتعبير عن الأحلام والأشواق والطموحات والإحاطات الإنسانية.
ويلجأ المؤلف إلى لون من التأويل الفلكي للشعائر والمناسك والعبادات والتأويل التقني للمعجزات، فمثلاً: عصا موسى عنده هي جهاز "تحكم" من بقايا تقدم تكنولوجي وجد في العصور التي سبقت عصر موسى عليه السلام (ص 285)، والمؤلف يستعين على هذه التأويلات بالإسرائيليات والمرويات الساقطة - رواية ودراية - والمأثورات الأسطورية التي وردت في كتب من مثل (أساطير العالم القديم والمعتقدات الدينية لدى الشعوب وديانات العصر الحجري الحديث في بلاد الشام).
وأورد تقرير المجمع نماذج من شطحات الكتاب وتجاوزاته وجموحاته التي تؤول الحقائق الدينية والمعلومة من الدين بالضرورة ومنها أن الله سبحانه وتعالى ـ عند المؤلف ـ ليس خالق السماوات والأرض "وإنما المسمى بخالق السماوات والأرض (ص 36)، ووجود الذات الإلهية ليس حقيقة، وإنما هو "ابتداع إنساني من خلال المواصفات والمزايا التي تعينه، إنه إله - رغم كل أسمائه الحسنى - لا يغادر حيز كوننا المألوف وهو يبدو مفهوماً مستحدثاً في أبعاده المعطاة له انطلاقاً من جملة مزايا عرفتها وتداولتها المنطقة قبل أن يعرف به في النصوص الدينية الكبرى (ص 59).
كما جاء في الكتاب أن العظمة الإلهية والسمو السماوي ليس أكثر من تكريس لأدلة السلطة السياسية.
أيضاً فإن الدين عند المؤلف ليس وضعاً إلهياً وتنزيلاً سماوياً مفارقاً للواقع وإنما هو الامتداد المتطور للتراث والخلف للسلف الأسطوري، وهو يصرح بذلك مباهياً بصراحته، عندما يقول: "أعتبر - وبصراحة - أن الدين هو الخلف المباشر لسلف مسمى بالأسطوري وهو خلف يقدم بوصفه نتاجاً إبداعيا" (ص 89، 90).
ويكشف التقرير أن النص الديني عند المؤلف ليس تنزيلاً سماوياً ولا معجزاً إلهياً مفارقاً للواقع وإنما هو لاحق للنصوص التي سبقته، وبعبارة المؤلف: "إن كل نص ديني هو نص لاحق على نص سابق عليه، متجذر في الواقع، متعدد الأبعاد فكل ما يتفوه به الديني سمواً ودنواً يجد نسخة له ولو تقريبية في مرحلة سابقة عليه" (ص 100).
أيضاً فإن المؤلف يرى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يكن في دعوته إعجاز مفارق للواقع وإنما ابن بيئة وثقافة عصره ومجتمعه.. وكل الجديد لديه هو مجرد محاولة لإحداث تغيير في تلك الثقافة، وبعبارة المؤلف: "فالرسول نفسه كان ينطلق من ثقافة اكتسبها وتعلمها في بيئته وتجواله هنا وهناك وهو لم يكن خارج بيئته بقدر ما حاول إجراء تغيير في تلك الثقافة (ص 164). ويضيف التقرير: وينطبق ذلك برأي المؤلف - حتى على العبادات التي جاء بها الرسول (صلى الله عليه وسلم) فهي موروثة من البيئة والتاريخ مع تحوير وتطوير وتغيير فيها.., فصلاة الرسول لله عند كسوف الشمس تعني - بعبارة المؤلف - أن المصلي يقدم نذراً أو قرباناً هو مجموعة حركات جسدية للنار، اتقاء لفحها وكأنما المصلي يعترف بالنار وصلاته بمثابة اعتراف بسطوتها، وبغضب الشمس، وبالتالي نجاة منها.. ولقد وجد الرسول (صلى الله عليه وسلم) نفسه في غمرة المواجهة مع العديد من المعتقدات التي لم يستطع التخلص منها إلا بتقديم ما يمكن اعتباره (برنامجه) المستقبلي.. والرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يصل صلاة الكسوف - إلا لأنه كان هناك من يصلي للشمس في الجاهلية" !! (ص 159).
كما يقول المؤلف: إن وجود الحجر الأسود في الكعبة وتقبيل الرسول (صلى الله عليه وسلم) له "مرتبط بعبادة الأصنام.. إذ كان يستحيل إقصاء الماضي، وكان هناك ضرورة لاستمرارية معتقدات وممارسات طقوسية وحتى عبادات مختلفة تأصلت في النفوس وفي الأذهان ولم تستأصل نظراً لأهميتها ومدى نفوذها، ومن ذلك طقوس التقرب من الآلهة عن طريق الأصنام حين الحج إليها، فقد طورت هذه بعد تشذيبها لتتناسب مع مستجدات الدين الجديد، وليس الحجر الأسود سوى الوسيط الأكبر للتقرب إلى إله واحد (ص 212، 213، 214). فكل الذي حدث - برأي المؤلف - هو الاكتفاء بحجر واحد بدلاً من الأصنام المتعددة!!.
ويختتم الدكتور محمد عمارة تقريره بالقول: وهكذا ينكر هذا الكتاب - بواسطة الجحود حيناً والتأويل الفاسد أحياناً - أهم ما هو معلوم من الدين بالضرورة: حقائق الألوهية والنبوة والرسالة والمعجزات والعبادات، لذلك يجب منع تداوله وتوزيعه.
الوطـن