[align=center]طول الأمل
حذّرنا ربنا كثيرًا من طول الأمل، ونبَّهَنا إلى أن الموت يأتي بغتة، قال تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ* أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ* أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)
وحذّرنا كذلك من أن تلهينا أموالنا وأولادنا عن ذكر الله، قال -جل شأنه-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ* وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ* وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، وقد ورد الشرع بالحث على قصر الأول وعلى العمل والمبادرة إليه، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"، وقال -صلى الله عليه وسلم- لرجل وهو يعظه: "اغتنم خمسًا قبل خمس؛ شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" وقال عمر -رضي الله عنه-: "التؤدة في كل شيء خير، إلا ما كان من أمر الآخرة" وكان الحسن -رضي الله عنه- يقول: "عجبًا لقوم أُمروا بالزاد، ونودي فيهم بالرحيل، وحبس أولهم على آخرهم، وهم قعود يلعبون".
وقد روي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك".
وعن أبي زكريا التيمي قال: "بينما سليمان بن عبد الملك في المسجد الحرام إذ أُتي بحجر منقوش، فطلب من يقرؤه، فإذا فيه: ابن آدم، لو رأيت قرب ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك، ولرغبت في الزيادة من عملك، ولقصرت من حرصك وحيلك، وإنما يلقاك ندمك لو قد زلت بك قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك، فبان منك الولد والنسب، فلا أنت إلى دنياك عائد، ولا في حسناتك زائد، فاعمل ليوم القيامة، يوم الحسرة والندامة".
وقال ابن قدامة: "الإنسان مشغول بالأمانيِّ الباطلة، فيمنِّي نفسه أبدًا بما يوافق مراده من البقاء في الدنيا، وما يحتاج إليه من مال وأهل ومسكن وأصدقاء وسائر أسباب الدنيا، فيصير قلبه عاكفًا على هذا الفكر، فيلهو عن ذكر الموت، ولا يقدر قربه، فإن خطر له الموت في بعض الأحوال والحاجة إلى الاستعداد له سوّف بذلك ووعد نفسه، وقال: الأيام بين يديك إلى أن تكبر ثم تتوب، وإذا كبر قال: "إلى أن يصير شيخًا، وإن صار شيخًا قال: إلى أن يفرغ من بناء هذه الدار وعمارة هذه الضيعة، أو يرجع من هذه السَّفرة، فلا يزال يسوّف ويؤخِّر، ولا يحرص في إتمام شغل إلا ويتعلق بإتمام ذلك الشغل عشرة أشغال، وهكذا على التدريج يؤخِّر يومًا بعد يوم، ويشتغل بشغل بعد شغل، إلى أن تختطفه المنيّة في وقت لا يحتسبه فتطول عند ذلك حسرته.
وكان حامد القيصري يقول: كلُّنا قد أيقن الموت، وما نرى له مستعدًا!، وكلنا قد أيقن بالجنة، وما نرى لها عاملاً!، وكلنا قد أيقن بالنار، وما نرى لها خائفًا!، فعلام تفرحون؟! وما عسيتم تنتظرون؟!.. الموت؟! فهو أول وارد عليكم من أمر الله بخير أو بشرّ، فيا إخوتاه، سيروا إلى ربكم سيرًا جميلاً.
ورحم الله أبا العتاهية، ما أفقهه حين قال: نُح على نفسك يا مسكين إنْ كنتَ تنوحُ
لستَ بالباقي ولو عُمِّرْتَ ما عَمِّر نوح
فماذا عسانا ننتظر؟ الموت: أول وارد علينا؟! فلنسر إلى ربنا سيرًا جميلاً [/align]